يقصد بتسبيب حكم التحكيم البحرى ذكر الحيثيات أو الأسانيد الواقعية والحجج القانونية التي أسست عليها هيئة التحكيم قضاءها حول النزاع المعروض عليها .
وهكذا فإن حرص المحكمين الانجليز على الابتعاد بالحكم عن مجال الرقابة القضائية الانجليزية الشاملة عليه سواء من حيث الوقائع أو القانون والتي كانت تمارس على الحكم منطوقاً وأسباباً، جعل المحكمين الانجليز يصدرون أحكامهم خالية من أسبابها، ثم سرت هذه الفلسفة الانجليزية إلى الأنظمة القانونية الأخرى نظراً لغلبة العقود البحرية الانجليزية على مجال التعاقدات البحرية الدولية، وكثرة اللجوء إلى التحكيم البحرى الانجليزى لهذا السبب وبالتالي فلم تجد الأنظمة القانونية الأخرى سوى التأثر بهذا النظام الانجليزى حتى يمكنها تنفيذ الأحكام التحكيمية غير المسببة الصادرة عن التحكيم البحرى الانجليزي مراعاة للاعتبارات التجارية والاقتصادية .
وقد امتد هذا الاتجاه المؤيد لتسبيب أحكام التحكيم البحرى إلى الأحكام التحكيمية الصادرة عن غرفة التحكيم البحرى بباريس حيث إنه رغم أن لائحة تحكيم هذه الغرفة لا تنص على تـسـبـيـب الأحكام التحكيمية إلا أن ملخصات أحكامها الصادرة عنها، والمنشورة تباعاً في مجلة القانون البحرى الفرنسى تظهر تسبيب هيئات التحكيم التابعة لهذه الغرفة للأحكام التحكيمية البحرية الصادرة عنها.
وبالتالي فإن النظام الانجليزى الجديد للطعن على الأحكام التحكيمية يشجع الأطراف على أن يطلبوا من المحكمين قبل صدور الحكم تسبيب الحكم حتى يمكنهم الطعن القضائي اللاحق عليه أمام القضاء الانجليزي حيث إن هذا الطعن الانجليزي كـمـا رأينا يقوم على الأحكام التحكيمية المسببة، ومن هنا فقد بدأت المــــــادة الواحـــــــــدة والعشرون من لائحة تحكيم جمعية المحكمين البحريين بلندن نصها بعبارة ... « مالم يطلب الأطراف من المحكمين تسبيب الحكم مراعاة للمادة الأولى من قانون التحكيم الانجليزى (۱۹۷۹.
فأما عن أساس الالتزام بوثيقة الأسباب المنفصلة فإنه أساس تعاقدى ولاشك حيث إن الأطراف بإحالة تحكيمهم إلى لائحة تحكيم جمعية المحكمين البحرين بلندن فإنهم يلتزمون بهذه الإحالة التعاقدية بالنصوص الواردة فيها بما فيها هذا النظام لتسبيب الأحكام التحكيمية تسبيباً منفصلاً وسرياً.
ويترتب على هذا الأساس التعاقدى للالتزام بانفصال وسرية هذه الوثيقة أن الأطراف المتعاقدة على التحكيم بموجب لائحة تحكيم جمعية المحكمين البحريين بنيويورك هم فقط الذين يلتزمون بهذه الوثيقة وبسريتها حيث لا يمتد هذا الالتزام إلى الغير الذى لم يكن طرفاً التحكيم.
فذهب القضاء التجارى الإنجليزى الصادر عن المحاكم التجارية الانجليزية إلى صحة وصلاحية وثيقة الأسباب المنفصلة ووجوب التزام القضاء بها وبسريتها حيث إن الأطراف أحرار في قبول هذه الطريقة في التسبيب، كما أنه للمحكمين إصدار أسبابهم بهذه الكيفية حماية للمصلحة العامة في نهائية حكم التحكيم، وبالتالي فإن القضاء التجارى الانجليزى رأى أن هذا النظام في التسبيب له مايبرره من القدسية المتعارف عليها للاتفاقات الخاصة والرغبة في نهائية أعمال التحكيم فإذا طلب أحد الأطراف إبطال حكم التحكيم.
وبالتالي فإذا رأت المحكمة صحة وشرعية وثيقة الأسباب المنفصلة واعتبارها ليست جزءاً من الحكم، فإن هذا سيشكل ضرراً على الطاعن حيث إن المحكمة حينئذ لن تستطيع أن تأمر هيئة التحكيم سبيب الحكم أو بتكملة أسبابه لتخلف شرط هذا الأمر وهو سبق طلب أحد الأطراف من الهيئة تسبيب الحكم قبل إصداره أو وجود مانع حال دون هذا الطلب، حيث إنه من الثابت أن الأطراف بما فيهم الطاعن لم يوجهوا للهيئة مثل هذا الطلب بل اتفقوا وتعاقدوا على نظام التسبيب في وثيقة منفصلة .
واخيراً فإن تسبيب أحكام التحكيم البحرى يسمح بإيجاد قانون موضوعي خاص بالتحكيم البحرى، حيث إن هذا التسبيب للأحكام التحكيمية ثم نشرها يوجد دليلاً ومرشداً للتعرف على الحلول التحكيمية الموحدة فى المنازعات البحرية الناتجة عن التعاملات البحرية المتشابهة، ثم يأتي توحيد هذه الحلول بقانون بحرى دولي مستمد من المعاهدات الدولية، وشروط العقود النموذجية البحرية ، والأعراف البحرية والسوابق التحكيمية البحرية يطبقه المحكمون وبتواتر تطبيقه يستقل التحكيم البحرى الدولى بقواعده القانونية الدولية بعيداً عن القوانين الوطنية المختلفة.