وإن كان التحكيم كأصل هو تخويل المتعاقدين الحق في الالتجاء إليه لنظر ما قد ينشأ بينهم من نزاع كانت تختص به محاكم الدولة، وهو ما يستتبع أن اختصاص هيئة التحكيم في نظر النزاع، وإن كان يرتكن أساسا إلي حكم القانون الذي أجاز استثناء سلب اختصاص جهات القضاء ينبئ مباشرة في كل حالة على حدة .
استناداً إلى الحكم القضائي السابق، يتجلى أثر إرادة الخصوم التي فضلت ولوج طريق التحكيم للفصل في منازعاتهم بعيدا عن ساحات القضاء الداخلي في كافة المراحل التي يمر بها قضاء التحكيم، بداية من الاتفاق على التحكيم، ومروراً بالخصومة التحكيمية، وانتهاء بالحكم الصادر، فعلى سبيل المثال في المرحلة السابقة على بدء إجراءات التحكيم، يبرم الأطراف اتفاق التحكيم سواء قبل قيام النزاع من خلال شرط التحكيم.
ولما كان البين من اتفاق التحكيم الوارد في عقد المقاولة أنه قد جاء عاما يشمل أي نزاع علي العقد فهو لم يخصص لمسائل بعينها بل جاء عاما ولا تخصیص بغير مخصص، ومن ثم فهو يتسع لما فصل فيه حكم التحكيم وأن هذا الحكم لم يتجاوز نطاق النزاع المتفق على طرحه على التحكيم وصدر في حدود سلطة المحكمين المستمدة من اتفاق التحكيم.
ومع ذلك، يجب أن يكون اتفاق الأطراف على طريق التحكيم لفض خصوماتهم صريح وواضح، وأن يحدد المنازعة أو المنازعات التي ينصرف إليها، فلا يجب افتراض مثل هذه الاتفاقات التي ينزل الخصوم بها عن طريق القضاء العادي.
كما قد تهيمن هذه الإرادة على المرحلة المعاصرة للنزاع، ومن ذلك تشكيل هيئة التحكيم، والذي يعتمد في المقام الأول على اختيار كل خصم المحكم الذي يتبنى وجهة نظره أثناء المداولة، ويدافع عنها أثناء التصويت على القرار النهائي، وهو ما شددت عليه المادة (15) من قانون التحكيم المصري، فنصت الفقرة الأولي منها على انه "1- تشكل هيئة التحكيم بإتفاق الطرفين من محكم واحد أو أكثر فإذا لم يتفقا على عبد المحكمين كان العدد ثلاثة"
فضلا عن دورها - أي إرادة الأطراف - أثناء تحديد القواعد القانونية المطبقة على موضوع النزاع وإجراءاته، وهو ما شددت عليه الفقرة الأولى من المادة (39) من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، التي نصت على إلزام محكمة التحكيم بالقانون الذي يحدده اتفاق الخصوم صراحة ليسري على موضوع النزاع.
أما بالنسبة لإجراءات التحكيم، فقررت المادة (25) من القانون السابق "لطرفي التحكيم الإتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مرکز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها، فإذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة"، وهو ما أيدته المادة (1494) من قانون المرافعات الفرنسية، والمادة (19) من القانون النموذجي لليونسترال.
وهو ما أوضحته المادة (1/54) تحكيم مصري، فنصت على أنه "لا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم". فعبر هذا الاتفاق، تضفي إرادة الأطراف على حكم التحكيم طابعه البات الذي يحصنه من طرق الطعن القضائية.