إن مبدأ نسبية الأحكام يحتم أن لا يكون الحكم التحكيم حجة إلا على أطراف الدعوى التي صدر فيها الحكم، وثم إعلانهم بالدعوى وتمكينهم من إبداء دفوعهم وأوجه دفاعهم، أما بالنسبة للأطراف الذين لم يثار بينهم نزاع ولم يشاركوا في خصومة التحكيم فإن حكم التحكيم لا يحتج به في مواجهتهم .
ومن جهة، فإنه لابد الإشارة إلى أنه لا يمكن الخلط بين حجية حكم التحكيم وبين امتداد أثر حکم التحكيم إلى الغير، فإذا كان اتفاق التحكيم يقتصر أثره على أطرافه، كذلك فإن اتفاق التحكيم يمتد أثره إلى من يعتبر طرفاً فيه حتى ولو لم يوقع بنفسه على الاتفاق إذا كان من وقع على الاتفاق يمثله. إلا أن هذا الامتداد الأثر الاتفاق يشكل من الناحية العملية مشكلة كبيرة في كيفية تحديد ومعرفة في أي الحالات يمكن القول أن شخصاً ما كان ممثلاً في الاتفاق رغم أنه لم يكن طرفاً شخصياً فيه وما حدود هذا التمثيل؟! الأمر الذي أدى إلى نشوب خلاف في الفقه والقضاء.
ففي الحالات السابقة، فإن الحكم يؤثر في المركز القانوني للغير ويمس حقوقه نظراً لصلته القانونية بأحد الأطراف، رغم أنه لم يمثل ولم يحضر في الخصومة ولم يتمكن من إبداء أوجه دفاعه.
كذلك فإن امتداد أثر الحكم إلى الغير يثير صعوبة في مجال التعاملات التجارية الدولية خاصة مع ظهور تجمع الشركات العملاقة تحسن مسمي Joint venture أو Consortina أو شركة محاصة التي تتولى تنفيذ المشروعات الضخمة. فهل يعتبر التجمع دون الأعضاء الذي يشملها هو الطرف الذي يكون له الحق في الالتجاء إلى التحكيم عند وجود اتفاق على التحكيم بين هذا التجمع وبين من ينفذ العمل لصالحه، وهو الطرف الذي توجه إليه إجراءاته؟ أم هل يجوز لكل شركة من الشركات الأعضاء في التجمع الالتجاء إلى التحكيم منفردة أو أن توجه إليها إجراءاته؛ استنادا إلى العقد المبرم بالمسمى الذي يجمعها والذي ينص على التحكيم؟!
فقد اختلف الفقه في حسم المسألة. فذهب بعض الفقه إلى أن مبدأ امتداد أثر الحكم إلى الغير ليس مرجعه حجية الحكم، فحجية حكم التحكيم حجية نسبية تقتصر على الأطراف الذين صدر الحكم في مواجهتهم دون غيرهم، إنما امتداد أثر الحكم إلى الغير مرجعه القواعد القانونية التي تحكم العلاقة بين من صدر الحكم في مواجهته وبين الغير. فبالنسبة للخلف سواء كان عاماً أو خاصاً فإن أثر الحكم الصادر في مواجهتهم ينصرف إليهم بحكم قواعد الخلافة وليس كنتيجة لحجية الحكم، وبالنسبة لعلاقة الكفيل والأصيل والمؤمن والمستأمن والمودع والمودع لديه فإن آثار الحكم في مواجهة أحدهم لا تنصرف إلى الغير كنتيجة لحجية الحكم، وإنما نتيجة للعلاقة القانونية التي تحكمها، كعقد الوكالة وعقد التأمين وعقد الإيداع، كذلك بالنسبة لتجمع الشركات أيا كانت صورته فإن العبرة بما إذا كان هذا التجمع يتمتع بشخصية معنوية وذمة مالية مستقلة عن الأعضاء أم لا.