للحكم التحكيمي آثار هامة على سلطات المحكم وعلى أطراف التحكيم ، وبوجه عام فليس للحكم التحكيمي أثر على الغير، الذي لا يتأثر كقاعدة عامة بالحكم التحكيمي مع أنه ترد على هذه القاعدة استثناءات عرضية .
ونود الحال في أن نشير باديء ذي بدء إلى أننا نعالج في هذا الفصل الحكم التحكيمي النافذ Valid ولا نتعامل مع الحكم الباطل Void کا ھو الأحكام التي تصدر عن المحكم الذي يتجاوز اختصاصه المحدد باتفاقية التحكيم أو الأحكام التي لا يتوافر فيها الشروط الشكلية أو الموضوعية اللازمة، كما أننا لا نعالج الحكم الملغي أو الحكم الذي أعيد ثانية للمحكم على أسس نجعل الحكم قابلا للإبطال Voidable مثل سوء السلوك الذي يبديه المحكم أثناء قيامه بعمله ذلك أن الحكم القابل للإبطال دون أن يكون باطلاً يتمتع بكل آثار الحكم النافذ مالم تتخذ الخطوات اللازمة لالغائه أو إحالته وزيادة على ذلك، إذا كانت اجراءات التحكيم مخالفة لاتفاق التحكيم وعجز المدعى عليه عن طلب وقفها أو رفض طلبه، فإن الحكم اللاحق ليس له أثر على حقوق الطرفين مالم يساهم المدعى في التحكيم .
وبعد ذلك نعالج أثر الحكم التحكيمي على المحكم وعلى أطراف التحكيم وعلى الغير وذلك في مباحث ثلاث على النحو التالي :
انتهاء ولاية المحكم : Functus Officio
يترتب على صدور حكم التحكيم النافذ انتهاء ولاية المحكم، بمعنى انتهاء مهمته الموكولة إليه في اتفاق التحكيم وبانتهاء هذه المهمة تنتهي سلطاته وواجباته .
1- إذا أعيد الحكم ثانية للمحكم من المحكمة لإعادة النظر فيه، فإن له سلطة معالجة المسائل التي أعيد من أجلها وإصدار حكم جديد .
2 ـ إذا أوقف المحكم اجراءات التحكيم انتظاراً لرأي المحكمة في مسألة من مسائل القانون، فإن للمحكم أن ينص صراحة على أن الحكم سيعاد إليه بعد أن تبت المحكمة في مسائل القانون ولتطبيق القرارات التي توصلت إليها المحكمة، وعندها يكون للمحكم سلطة النظر في الحكم المحال إليه.
وفي غير الحالات الثلاث فإن المحكم لا يمكنه أن يقوم بأي عمل، بعد إصدار الحكم التحكيمي، من شأنه أن يؤثر على حقوق أطراف التحكيم كا لو أنه قام بتسبيب الحكم بعد اصداره، فهذا التسبيب لا يشكل جزءاً من الحكم ولا يمكن أن يكون سبباً لطلب الغاء الحكم حتى لو تضمن على أخطاء في القانون .
وقد ثارت تساؤلات عن الوقت الذي يعتد به في انتهاء ولاية المحكم، فهل تنتهي سلطاته عند تنفيذ الحكم أو عندما يتم ابلاغ أطراف النزاع بالحكم أو حال تسلمهم للحكم ذلك لأن الأخذ بأي منها يؤثر على مدى لزوم هذه الخطوات لتنفيذ الحكم" ومدى حق المحكم في تعديل أو تفسير الحكم التحكيمي .
