(الإجتهاد لا ينقض بمثله) هذه قاعدة شرعية ينحصر نطاق تطبيقها في المسائل والأحكام الإجتهادية، ومعنى القاعدة في اللغة: الأساس وهي تجمع على قواعد، وهي: أسس الشيء وأصوله، حسية كان ذلك الشيء، كقواعد البيت، أو معنويا: كقواعد الدين أي دعائمه، وقد ورد هذا اللفظ في
القرآن الكريم، يقول الله عز وجل: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل" (سورة البقرة: الآية 127)، وكما في قوله تعالى: "في الله بنيانهم من القواعد " (سورة النحل: الآية 26) فالقاعدة في هاتين الآيتين
الكريمتين بمعنى الأساس وهو ما يرفع عليه البنيان، أما من الناحية الإصطلاحية: "فهي قضية كلية منطبقة على جميع جزئياتها، فالقاعدة عند الجميع هي أمر كلي ينطبق على جميع جزئياته، مثل قول النحاة: الفاعل مرفوع، والمفعول منصوب، والمضاف إليه مجرور، وقول الأصوليين: الأمر للوجوب، والنهي للتحريم، لكن الفقهاء قد عبروا عنها أحيانا بقولهم: " ينطبق عليها جزئيات كثيرة " فاكتسب الإنطباق معنی آخر وانبني عليه، الأصل أنه إذا أمضى (الحكم) بالإجتهاد، لا يفسخ باجتهاد مثله، ويفسخ بالنص".
أما الأحكام قطعية الدلالة والثبوت والتي وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية فلا محل لإعمال الإجتهاد، ومن ثم أقر الفقه الإسلامي مبدأ استنفاد المحكم لولايته استقرار للحقوق والمراكز الشرعية كإحدى المباديء التي تؤدي إلى وجود نظرية حجية الأمر المقضي فيه بالمعاملات القضائية في الفقه الإسلامي، كقاعدة مؤداها عدم تمكين أي من الخصوم، إذا خسر دعواه، أن يعيد عرضها مرة ثانية أمام المحكم الذي أصدر الحكم أو أي محكم آخر، ليفصل مرة ثانية فيه.
وخلاصة القول أن المحكم كالقاضي ليس له أن يرجع عن قضائه، إلا إذا كان فيه خطأ بين وصريح، وكما ذكر بن فرحون: "ولا يوجد من فقهاء الإسلام من قال به فإن وجد فقيه واحد قال به، لم يكن للقاضي الذي أصدره أن ينقضه، وإن رأى أن غيره من الآراء أحسن منه.
ومع أن بعض فقهاء المالكية أجاز للقاضي أن يفسخ حكما أصدره إلى ما هو أحسن منه وأصوب، ولكن الراجح في المذهب عندهم أنه لا يجوز للقاضي ذلك ، وقد استثنى الفقهاء المسلمين من هذا المبدأ عدة حالات يجوز للقاضي الرجوع عن حكمه، والرجوع عن الحكم هو بمثابة نقضه .