الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / التسبيب / الكتب / طرق وأسباب الطعن في حكم التحكيم دراسة قانونية مقارنة / السبب في اتفاق التحكيم

  • الاسم

    محمد علي فرح
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    248

التفاصيل طباعة نسخ

السبب في اتفاق التحكيم

أولا: مفهوم السبب

السبب في الفقه اللاتيني

  له معنيان في الاصطلاح القانوني تقليدي وحديث، وفي معناه التقليدي يعني الغرض المباشر الذي يقصد المتعاقد الوصول إليه من وراء الرضا بالعقد، أما السبب في معناه الحديث يقصد به الغرض الشخصي أو سبب العقد هو الباعث الدافع للعاقد للالتزام، وهو يختلف من متعاقد إلى آخر في العقد الواحد، خلافا للغرض الموضوعي المجرد الذي يكون واحدا في كل فصيلة من فصائل العقود وعلى ذلك فان فكرة الغرض الشخصي أو سبب العقد تعبر عما وراء هذا الغرض الموضوعي المجرد من بواعث تختلف من متعاقد إلى آخر، وبالتالي فان خصائصه عن النقيض من خصائص السبب في النظرية التقليدية، فالباعث معياره ذاتي، وليس موضوعي، وهو خارج عن العقد ومتغير من عقد إلى عقد بتغير العاقدين، وذلك حسب الباعث الذي يدفع كل منهما.

السبب في الفقه الألماني:

   القانون الألماني ذو نزعة موضوعية فهو يقف عند التعبير المادي ولا يجاوزه إلى الإرادة باعتبار أن الأخيرة شيء داخلي لا يعلم بها من الناس إلا أصحابها، فالباعث إلى التعاقد في عقد ما إذا لم يكن جزء من التعبير عن الإرادة لا يعتد به ، ومعنى ذلك أن السبب في القانون الألماني العبرة فيه بالإرادة الظاهرة أي بما أفصحت عنه والسبب جزء من هذا الإفصاح.

السبب في الفقه الإسلامي:

   لم يضع الفقه الإسلامي في جميع مذاهبه المختلفة نظرية منفصلة للسبب، وهو في ذلك

يتمشى مع صناعته المألوفة لا يصيغ نظريات عامة بل يورد تطبيقات تفصيلية، ويمكن من خلال التأصيل استخلاص نظرية السبب.

نظرية السبب في الفقه الحنفي والشافعي:

   السبب بمعنى الباعث لا يبحث عنه خارج العقد، بل يجب أن يكون موجودا في صيغته ذاتها، فإذا كانت الإرادة الظاهرة تتضمن باعثا مشروعا، فالعقد صحيح بحكم الظاهر دون البحث عن النية وهم يعتدون بالسبب أي الباعث إذا تضمنته صيغة العقد أو التعبير عن الإرادة. فالإمام الشافعي الأصل عنده طالما كان العقد صحيحا في الظاهر فإنه لا يبطل بتهمة بين المتعاقدين، وهو لا يفسد بيع العنب لمن يرى أنه يعصره خمرا، وإن كان يرى فيه كراهة .

  لا يشترط أن يذكر السبب صراحة، ويمكن استخلاصه ،ضمنا وعادة يكون ذلك من طبيعة المحل في العقد، ومثال السبب المذكور صراحة في صيغة العقد إجارة الاماء للزنا لما روى أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنه نهى عن مهر البغى (أجر الزانية) وكذلك شراء القمرية على اعتبار أنها تصوت أو الديك باعتباره مقاتلا، فالبيع فاسد عند أبو حنيفة لأن هذه صفات يتلهى بها عادة.

