ويكمن السبب وراء إصدار مثل هذه الأحكام أن موضوع النزاع، أو ظروف وملابسات الدعوى قد تقتضي سرعة اتخاذ بعض التدابير أو إصدار بعض الأحكام التي يكون المحكم بحاجة ماسة لها لاستيضاح أمر معين واستكمال دلائل من شأنها أن تضع الخصومة على الطريق الصحيح.
اولا: حكم التحكيم التمهيدي أو التحضيرى
وهي الأحكام التي تأمر باتخاذ إجراء تحقيقي، أو تتعلق بإجراء من إجراءات الإثبات، كالحكم بإحالة الدعوى إلى التحقيق، أو الانتقال إلى المعاينة، أو استجواب أحد الخصوم، أو ندب خبير للتحقق من وجود الحقوق أو من مداها أو من صحة المحررات المتعلقة بها، ومما يؤكد على عدم قطعية هذه الأحكام، بأنها من ناحية لا تعلن عن عقيدة المحكمة في شأن مسألة من المسائل التي تطرحها الخصومة.
ومن ناحية ثانية لأن هذه الأحكام لا تمس الموضوع محل الخصومة ولا تصدر تأكيدات بشأنه، سواء بالإقرار أو النفي، لذلك فإن هذه الطائفة من الأحكام لا ترتب الفاعلية الخاصة بالأحكام القطعية، أي: استنفاد القاضي لولايته، كما لا تقترن بها فاعلية الأحكام الموضوعية .
فهي لا يمكن أن تعد أحكاماً قطعية، باعتبار أنها لا تبرز عقيدة القاضي في شأن أجد المسائل التي تطرحها الخصومة؛ بل إن الأمر باتخاذ هذه الإجراءات يكشف عن افتقاد عقيدة المحكمة لجانب من عناصرها الأساسية يتم التحقيق أو الإثبات سعياً وراء تحصيلها، وبغياب الصفة القطعية تتخلف أحد المفترضات الأساسية للحكم التأكيدي الموضوعي.
وبما أن التحكيم نظام إجرائي بديل عن القضاء للفصل في المنازعات، وأن الوظيفة التي يقوم فيها المحكم وظيفة قضائية من الناحية الفنية تتمثل بوظيفة القاضي في القضاء، فإن هذه الطائفة من الأحكام يستطيع المحكم إصدارها وفقا لنصوص قانون التحكيم.
وقد نصت المادة 36 من قانون التحكيم المصري على أنه: " لهيئة التحكيم تعيين خبير أو أكثر لتقديم تقرير مكتوب أو شفهي في محضر الجلسة بشأن مسائل معينة تحددها ...... إلخ .
ويلاحظ أن قانون التحكيم المصري لم يشر بصورة واضحة إلى إمكانية إصدار أحكام تمهيدية من هيئة التحكيم، إلا أنه أشار بصورة ضمنية إلى ذلك.
ثانيا : حكم التحكيم الوقتى أو المستعجل
وقد درج الشراح على استعمال اصطلاح : "الطلب الوقتي" ليعبروا به عن الطلب المستعجل تجاوزا، في حين أن الطلب الوقتي هو مجرد طلب بإجراء وقتي، بينما الطلب المستعجل يزيد عليه بتوافر عنصر الاستعجال في صدده..
واختلف الفقه في تعريف موحد جامع مانع للإجراءات التحفظية والوقتية؛ إلا أنه وبالصورة العامة فالحكم الوقتي كانت التعاریف متقاربة نوعا ما، ويمكن تعريف الحكم الوقتي) بأنه: الحكم الذي يصدر في طلب وقتي، ويكون الغرض منه الأمر بإجراء تحفظي أو تحديد الخصوم بالنسبة لموضوع النزاع تحديداً مؤقتاً إلى أن يتم الفصل في الخصومة بحكم يصدر في موضوعها.
وبالتالي فإذا كان يترتب على اتفاق التحكيم أثر إجرائي يتمثل في سلطة هيئة التحكيم الفصل في النزاع دون أن يكون ولاية أو سلطة القضاء في ذلك إلا أن ذلك مقصور فقط على القضاء الموضوعي دون القضاء الوقتي، ويترتب على ذلك ، جواز لجوء أطراف اتفاق التحكيم إلى القضاء سواء قبل البدء في إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها؛ للفصل في الطلبات الوقتية والمستعجلة.
فتشكيل هيئة التحكيم وإصدارها للأحكام الوقتية إذا توفرت شروطها وقبل إصدار الحكم المنهى للخصومة لا يمنع الأطراف من اللجوء إلى القضاء للحصول على حماية وقتية، حيت إننا نكون في هذه الحالة بصدد اختصاص مشترك، فإرادة أطراف اتفاق التحكيم هي التي تتجه إلى عقد الاختصاص في إصدار الأحكام الوقتية، وقصرها سواء على هيئة التحكيم وحدها دون القضاء أو العكس أو قد تجعل هذا الاختصاص مشتركا.
وتحدد هذه المعطيات دور القضاء المستعجل وطبيعة الحماية التي يمارسها فهو دور وقائي يؤدي إلى السيطرة على الخطر لتلافي وقوع الضرر، أو وقفه عند الحدود التي بلغها والحيلولة دون تفاقمه، وبهذا الدور فإن القضاء المستعجل يحمي الحقوق والمراكز القانونية المهددة حماية مؤقتة، توقيتها يستمر إلى حين الحصول على الحماية النهائية، وهي الفترة اللازمة لكي يتمكن القضاء الموضوعي من التدخل وشمولها بحمايته التأكيدية.
