حكم التحكيم / إستنفاذ المحكم لولايته / الكتب / التحكيم وفقاً لقانون المرافعات المدنية والتجارية وقانون التحكيم القضائي / إستنفاد المحكم لسلطته بصدور الحكم
الأصل أن تنتهي مهمة المحكم بإصداره الحكم المنهي للخصومة كلها في النزاع المعروض عليه، وتنتهي به ولايته، فلا يملك إصدار أي قرار أو الاستجابة لأي طلب بعد ذلك، ولكن قد يحدث أحياناً بعد صدور حكم التحكيم أن تمتد مهمة المحكم وذلك في حالة صدور حكم التحكيم وقد شابه خطأ ما أو قد صدر مشوباً بالغموض.
الأمر الذي يستلزم تصحيح الحكم
المعنى الاصطلاحي للاستنفاد لا يخرج عن المعنى اللغوي له، فهو لا يخرج عن أن القاضي يستفرغ جهده في الخصومة بالحكم فيها.
ومثال ذلك: إذا استنفذت محكمة أول درجة ولايتها بالحكم في موضوع الدعوى.
تطبيق الاستنفاد كأثر يترتب على صدور الحكم القضائي على حكم المحكمين
الأساس القانوني للاستفادة في قانون المرافعات
لم يتضمن قانون المرافعات الكويتي نصاً صريحة يقرر استنفاد سلطة القاضي، أو المحكم بالنسبة للنزاع الذي نطق الحكم فيه كأثر من آثار العمل القضائي، كما جاءت القوانين المصرية على تعاقبها خالية من النص على قاعدة الاستنفاد، حتى في مجال التحكيم، وذلك خلافاً لقانون المرافعات الفرنسي.
الاستنفاد أصل من الأصول العامة للتقاضي في القانون المصري والكويتي:
على الرغم من عدم النص الصريح على قاعدة الاستنفاد كأثر للحكم القضائي بعد النطق به في قانون المرافعات الكويتي أو قانون المرافعات المصري، إلا أن ذلك الأثر يعد من المبادئ المستقرة في القضاء المصري والكويتي.
وبالرجوع لنصوص قانون المرافعات نجد أن المشرع المصري قد نص على ما يخالف مبدأ الاستنفاد حين نص على الحالات التي تستوجب الضرورة فيها مراجعة المحكمة التي أصدرت الحكم لتصحيح ما ورد فيه من أخطاء مادية ولتفسير ما شاب منطوقه من غموض أو إبهام.
ونرى بأن المشرع المصري والكويتي قد اعترفا صراحة بالاستثناءات التي ترد على الأصل وهو مبدأ الاستنفاد، هو إقرار ضمني بالاعتراف بالأصل ذاته.
علاوة على أن سلطة المحكمين هي سلطة القضاء في المنازعة، وأن مهمتهم هي مهمة قضائية تتمثل في حسم النزاع بين الطرفين حسما نهائيا بحكم ملزم للخصوم، فيترتب على ذلك أن استقرار الأوضاع والمراكز القانونية يستوجب الوقوف بالنزاع عند حد معين، ويمتنع على المحكمين الرجوع عن أحكامهم التي أصدروها.
سلطة للمحكمين في تفسير وتصحيح ما يقع في أحكامهم من غموض، أو أخطاء مادية، وهو ما يفيد الاعتراف بقاعدة الاستنفاد، لأن مهمة المحكم لا تختلف عن مهمة القاضي، ويترتب على ذلك، أن استنفاد الولاية بالنسبة للقاضي أو المحكم تكون بصدور الحكم القطعي الذي يفصل في النزاع، فلا يمكن العدول عن هذا الحكم لأي سبب من الأسباب.
فلا يصح أن يتردد المحكم بشأن الحكم الصادر منه ويعيد النظر في النزاع الذي حسمه مرة أخرى، لأنه في تردده إخلال بالعدالة.
ثانيا: الأحكام التي تستنفد ولاية المحكم:
الأحكام الموضوعية القطبية الفاصلة في موضوع الدعوى
ينبني على أن الحكم لا يتحصن بالحجية إلا إذا كان قطعياً.
ولا ينطبق الأثر المتمثل في استنفاد ولاية المحكم إلا بالنسبة للأحكام التي يصدرها ولها أثر قطعي أي حسمت موضوع النزاع أو كانت صادرة قبل الفصل في الموضوع وتنتهي بها الخصومة.
وينبني على ذلك أن استنفاد ولاية المحكم لا تنطبق على القرارات الولائية، أو إذا كان حكم التحكيم متضمناً عناصر قطعية وعناصر ولائية فإن المحكم لا يستنفد سلطته إلا بالنسبة للعناصر القطعية.
٢- الأحكام القطعية الفاصلة في مسألة إجرائية:
قلنا بأن الأثر المتمثل في استنفاد ولاية المحكم لا يكون إلا بالنسبة للأحكام التي يصدرها ولها أثر قطعي أي حسمت موضوع النزاع، إلا أن الحكم القطعي قد يصدر في دفع إجرائي كالدفع الذي يثيره أحد الخصوم بعدم قبول الدعوى، أو بعدم اختصاص المحكم بنظر النزاع لوجود شرط التحكيم، فهل تستنفد ولاية المحكمين؟
أما الدفع بعدم الاختصاص فهو نوع من الدفوع الإجرائية وهي نوع خاص من وسائل الدفاع لا يهاجم بها المدعى عليه موضوع الحق الذي يزعمه المدعي، ولكنه يستهدف من الدفوع الإجرائية تأجيل مناقشة الموضوع حتى يمكنه تنظيم دفاعه، فهو يوجه ضد الإجراءات، فقد يزعم المتقاضي عدم اختصاص المحكمة ولائياً أو نوعياً بنظر موضوع الدعوى.
أما الدفع بعدم القبول إلى الحق في الدعوى للحصول على حكم في الموضوع، كوسيلة قانونية يتمسك بواسطتها خصم بعدم توافر شرط من شروط الدعوى أو عدم توافر شرط من شروط الطعن في الحكم.
والدفع بالتحكيم لا يعد دفعة موضوعياً لأنه لا يمس الحق الموضوعي، كما لا يعد دفعاً بعدم الاختصاص لأن الاختصاص حق مقرر المحاكم الدولة، وهذه الأخيرة قرر لها المشرع بسط رقابتها على أعمال المحكمين، كما لا يعد الدفع بالتحكيم دفع بعدم القبول لأنه لا يتصل بموضوع الدعوى، وإنما الدفع بالتحكيم هو دفع إجرائي والحكم الصادر في هذا الدفع يكون حكماً قطعياً فاصلاً في مسألة إجرائية، وهو بذلك يستنفد ولاية المحكمين.