   مثال السبب المستخلص من طبيعة المحل شراء القرد عند أبو حنيفة له روايتان، الأولى عدم الجواز لأنه غير منتفع به شرعا فلا يكون مالا، والثانية الجواز لإمكانية الانتفاع بجلده والصحيح هو الأول لأنه لا يشترى للانتفاع بجلده غالبا ولكن بغرض اللهو به، وهو حرام، فكان هذا عنده بيع الحرام للحرام، فالباعث مستخلص من طبيعة المحل فالقرد لا يشترى للانتفاع بجلده عادة بل للهو به .

   كما أن المحل قد يكون مشروعا إلا أن السبب غير مشروع فيتميز السبب عن المحل، فإذا كان هذا السبب ظاهرا في صيغة العقد فإنه يعتد به ويكون العقد باطلا لعدم مشروعية السبب، مثال ذلك إجارة شخص على القيام بواجب، فالقيام بواجب محل مشروع، ولكن الأجرة هنا سببها غير مشروع، مثال استئجار الرجل زوجته لترضع ولدها لا يجوز، وكذلك إذا قال أمير الجند المسلم إذا قتلت ذلك الفارس، فلك مائة درهم فقتله فلا شيء له، لأن هذا من باب الجهاد والطاعة فلا يستحق الأجر.

   لا يعتدون بالسبب إذا لم تتضمنه صيغة العقد، ومثال ذلك العقد المجرد من سببه مثل عقد الكفالة، فالتزام الكفيل فيه مجرد من السبب، بحيث لا يستطيع الكفيل أن يحتج على الدائن بأن الدين غير مشروع فالاحتجاج عندهم للمدين فقط دون كافله كذلك إذا لم يذكر السبب بمعنى الباعث صراحة في صيغة العقد فلا يبحث عنه خارج العقد فبيع عصير العنب دون ذكر صراحة أو ضمنا من أن المشترى قصد اتخاذه خمرا حلال .

نظرية السبب في الفقه الحنبلي والمالكي:

   نظرية السبب في مفهومها أقرب إلى نظرية السبب الحديثة في الفقه اللاتيني فالسبب هو الباعث للتعاقد، ويعتدون به سواء ذكره المتعاقد في العقد أو لم يذكره، مادام هذا السبب معلوما للمتعاقد الآخر، فإذا كان هذا الباعث مشروعا كان العقد صحيحا، وإلا فلا يصح، فيرون إذا اشترى الرجل جارية وهو ينوى أن تكون لموكله فإنها تحرم عليه، وكذلك بيع السلاح لرجل معروف أنه سيقتل به مسلما . كذلك المالكية لا يجيزون بيع أرض بقصد بناء كنيسة عليها أو شراء عبد بقصد أن يكون مغنيا ويشترطون علم المتعاقد الآخر بالسبب غير المذكور في العقد، فمن باع عصير العنب إلى شخص يتجر في الخمر، فقد قامت القرينة على أن المشتري إنما يريد اتخاذه خمرا فلا يصح العقد وبيع ثياب الحرير لمن يلبسها

   وكذلك إذا أهدى المقترض هدية للمقرض قبل الأداء حمل ذلك على الربا، ويقتضي الأمر هنا أن يعلم المقرض بالباعث، ولو لم يكن يعلم فإن الهدية أيضا لا تجوز، وكذلك إذا وهبت امرأة لزوجها صداقها فيقتضي ذلك من الزوج أن يعلم أن الباعث على هذه الهبة هو استدامة الزواج فإن طلقها بعد ذلك اختل الباعث ولها أن ترجع عن الهبة.

ثانيا: موقف المشرع السوداني من مفهوم السبب:

   قانون المعاملات المدنية لسنة 1984م أخذ بالنظرية الحديثة في السبب فقد نصت المادة (84) منه وهى ورادة بعنوان سبب العقد على أنه:

1- السبب هو الغرض المباشر المقصود من العقد. 

