من أهم الأسس الشرعية التي تقوم عليها الحجية في الفقه الإسلامي، أن يحرص المحكم على الحكم بالعدل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يصدر صحيحاً، فلا يجوز له أن يصدر حكماً بحق من الحقوق من غير أن يتقدم صاحب الشأن بالمطالبة به عن طريق الدعوى الشرعية وإلا كان الحكم باطلا لا ينتج أثره، ومن ثم لا يجوز الحجية، إضافة إلى وضوح الحكم فلا بد من تعيين ما يحكم به، ومن يحكم له بصورة واضحة، لأن الفصل في الخصومات والذي هو مناط الحكم في الفقه الإسلامي إنما يكون حسماً للتداعي وقطعاً للنزاع.
ونستطيع القول بأنه في كل الأحوال فإن حكم المحكم في الفقه الإسلامي لا ينتج أثره إلا إذا تقدم الحكم خصومة صحيحة مما يجوز فيها التحكيم، فيصدر عن محكم صحيح التولية برضاء الخصوم، توافرت فيه شروطه المعتبرة شرعاً، واضحاً في تحديد المحكوم والمحكوم له، وأهليتهم للتحكيم، وأن يصدر هذا الحكم بصيغة تدل على الإلزام، في حضرة الخصوم، لا في هذا الإلزام دليل على حيازة حكم المحكم لحجية الشيء المقضي في الفقه الإسلامي.
وحجية الحكم القضائي في الفقه الإسلامي، ارتكزت على أسس شرعية، لعل أهمها أن القاضي يحكم بالعدل بكتاب الله وسنة رسوله، وهو يهدف إلى إظهار للحكم الشرعي حسب ما يتبين له، بد معرفته بالدليل الشرعي الثابت بالكتاب والسنة والإجماع والقياس .
وإذا كان يطلق على القضاء الشرعي" القضاء الذي استمدت أحكامه من الله ورسله وهذا النوع هو القضاء المعتمد وهو الذي يجب إنفاذه ويعتد به، وأحكامه تحوز الحجية الشرعية لانه منزل من عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبينا"، فإن من أهم الأسس الشرعية التي تقوم عليها حجية الحكم في الفقه الإسلامي، أن يحرص المحكم على الحكم بالعدل بكتاب الله وسنة رسوله، لأن هذا هو الشرح المنزل من عند الله، وحكم الله سبحانه وتعالى شامل لجميع الخلائق، فيكون تنوع الأحكام القضائية في الفقه الإسلامي تنوعا من حيث الاختصاص على حسب النزاع (كقضايا الأموال، وقضايا الحدود والتمكين من القصاص في القتل والجراح، وقضايا النكاح) إلا أن هذه الأحكام تتحد في مصدرها وهو تطبيق شرع الله تعالى.
ومن الأسس الشرعية كذلك، التي تقوم عليها حجية حكم المحكمين، صحة الحكم الذي يصدره القاضي، فلا يجوز للقاضي أن يصدر حكمة بحق من الحقوق من غير أن يتقدم صاحب الشأن بالمطالبة به عن طريق الدعوى الشرعية، وإلا لا وجود لحجية لحكم باطل لا ينتج أثره.
ومن الأسس الشرعية للحجية أيضا أن يصدر الحكم واضحاً، فلا بد من تعيين ما يحكم به، ومن يحكم له بصورة واضحة، وذلك لأن حكم المحكمين يفصل في الخصومة، ويحسم النزاع، فلا يكون كذلك إذا كان مبهمة، لأن الفصل في الخصومات والذي هو مناط الحكم في الفقه الإسلامي إنما يكون حسما للتداعي وقطعا للنزاع.
والخلاصة أن حجية حكم المحكمين ثابتة عند علماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين، كشأن حجية الحكم القضائي مما سبق، يتضح لنا أن المذاهب الفقهية تجمع على إسباغ صفة الحجية على الحكم القضائي، الذي يصدر موافقة النصوص القطعية التي يكون مصدرها الكتاب والسنة والإجماع، مما يؤدي إلى ثبوت حجية الحكم.
فهاهو ابن نجيم يؤكد على أن القاضي لو حكم بشيء ثم تغير اجتهاده لا ينقض الأول، ويحكم بالمستقبل بما رآه ثاني، وهاهو القرافي يشير إلى أن مناط حجية الحكم القضائي في عدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية بقوله: "... وأما الدليل على ذلك، فهو الإجماع من الأئمة قاطبة أن حكم الله تعالى ما حكم به في مسائل الاجتهاد...، وأن ذلك الحكم يجب إتباعه على جميع الأمة ويحرم على كل أحد نقضه.." (؟)، كما أكد على ذلك الشافعي بقوله: ".. ومن اجتهد من الحكام فقضي باجتهاده، ثم رأى أن اجتهاده خطأ، أو رد عليه قاض غيره، سواء فيما خالف كتاباً أو سنة أو إجماع، أو ما معنى هذا، رده وإن كان يحتمل ما ذهب إليه...")، ويتفق معه البهوتي في ذلك فيذكر البهوتي: "وإذا حكم الحكم بشرطه، وقع الحكم لازماً، لا يجوز الرجوع فيه ولا ينقض منه ولا من غيره.