(أ) قاعدة الاستنفاد أصل من الأصول العامة للتقاضي في القانونين (المصرى والكويتي)
على الرغم من عدم النص الصريح على قاعدة الاستنفاد كـأثر للحكــم القضائي بعد النطق به فى قانون المرافعات المصرى، إلا أن ذلك الأثر يعد من المبادئ المستقرة في القضاء المصرى.
وتطبيقا لذلك قضى بأن : "..... المقرر إذا حسمت المحكمة النزاع فـــي المسائل المعروضة عليها انقضت سلطتها بشأنها ولم تعد لها أية ولاية في إعادة بحثها أو تعديل قضائها ولو باتفاق الخصوم، ويعمل بهذه القاعدة بالنسبة لسائر الأحكام القطعية والموضعية والفرعية ...
وقضى أيضا بأن: ".... إذا قضت المحكمة بأحقية الطاعن في بدل مهلة إنذار عن ستة أشهر ثم ندبت خبيراً لحساب المقابل النقدى وبعد تقديم الخبير لتقريره قضت بأن الطاعن يستحق بدل إنذار عن ثلاثة أشهر فقط فإن الحكم يكون باطلاً لأن المحكمة استنفدت سلطتها بالحكم الأول ولا يجوز لها معاودة بحث هذه المسألة .
وفي حكم أخر قضت محكمة التمييز الكويتية بأن: "..... مناط التزام محكمة الاستئناف بإعادة الدعوى إلى محكمة أول درجة هو أن تكون المحكمة الأخيرة لم تفصل فى موضوعها وذلك حتى لا يحرم الخصوم من التقاضي علـــى درجتين الأمر المتعلق بالنظام العام ، وكان البين على ما سلف أن المحكمة الابتدائية قد فصلت في موضوع الدعوى برفضها لعجز الطاعن عن إثبات دعواه ومن ثم تكون قد قالت كلمتها فيها واستنفدت ولايتها فلا على محكمة الاستئناف إن التفتت عن الرد على هذا الطلب الذي لا يستند إلى أساس قانوني سليم..".
وبالرجوع لنصوص قانون المرافعات نجد أن المشرع المصرى قد نص على ما يخالف مبدأ الاستنفاد حين نص على الحالات التي تستوجب الضرورة فيها مراجعة المحكمة التي أصدرت الحكم لتصحيح ما ورد فيه من أخطاء مادية ولتفسير ما شاب منطوقه من غموض أو إبهام ، وطبقا لنص المادة ١٢٥ مرافعات كويتى فإن المحكمة التي أصدرت الحكم هي التي تختص بتفسير ما يقع في منطوقه من غموض أو إبهام.
ونظراً لأن سلطة المحكمين هي سلطة القضاء في المنازعة، وأن مهمتهم مهمة قضائية تتمثل في حسم النزاع بين الطرفين حسماً نهائيا بحكم ملزم هی للخصوم، فيترتب على ذلك أن استقرار الأوضاع والمراكز القانونية يستوجب الوقوف بالنزاع عند حد معين، ويمتنع على المحكمين الرجوع عن أحكامهم التي أصدروها، وهو ذات الهدف الذى من أجله وجدت فكرة استنفاد ولاية المحكمين ذاتها، لما كان ذلك، فإن الاستنفاد كأثر من آثار الأحكام القضائية، وبإجماع الفقه، يجب تطبيقه على أحكام المحكمين، فقد أعطى قانون التحكيم المصرى رقم (۲۷) لسنة ١٩٩٤، في المواد (٤٩) - (٥٠) سلطة للمحكمين فى تفسير وتصحيح ما يقع في أحكامهم من غموض، أو أخطاء مادية، وهو ما يفيد الاعتراف بقاعدة الى الاستنفاد، لأن مهمة المحكم لا تختلف عن مهمة القاضي، ويترتب على ذلك، أن . استنفاد الولاية بالنسبة للقاضى أو المحكم تكون بصدور الحكم القطعي الذي يفصل في النزاع، فلا يمكن العدول عن هذا الحكم لأى سبب من الأسباب.
فالمحكم إذا أصدر حكمه فى موضوع النزاع فإنه يضع نهاية للخصومة ويستنفد المحكم سلطته القضائية بإصدار هذا الحكم، فمنذ التاريخ المحدد لإصدار الحكم وهو عادة تاريخ التوقيع على الحكم بعد تحريره، فإن المحكم لا يملك أن يصدر حكما ثانيا فيما قضى فيه، أو أن يعدل حكمه ولو لتلافي أسباب البطلان.
في حالة عدم صدور حكم تحكيم، يجوز للأطراف الالتجاء مرة أخرى إلى هيئة التحكيم لكى تفصل فيما سبق أن طرح عليها من منازعات بين الأطراف وهم ليسوا في حاجة إلى إبرام اتفاق تحكيم جديد، ما دام الاتفاق السابق لم تنته مدته. أما إذا انتهت مدته، فيجب عليهم، إبرام اتفاق تحكيم جديد.