2- يجب أن يكون السبب موجودا وصحيحا مباحا وغير مخالف للنظام العام أو الآداب فمثلا في اتفاق التحكيم فحسب النظرية التقليدية للسبب يكون سبب التزام كل من الطرفين هو التزام الطرف الآخر، فطالما أن الالتزامين المتقابلين موجودين ومشروعين، يكون اتفاق التحكيم صحيحا، وهذا ما يعرف بسبب الالتزام ولكن ماذا إذا كان الغرض الشخصي لأحد الطرفين غير مشروع فكيف يمكن أن نبطل اتفاق التحكيم؟ لا نستطيع أن نبطل اتفاق التحكيم إذا كان المشرع السوداني قد أخذ بفكرة السبب في النظرية التقليدية، لأن ذلك يقتضي البحث عن الباعث الدافع للتعاقد أي البحث عن سبب العقد.

  نجد أن القضاء الفرنسي اكتشف عدم كفاية النظرية التقليدية في السبب، فأضاف إليها فكرة الباعث الدافع إلى التعاقد أي سبب العقد واشترط أن يكون هذا الباعث مشروعا، ومن  ثم فقد جمع بين فكرة سبب الالتزام وهو الغرض المباشر من التعاقد كما عرفته النظرية التقليدية، وسبب العقد وهو الباعث الدافع للتعاقد، وهكذا نشأت النظرية الحديثة للسبب على يد القضاء الفرنسي ومن ثم أخذ بها الفقه بعد ذلك.

  نجد أن السبب في اتفاق التحكيم هو رغبة إرادة أطراف الاتفاق في حسم النزاع عن طريق التحكيم واستبعاد طرح النزاع أمام القضاء وهذا السبب مشروع، ومن المتصور أن يكون هذا السبب غير مشروع في الحالة التي يستهدف بها الأطراف من الاتفاق استبعاد تطبيق القانون الذي كان سيطبق لو طرح النزاع أمام القضاء بغرض تجنب تطبيق قيود أو التزامات يرغب الأطراف في تحاشي تطبيقها، وبالتالي فإن ذلك يعد حالة من حالات الغش نحو القانون فيكون التحكيم وسيلة غير مشروعة يراد بها الاستفادة من حرية الأطراف أو حرية المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق ويجب أن لا يتم الخلط بين السبب غير المشروع والمحل غير المشروع، فالسبب غير المشروع يقتضي أن نبحث عن إجابة السؤال لماذا لجأ الأطراف للاتفاق على التحكيم ؟ أما المحل غير المشروع فيتعلق بتحديد الموضوع المراد تسويته بالتحكيم وهو هل ممكن ومشروع أم لا؟

 قضت محكمة الاستئناف القاهرة بأنه يشترط في الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم يكون سببه مشروعا وإلا كان باطلا ويكون السبب غير مشروع إذا انطوى على إحدى حالات الغش نحو القانون كما لو كان اللجوء إلى التحكيم بقصد التهرب من تطبيق أحكام القانون الآمرة فيما لو طرح النزاع على القضاء أو الإفلات من العلانية وضمانات إعلان الخصوم التي توفرها إجراءات التقاضي أمام المحاكم أو الاحتيال على الإجراءات الواجبة لإثبات ملكية العقارات أو التصرف فيها بطريق التواطؤ بغية الاعتداء على ملكية الغير خفية أو ابتزازه.

   أحاط المشرع الملكية العقارية العامة والفردية بسياج من الضمانات القانونية للمحافظة على هذه الملكية وضمان استقرارها ومنع أي صورة من صورة التعدي غير المشروع عليها حفاظا على استقرار الثروة العقارية للدولة ولا شك أن من أهم الضمانات التي قررها المشرع في هذا المجال هو شهر صحيفة دعوى صحة ونفاذ بيع العقار وهو إجراء يتعلق بالنظام العام وبالتالي فإن الاتفاق على التحكيم بشأن صحة ونفاذ عقد بيع العقار يكون باطلا لعدم مشروعية سبب لانطوائه على إحدى حالات الغش نحو القانون والتحايل عليه .