للقرار التحكيمي نطاق واسع يشمل كلاً من الأشخاص الذين يتأثرون به وهم كل من أطرافه أي أطراف النزاع، وكذلك المحكم أو المؤسسة التحكيمية التي تم اللجوء إليها، والغير الذي قد يتأثر هو الآخر بالقرار التحكيمي .
إذ من الأهمية بمكان معرفة من يتأثر بالقرار التحكيمي وإلى من تنصرف آثار هذا القرار، وكذلك للقرار التحكيمي نطاق من ناحية موضوعه ومضمونه، ويقصد بها المواضيع التي يصدر القرار التحكيمي بصددها أي المواضيع التي يتناولها التحكيم، وتعد المسائل المتعلقة بالتجارة الدولية من أهم وأبرز مواضيع التحكيم.
ولأن التحكيم التجاري وسيلة متبعة في أغلب دول العالم، ولأن التجارة والاستثمار لاتعرفان حدوداً أو بلداناً، لذلك فمن الطبيعي أن تعقد صفقات تجارية بين تجار وشركات من جنسيات ودول مختلفة، إذاً فمن المهم تحديد جنسية القرار التحكيمي المراد تنفيذه، إذ أن الشروط الواجب توافرها بالنسبة للقرار التحكيمي الوطني تختلف عن الشروط الواجب توافرها للقرار الأجنبي وكل ذلك يختلف عندما تكون الدولة المراد تنفيذ القرار على إقليمها قد أبرمت معاهدة ،مع الدولة التي أصدرت القرار التحكيمي أم لا؟، فإذا ما ثبت وجود معاهدة، كان لابد من تطبيق شروط وبنود هذه المعاهدة، لكل ذلك تلمس أهمية تحديد جنسية القرار التحكيمي
ووفقاً لما سبق عرضه سنعقد المطلب الأول لدراسة نطاق القرار من حيث الأشخاص، والمطلب الثاني لبحث نطاق القرار بالنسبة للموضوع، أما بالنسبة للمطلب الثالث فسيكون مخصصاً لدراسة نطاق القرار من حيث المكان.
نطاق القرار التحكيمي من حيث الأشخاص
إن التحكيم شأنه شأن أي اتفاق يبرم بين أشخاص، فكما لسائر الاتفاقات المبرمة نطاق بين أشخاص عاقديها، كذلك اتفاق التحكيم ، ولكون جوهر العملية التحكيمية هو القرار التحكيمي، ولأن أطراف النزاع هم الذين أبرموا هذا الاتفاق لذلك فإنه من البديهي أن يشملهم نطاق القرار التحكيمي ويتأثرون به، وكذلك المحكم فلا يتصور أن من أصدر القرار لا تقع عليه أية أعباء أو التزامات، فهو الآخر يؤثر ويتأثر بالقرار، لكن تبقى مسألة الغير ومدى تأثره بالقرار التحكيمي وهل ينحصر تأثره من ناحية الحقوق أم لربما تقع عليه التزامات؟
لذلك سنخصص ثلاثة فروع لدراسة الأشخاص الذين ينصرف الهم نطاق القرار التحكيمي، وهم أطراف النزاع أولاً ، والمحكم ثانياً، والغير ومدى تأثره أخيراً.
نطاق القرار التحكيمي بالنسبة لأطراف النزاع
إن أطراف النزاع هم الذين توجد بينهم علاقة عقدية أو غير عقدية ، وقد اتفقوا فيما بينهم على حل نزاعهم القائم أو المتوقع الحدوث عن طريق التحكيم وأطراف النزاع قد يكونون أشخاصاً عاديين أو معنويين كالشركات مثلاً، وفي كل الأحوال لابد من توافر شروط معينة فيهم ، وأيضاً يقع على عاتقهم جملة من الالتزامات، وبالمقابل لديهم مجموعة من الحقوق.
فأما بالنسبة للشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يعزم على إبرام اتفاق التحكيم فهي أن تتوافر فيه أهلية التصرف، أي الأهلية التي يمكن من خلالها الاتفاق على التحكيم، ولأجل تحديدها يتم الرجوع إلى القانون الشخصي أي قانون الجنسية الأطراف الاتفاق
وكذلك لابد من ارتباط إيجاب الطرف الأول بقبول الطرف الثاني، أي لابد من توافر ركن الرضا عند كل من الطرفين، فإذا ما شاب هذا الركن المهم عيب ما، سيكون العقد موقوفاً وفق القانون المدني العراقي وقابلاً للإبطال بالنسبة للقانون المدني المصري.
أما بالنسبة للالتزامات المفروضة على الأطراف، فهناك نوعان منها، الأول قبل صدور قرار التحكيم، أي أثناء إجراء العملية التحكيمية، ومنها التزام كل طرف بتنفيذ ما يطلبه المحكم من مستندات وأوراق تخص الدعوى ، أما النوع الثاني من الالتزامات فهي التي تبدأ بعد إصدار القرار التحكيمي وأهمها تنفيذ ما ورد في القرار التحكيمي، وكذلك دفع أجور المحكمين المتفق عليها في عقد التحكيم.
وأخيراً تبقى مسألة حقوق الأطراف والتي هي بالوقت ذاته تعد التزامات المحكم، فالمحكم يلتزم بإصدار قرار تحكيمي في الوقت المتفق عليه من قبل الأطراف، وكذلك يجب أن يكون القرار الصادر من قبله في حدود ما خُوّل به أي لا يتعدى إلى أمور لم يتم الاتفاق على إحالتها للتحكيم، ولا تنتهي مسؤولية المحكم بعد إصدار القرار التحكيمي، إذ يبقى الأخير مسؤولاً عن القيام بأية تفسيرات أو تصحيحات للقرار بناءاً على طلب أحد الأطراف أو من قبل المحكمة المختصة عند التنفيذ، وكذلك يملك الأطراف حق رد المحكم للأسباب ذاتها التي يرد بها القاضي هذا ما نصت عليه الفقرة (1) من المادة (261) من قانون المرافعات العراقي النافذ .
نطاق القرار التحكيمي بالنسبة للمحكم
وعلى الرغم من أن سلطة المحكم في الفصل بالنزاع مستمدة من إرادة الأطراف، إلا أنها مقيدة من قبل السلطة العامة بعدد من القيود لا تقتصر على المواضيع التي يجوز له الفصل بها، بل وتشتمل كذلك على حدود سلطته في إصدار الأحكام إذ لا يتصور إعطاء صلاحية للمحكم في إصدار أحكام مقيدة للحرية مقارنة بصلاحية القاضي بإصدار مثل هذه الأحكام، لذلك يقع علينا في البدء بيان الشروط الواجب توفرها في المحكم، ومن ثم التعرف على التزامات المحكم.