ومع أن الأمر كذلك إلا أن المشرع عندنا أوجب اعتبار الحكم صادراً من تاریخ اكتمال توقیع المحكمين عليه بعد كتابته (م ۱۸۳ مرافعات مدنية وتجارية) كما أوجب ايداع أصل الحكم قلم كتاب المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع خلال العشرة أيام التالية لصدور الحكم المنهي للخصومة (م ١٨٤ مرافعات) وبهذا الايداع تنقضي سلطة المحكم كما تنقضي أيضاً بانتهاء ميعاد التحكيم،
وهذه المسألة كانت مثار اختلاف في الأنظمة القانونية والقضائية المتعددة ففي النظام القضائي الانجليزي لا يجوز للمحكم بعد أن حكمه وتزول ولايته عن الحكم أن يغير الحكم بدون موافقة أطراف التحكيم فإذا فعل شيئاً من ذلك كان حكمه المعدل باطلا .
ويتخذ هذا المنحى اتجاهاً متشدداً في القانون العام الانجليزي At Common Law حيث لا يسمح للمحكم بتعديل الأخطاء الكتابية حتى ولا زلة القلم الواضحة .
وما يجري عليه العمل في النظام الانجليزي هو أن المحاكم لا تستطيع تعديل الحكم بل يقدم طلب إلى المحكمة لإحالة الحكم ثانية للمحكم، رغم أن هذا الاجراء يستغرق وقتاً ويستهلك مصاريف إضافية .
وقد وضعت المادتان في التشريع الانجليزي ما يسمى بقاعدة الهفوة Slip Rule حيث تنص م 17 على أنه مالم يعبر صراحة في اتفاق التحكيم عن قصد مخالف، فإن للمحكم أو المرجح سلطة تصحيح أي خطأ كتابي ناجم عن هفوة أو غفلة عرضية .
ومن ذلك يتضح أن للمحكم أن يصحح لا أن يعدل في حكمه الغلط الكتابي Clerical Mistake كزلة القلم أو غلطة السكرتارية في نسخ مسودة الحكم، كا لا يملك سلطة تغيير أو إضافة كلمات توضح المعنى المقصود لمجرد أنها لا تحمل المعنى الذي قصده .
ويقوم المحكم بالتصحيح بناء على طلب أي من أطراف النزاع، ويجب ابلاغ الأطراف الأخرى بذلك كتابة وكذا بأسباب التصحيح .
أما المادة 18 / 4 من التشريع الانجليزي فتعطى المحكم، بناء على طلب أي من أطراف التحكيم، حق تعديل amend حكمه بعد سماع أي طرف يرغب في المرافعة أمامه، وذلك بإضافة أوامر يرى مناسبتها لدفع مصاريف الإحالة في الحالة التي يخلو منها الحكم، شرط أن يقدم الطلب للمحكم خلال 14 يوماً من تاريخ نشر الحكم أو أي وقت آخر تأمر به المحكمة العليا أو القاضي .
أما في نظام القانون المدني فمن الآراء ما يمنح المحكم سلطة تغيير حكمه بدون قيد ولا شرط كما يمنحه سلطة تصحيح ما يقع به من أخطاء مادية على الا يتخذ من ذلك ذريعة لتعديل قضائه أو العدول عنه ومنها ما يمنع المحكم من أي سلطة على الحكم بعد صدوره ويمنحها للمحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، على اعتبار أنه يتجرد من سلطنه بعد إصدار حكمه مالم ينفق الخصوم على تحكيمه من جديد .
وعادة ما يتلافى أطراف التحكيم هذا الاختلاف في الرأي فينص اتفاق التحكيم على حق المحكم في تفسير حكمه وفي تصحيحه، کا درجت قواعد التحكيم الدولية على تبني مثل هذا النص الذي يجيز للمحكم حق تصحيح الحكم وتفسيره .
وإذا كان الوضع مختلفاً فيه بالنسبة لسلطة المحكم في تصحيح الأحكام وتفسيرها فإن المحكمة تملك تصحيح الحكم القضائي مما يشوبه من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية (م ١٢٤ مرافعات مدنية وتجارية).
كما تملك المحكمة تفسير غموض الحكم بناء على طلب أحد الخصوم (م ١٢٥ مرافعات) ويضاف إلى ذلك أن للمحكمة أن تفصل في بعض الطلبات الموضوعية إذا كان قد أغفلها عند صدوره وذلك خلال ستة شهور من صيرورة الحكم باتا (م ١٢٦ مرافعات مدنية وتجارية).
