ونؤيد هذا الرأي، سواء باتفاق الأطراف صراحة على عدم الاعتداد بحكم التحكيم واسقاطه، أو ضمنا وذلك باتفاقهم على التحكيم من جديد على ذات المحل و ذات السبب.
الدور الإيجابي لحجية الأمر المقضى به ويتمثل في احترام ما قضى به الحكم التحكيمي ، وإعمال مقتضاه عند الفصل في دعوى جديدة يثار فيها مضمون ما حكم به كمسألة أولية .
ونؤيد الرأي المميز بين دوري حجية الحكم التحكيمي، لأن حجية الحكم عندما تبسط حمايتها على الحقوق والمراكز القانونية للأطراف من خلال التأكيد التحكيمي لها علي نحو قاطع؛ وذلك هو دوروها الإيجابي، فإن ذلك، يعني في حقيقة الأمر إنتقاء الصفة في الأطراف من جهة، وانعدام المصلحة في الدعوى الجديدة من جهة أخرى، وذلك من دورها السلبي .
نطاق حجية الحكم التحكيمي
لم ينص المنظم السعودي في تشريعاته الداخلية على حدود نطاق حجية الأحكام عموما، ولا على نطاق حجية الحكم التحكيمي على وجه الخصوص، سوى ما سبقت الإشارة إليه في شأن حجية الحكم الجنائي ، إلا أن القضاء السعودي على إعمال مبدأ حجية الأحكام القضائية، إذا الحد الخصوم بأوصافهم، ومحل الدعوى وسببها، وبهذا اتفق القضاء السعودي مع أقضية الدول الأخرى، رغم اختلاف المعايير عند تطبيق هذا المبدأ.
وسنتناول نطاق حجية الحكم التحكيمي في ثلاثة فروع، أولها في نطاق الحجية من حيث الأشخاص، وثانيها في الطلاق الحجية من حيث الموضوع، وثالثها في نطاق الحجية من حيث أجزاء الحكم، ورابعها في نطاق الحجية من حيث الأحكام .
نطاق حجية الحكم التحكيمي من حيث الأشخاص
ويمتد نطاق الحكم التحكيمي إلى أطراف عقد التحكيم دون غيرهم، ويترتب على ذلك انه لا ينتفع من آثار الحكم التحكيمي أو يضار غير أطرافه، ومن هذه الآثار حجية الحكم التي يكتسبها الحكم التحكيمي بمجرد صدوره وفقا لنظام التحكيم السعودي.
وقد رأى بعض الفقه أن امتداد أثر حجية الحكم التحكيمي على الخلف عاما أو خاصا، إنما هو بحكم قواعد الخلافة وليس كنتيجة لحجية الحكم، وكذلك الشأن في الوكلاء إنما هو بحكم قواعد النيابة وليس نتيجة حجية الحكم التحكيمي، فمثلا في حالة المرسل إليه سند الشحن يبحث كل حالة بخصوصها، فإذا كانت الإحالة الواردة في سند الشحن هي إحالة واضحة وقاطعة على التحكيم في مشارطة عقد إيجار السفينة، وفي حالة تجمع الشركات أيا كانت صورته، فينظر ما إذا كان هذا التجمع يتمتع بشخصية معنوية وذمة مالية مستقلة عن الأعضاء أم لا، أما في حالة الشركة الأم فمن المسلم به أن الشركة الأم تمثل فروعها فتعد طرفا في التحكيم الذي تبرمه مع الغير، وتنصرف آثاره وترتب نتائجه في مواجهتها .
رأي الباحث
ونرى أن حجية الأمر المقضي به لحكم التحكيم تعود إلى أساسين قانونيين وهما:
الأساس الأول: مبدأ نسبية عقد التحكيم كغيره من العقود.
الأساس الثاني: مبدأ نسبية الأحكام التحكيمية كغيره من الأحكام.
فمبدأ نسبية عقد التحكيم واثاره تسري على أطراف التحكيم، بالإضافة إلى مبدأ نسبية آثار الحكم التحكيمي سواء كان هؤلاء الأطرافهم أنفسهم، أو خلفهم العام، أو خلفهم الخاص، فلا ينتفع أو بضار من عقد التحكيم غير أطرافه، وكذلك لا ينتفع أو يضار من الحكم التحكيمي وآثاره غير أطرافه، فهاتان النسبيتان متداخلتان ومتشابهتان إلى حد بعيد من حيث مضمونهما ونتائجهما في الحكم التحكيمي، وإن اختلف وقت بدء فاعليتهما.
وعليه فيمتد نطاق حجية الحكم التحكيمي كسائر اثاره إلى أطراف الحكم التحكيمي دون غيرهم، امير هم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن من أهم غايات المنظم السعودي من تشريع حجية الأمر المقضي به هي غاية استقرار المراكز القانونية للأطراف بعد صدور الحكم التحكيمي، وهذه الغاية لا تتحقق إلا باعتبار أن نطاق الحجية من حيث الأشخاص نابع من الأساسين السابقين؛ أي أساسي نسبية اتفاق التحكيم وأساس النسبية الحكم التحكيمي .
وفيما عدا أطراف الخصومة وخلفائهم لا تسري حجية الحكم في مواجهة الغير، فليس للغير أن يتمسك بهذه الحجية ولا يمكن التمسك بها ضده، وإن حدث التمسك بها ضده كان له أن يدفعها بنسبية حجية الأحكام ، بالإضافة إلى حقه بالتمسك بتسبية العقود فيما يخص الحكم التحكيمي، لكون هذا النوع من الأحكام نابع من عقد التحكيم كما سبق.
ولا تعني نسبية حجية الحكم التحكيمي عدم احترام الغير لما فصل فيه الحكم، والتصرف على أساس وجوده، لكون نطاقها الشخصي لا يمتد إليه، فالمستأجر- مثلا- يجب عليه احترام الحكم المقرر لملكية المدعي على العين المؤجرة، فالمستاجر ملزم بدفع الأجرة