حكم التحكيم / حجية أحكام المحكمين - أحكام التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / العودة إلى التحكيم بعد بطلان الحكم ( دراسة مقارنة) / حجية الأمر المقضي
لا يجوز لهيئة التحكيم أو لأحد الأطـراف، عـرض مـا سـبق أن صدر فيه حكم تحكيم على القضاء العـادي، وإذا خـالف أي طـرف هذا الأمر يجوز للطرف الآخـر أن يـدفع بعـدم قبـول الـدعوى لســق الفصل فيها.
وقد نصت المادة 101 من قـانون الاثبـات علـى حجيـة الأمـر المقضي على النحو التالي:
"الأحكام التي حازت قـوة الأمر المقضـي تكـون حجـة فيمـا فصلت فيه من الحقوق ولا يجـوز قبـول دليـل يـنقض هـذه الحجيـة ، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية الا في نزاع قـام بـين الخصـوم انفسهم دون ان تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحـق مـحـلا وسـبباً وتقـض المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها".
وهناك اختلاف بين القوانين فـي تحـديـد لحظـة صـدور حكـم التحكيم، ومن ثم اختلاف وقت حوزته الحجيـة، فمنهـا مـا يعتبـر حـكـم التحكيم صادراً في التاريخ المذكور لإصـدار الحكـم (المـادة 823 مـن القـانون الإيطـالي والمـادة 1059 مـن قـانون الإجـراءات المدنيـة الهولندي)، ومنها ما يرتب الحجية منذ تبليـغ الأطـراف بـالحكم (المـادة 1702 من قـانون الإجـراءات المدنيـة البلجيكـي)، ومنهـا الأطراف سلطة تحديد التاريخ الذي يصدر فيـه الحكـم، فـإذا لـم يتفقـوا على تاريخ صدور الحكم تحدده هيئة التحكيم. وفـي حالـة عـدم التحديـد يعتبر الحكم صادراً منذ توقيعـه مـن المحكـم. وإذا تعـدد المحكمـون، يعتبر الحكم صادراً في تاريخ توقيعه مـن آخـر محـكـم (المـادة 1476 من القانون الفرنسي والمادة 54 من قانون التحكيم الإنجليزي).
ويشترط لإعمـال قاعـدة الحجيـة، وحـدة الأشخاص والمحـل والسبب، وعدم صدور حكم قضائي ببطلان حكم التحكــم.
فإذا رفع أحد أطراف التحكيم دعـوى أمـام المحكمـة بخصـوص موضوع سبق أن فصـلت فيـه هيئـة التحكيم، فـإن المحكمـة سـوف ترفض الدعوى نظراً لسبق الفصل فيهـا. قامت مصر بالطعن على الحكم أمام محكمـة اسـتئناف بـاريس، مستندة إلى أنها لم تقبـل شـرط التحكـيم. وأصـدرت الأخيـرة حكمهـا بإبطال شرط التحكيم، لأن مصر لم تتجه إرادتها إلـى الالتزام بـه، وأن الهيئة العامة للسياحة والفنادق "ايجـوث" لهـا شخصـية مستقلة عـن الدولة، توقيعها على العقد لا ينسحب علـى مصـر ممـا يلزمهـا بشـرط التحكيم، وأن توقيع مصر على العقد مجرد توقيـع شـكلي يعنـي إقـرار ما اتجهت إليه إرادة إيجوث.
كما رفضت محكمة استئناف باريس اعتبار توقيـع مصـر علـى المحضر، يمكن أن يحل محـل اتفـاق التحكيم، إذ هو مجرد إجـراء يوجب نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية إتباعه. وقامـت شـركة جنـوب الباسفيك بالطعن على الحكم، أمـام محكمـة الـنقض الفرنسية وقضـى برفض الطعن.
وأثناء نظر الطعن أمام محكمـة الـنقض الفرنسية تمـت إثـارة النزاع من قبل شركة جنـوب الباسـفيك أمـام المركـز الـدولي لتسـوية منازعات الاستثمار، الذي أوقف نظر النـزاع لحـيـن صـدور حكـم مـن محكمة النقض الفرنسية احتراماً لمبـدأ حجيـة الأحكـام.
وكان المدعى سبق أن لجأ للتحكيم أمام غرفة التجـارة الدوليـة، فضلاً عن التجائه لقضاء الدولة التي صـدر فيهـا حـكـم التحكــم، كمـا دفعت شركة جنوب الباسفيك باختصـاص المركـز الـدولي لتسـوية منازعات الاستثمار لوجود نص فـى قـانون الاستثمار الصـادر سـنة 1974 في المادة الثامنة يقضى بـأن تـتـم تـسـوية منازعـات الاسـتثمار المتعلقة بتنفيذ أحكام هذا القانون بالطريقة التي يتم الاتفاق عليهـا مـع المستثمر، أو في الاتفاقات السارية بين مصر ودولـة المسـتثمر، أو فـي إطار اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدولـة ومـواطني الـدول الأخرى التـي انضمت إليهـا مـصـر بالقـانون 90 لسـنة 1971 فـی الأحوال التي تسرى فيها.
بنـاء عليـه رفـضـت هيئـة تحكــم المركـز الـدولي لتسـوية منازعات الاستثمار الدفوع التي أبـدتها مصـر مـقـررة اختصاصـهـا ثـم أصدرت حكماً في 1992/5/20 بإلزام مصر بتعويض المدعى.
أن هذا الحكم قـد احتـرم قاعـدة الحجيـة، وأنـه كان محقاً فيما قضى به من إلزام مصـر بتعويض المـدعي، حيـث أن اتفاقية واشنطن سنة 1965 لم تتطلب شـكلاً معينـاً فـي الموافقـة علـى اتفاق التحكيم إلا الكتابة، فيجوز أن تكون علـى هيئـة نـص فـي اتفـاق استثمار أو في شكل نص في قانون الاستثمار للدولـة المضـيفة تعـرض فيه موافقتها على اختصاص المركـز بالفصـل فـي المنازعات الناشـئة عن فئات معينة من منازعات الاستثمار على أن يوافـق المسـتثمر علـى ذلك، وهو ما تنطق بـه المـادة الثامنـة مـن قـانون الاستثمار التـي بمقتضاها أصبحت مصر في حالـة إيجـاب دائـم للـدخول فـي اتفـاق التحكيم.
وينطبق مبدأ حجية أحكام التحكيم علـ كـل حـكـم صـادر عـن المحكمين. فلا يعد من قبيل أحكام التحكيم مـا يـصـدر عـن مؤسسـة أو غرفة أو مركز التحكيم من قـرارات. ويجـب أن يكـون الحكـم قطعيـاً، سواء فصل في المنازعة بالكامل أو في جزء منهـا، لـذلك فـإن قـرارات إحالة الموضوع إلى الخبير، أو سماع شـاهد، أو إجـراء معاينـة مـا، لا تنطبق عليها مبدأ الحجية، لأنها ليست أحكـام بـالمعنى الفن ويسـتوى أن يكون الحكم في مسألة إجرائيـة أو موضـوعية، مـا دامتـا تنصـفان بالقطعية.