وهي تدابير وقتية لا تمس أصل الحق، وينتهي مفعولها بزوال الخطر تلقائيا أو بصدور الحماية القضائية التأكيدية في خصوص هذه الحقوق، وذلك يرجع إلى أن الدعوى الوقتية تحتوى بطبيعتها على عنصر الاحتمال، سواء بالنسبة للحق أو المركز القانوني أو بالنسبة
للاعتداء الواقع عليه .
وهذه الطائفة من الأحكام للمحكم - كما للقاضي - الحق في إصدارها وهو ما استقر عليه الفقه الحديث وأكدته نصوص القانون، حيث نصت المادة (1/24) من قانون التحكيم المصري رقم 23لسنة 1994 بقولها: " يجوز لطرفي التحكيم الاتفاق على أن يكون لهيئة التحكيم بناء على طلب أحدهما أن تأمر أيا منهما باتخاذ ما تراه من تدابير مؤقتة أو تحفظية تقتضيها طبيعة النزاع، وأن تطلب تقديم ضمان كاف لتغطية نفقات التدبير الذي تأمر به ".
كما نصت على ذلك الفقرة الثانية من نفس المادة ومن قبلها المادة (14) من نفس القانون كذلك المادة 4۲ من القانون المذكور سلفا.
ثالثا: الأحكام المتعلقة بإجراءات الإثبات
كما أنه يجب أن تكون الواقعة جائزة الإثبات بالدليل المطلوب تقديمه وفقا لنظام الإثبات الواجب التطبيق ولهذا فإنه لا يقبل سماع شهود الإثبات واقعة لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة.
- هل يشتمل الحكم في إجراءات الإثبات في جميع الأحوال علي قضاء قطعي:
يري البعض أنه لا يمكن وضع قاعدة عامة في هذا الصدد، وإنما العبرة حتى بعد الحكم الحكم - قد فصل في مسائل قطعيا أن تكون هذه المسائل قد سبق طرحها صراحة أو ضمنا أمام المحكمة، فإن لم تطرح ولم تكن متصلة بالنظام العام بحيث تعد مطروحة من تلقاء نفسها، فلا يمكن اعتباره مشتملا على قضاء ضمني فيها، فلا يصح أن يعتبر كل حكم باتخاذ إجراء : الإثبات معین مشتملا على قضاء ضمني قطعي باعتبار الوقائع المراد إثباتها جائزة القبول، وهذا ينطبق أيضا بالنسبة لما يشتمله الحكم باتخاذ إجراءات من إجراءات الإثبات على قضاء : بجواز الإثبات قانونا بالطريق الذي يأمر به الحكم، فإذا طرح صراحة أو ضمنا أمر جواز الإثبات قانونا بالطريق أو عدم جوازه فإن الحكم لا يعد في ذاته قطعيا.
الحكم باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات أو بالعدول عنه
أما اذا كانت المحكمة أمرت باتخاذ الإجراء استجابة لطلب الخصوم، فإنها إذا عدلت عن تنفيذ هذا الإجراء وجب أن تبين أسباب ذلك العدول في محضر الجلسة أو في مدونات حكمها.
- الحكم بأن مستندا معينا لا يثبت الدعوي:.
اذا قرر المحكم أن مستندا معينا لا يثبت ما يدعيه أحد الخصوم فلا يجوز للمحكمة التي أصدرته أن تعتمد على هذا المستند في قضاءها بعد ذلك، فإذا استند مدعی استحقاق العقار إلى مستندات ملكية وإلى التقادم وقرر الحكم أن هذه المستندات لا تثبت الملكية وأمر في نفس الوقت بالتحقيق في التقادم، فلا يجوز الاستناد إليها حين تفصل المحكمة في نتائج تحقيق التقادم الذي أمرت به.
وإذا قضت المحكمة بأن الفضل في الدعوى يتوقف على تقديم دليل معين وأنه لا يمكن الفصل فيها إلا بعد تقديم هذا الدليل، فهذا الحكم قطعي له حجية الشيء المحكوم به ويتعلق به حق الخصم ولا تستطيع المحكمة أن تتحلل من أثره، ويستنفد ولاية المحكمة بالنسبة إلى المسألة التي فصل فيها
والأحكام التي تقضي بجواز الإثبات بطريق معين أو عدم جوازه، قطعية.
- الأحكام المتعلقة بإثبات الدعوي والمشتملة على قضاء قطعي: -
إذا اشتمل الحكم الصادر باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات على قضاء قطعي، عومل معاملة الحكم القطعي في شقه الأخير فإذا حكم مثلا بجواز الطعن في العقد بطريق إنكار التوقيع وبإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات صحته فإن الحكم يعد قطعيا في شقه الأول وهو جواز الطعن في العقد بالإنكار، ومن ثم فلا يجوز بعد ذلك الحكم بعدم جواز الطعن بالإنكار.
والأحكام التي تقضي بجواز الإثبات قانونا بطريق معين أو عدم جوازه قد تكشف في نفس الوقت عن اتجاه رأى المحكمة في الموضوع فتعد أحكاما مشتملة على قضاء مختلط، كالحكم الذي يقضي بجواز الاستجواب قانونا مع الأمر به فهو حكم قطعي تمهيدي، والحكم الذي يأمر بتحقيق الوقائع بشهادة الشهود ويقضى أيضا بجوار الإثبات قانونا بالشهادة فيعد تمهيديا في شقه الأول قطعيا في شقه الأخر.