وقد طبق القضاء عندنا ذلك بقوله «إذا كان من الأصول المسلمة أن المحكمة تستنفذ ولايتها على الدعوى باصدار قضائها فيها، فيحرم عليها من بعد أن تتناول الحكم الذي أصدرته بأي تعديل أو تغيير فيه التزاماً بحدود ولايتها القضائية وبقوة الشيء المقضي به إلا أن المشرع وبغير خروج على تلك الأصول، نص بالمادة ۲۱٠ مرافعات (قديم) على أنه يجوز للمحكمة بقرار تصدره بناء على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسها تصحيح ما يقع في منطوق حكمها من أخطاء مادية بحتة كتابية أو حسابية ويجري كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة . اعتباراً من المشرع بأن ذلك النوع من الخطأ إما أن يكون مجرد خطأ في تحرير عبارة من العبارات الواردة بالحكم أو خلل في ذات العملية الحسابية التي أسس قضاؤه عليها بحيث يتجلى هذا الخطأ أو الخلل من الواقع الصحيح في نظر المحكمة كما أثبتته في حكمها ومن ثم فإن تصحيح خطأ أو خلل من ذلك القبيل لا يعد رجوعاً من المحكمة عن الحكم الذي أصدرته أو اخلالاً بحجيته أمامها حتى وإن صدر التصحيح بعد التوقيع على نسخة الحكم الأصلية وصارت هذه النسخة مخالفة للمسودة فيها وقع التصحيح فيه، ثم قالت : أن حق المحكمة في تصحيح ما يعتور حكمها من أخطاء مادية أو حسابية بحتة يستتبع بحكم اللزوم الفعلي امتداد التصحيح إلى الأخطاء التي من هذا القبيل والتي تكون قد أصابت الأسباب المتصلة مباشرة بالمنطوق وكانت أساساً للخطأ الواقع فيه، وإذا كان الظاهر من الوقائع أن المحكمة جانبها الصواب وهي تجرى في الأسباب رصد الناتج لعملية الحساب لتقدير التعويض عن وفاة مورث المطعون ضدها في حادث العمل ونقلت الرصيد الخاطيء الذي وصلت إليه ضمن منطوق الحكم، فإن القرار المطعون فيه إذ انتهى إلى ضبط الناتج الصائب من العملية الحسابية المذكور. وضمنه منطوق الحكم بعد أن صححه بالأسباب فإنه لا يكون قد خرج عن القانون .
کا وضع القضاء عندنا حداً للجدل حول سلطة المحكم في تصحيح الأخطاء المادية فسار على نهج ما أخذ به بشأن الأحكام القضائية حيث قال «بأن الأصل أن تقوم الجهة التي أصدرت الحكم بتصحيح ما يقع فيه من أخطاء مادية إلا أنه إذا كان الحكم المعيب بذلك الخطأ صادراً من هيئة تحكيم وزال عنها ما كان لها من ولاية في نظر الموضوع بانتهاء المدة التي كانت محددة للتحكيم، فإن ذلك يحول دون الالتجاء إليها ـ بعد أن انفرط عقدها ـ لتصحيح الخطأ الواقع في حكمها وإنما ينعقد الاختصاص بذلك الى المحكمة التي قد يطعن أمامها في الحكم إذا كان من الأحكام القابلة للطعن أو إلى المحكمة التي ترفع إليها دعوى مبتدأة ببطلانه» .
وعلى ذلك إذا انتهت ولاية المحكم بإيداع الحكم قلم كتاب المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع فإن المحكمة هي المختصة بتصحيح الحكم أو تفسيره إلا إذا تم اتفاق أطراف التحكيم على غير ذلك أو كان الاتفاق التحكيمي يتضمن اصلا إعطاء المحكم سلطة تصحيح الحكم أو تفسيره، وهذا الرأي الذي نراه يتفق واتجاه القضاء عندنا على النحو الذي ذكرناه آنفاً.