حكم التحكيم / حجية أحكام المحكمين - أحكام التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حجية الحكيم التحكيمي في النظام السعودي / آثار حجية الحكم التحكيمي على الأشخاص
كما ترتب حجية الحكم التحكيمي آثارا على جهات الفصل على اختلافها سواء كانت محاكم الدولة أو هيئات التحكيم، كذلك ترتب آثارا على الأشخاص.
آثار حجية الحكم التحكيمي على أطراف النزاع
يمتد أثر حجية الأمر المقضي به للحكم التحكيمي إلى أطراف عقد التحكيم وحدهم دون سواهم، فالحكم كالعقد لا يسري أثره إلا في حق من كان طرفا فيه ، وذلك بمجرد صدوره وفقا لنظام التحكيم السعودي، والمقصود بالأطراف هم الخصوم من حيث صفاتهم في الدعوى التحكيمية، بالإضافة إلى الخلف العام كورثة المحكوم له أو عليه أو الموصى لهم من مجموع التركة، والخلف الخاص كالمشترين والدائنين، وللتحقق من مدى حيازة حكم التحكيم لحجية الأمر المقضي به في مواجهة الخلف العام والخلف الخاص يفرق بعض الفقه بين عدة فروض، وهي:
الفرض الأول: إذا كانت الخلافة قد تحققت بعد رفع الدعوى التحكيمية، وقبل صدور الحكم التحكيمي، فيجب التمييز بين الخلافة العامة والخلافة الخاصة.
فبالنسبة للخلافة العامة؛ إذا تحققت الخلافة العامة بعد رفع الدعوى التحكيمية، وقبل صدور الحكم التحكيمي، فإن الأمومة التحكيمية تنقطع لحين اعلان الورثة بالخصومة المنعقدة بين مورثهم والطرف الآخر في الاق التحكيم، فإذا لم يعلن الورثة بالخصومة، وصدر الحكم التحكيمي دون إعلان، فيكون الحكم التحكيمي باطلا، واللورثة أن يرفعوا دعوى البطلان ضد هذا الحكم التحكيمي في ميعادها، ويسري ميعاد دعوى البطلان على الورثة من تاريخ إعلانهم بالحكم، فإذا لم يرفعوا دعوى البطلان من الحكم في الميعاد تحصن الحكم، وأمكن تنفيذه في مواجهاتهم .
وقد استثنى الفقه والقضاء حالات لا يمثل فيها المدين الدائن وهي :
الحالة الأولى: إذا كان هناك تواطؤ بين المدين وخصمه، وتعمد المدين الإضرار بدائنه، أو أهمل إهمالا جسيما في الدفاع عن حقه، بشرط إثبات غش من كان يمثله، أو تواطئه، أو إهماله الجسيم .
الحالة الثانية: إذا كان موضوع الدعوى تقرير حق أفضلية لدائن آخر، فلا يمثل المدين دائنه، فالحكم الصادر لمصلحة الدائن صاحب حق الأفضلية، لا يكون حجة على باقى الدائنين، ما لم يختصموا في الدعوى.
الحالة الثالثة: إذا كان موضوع الدعوى عين مرهونة، وكان الدائن المرتهن قد قيد حقه قبل تسجيل صحيفة دعوى الاستحقاق المرفوعة على المدين، ففي هذه الحال لا يمثل المدين الدائن المرتهن، ما لم يكن الدائن المرتهن قد اختصم في الدعوى.
وتتلخص أهم آثار حجية الأمر المقضي به على أطراف التحكيم فيما يلي:
الأثر الأول: جواز دفع المدعى عليه بعدم قبول الدعوى الجديدة، وذلك لأي طرف من طرفي التحكيم لسابقة الفصل فيها، وانقضاء الحق في الدعوى بصدور الحكم فيها ، وذلك بناء على حجية الأمر المقضي به كأثر من آثار صدور الحكم التحكيمي .
وقد وقع الخلاف في الفقه حول تعلق هذا الدفع بالنظام العام، وذلك بناء على الختلاف الفقه في التكييف القانوني لحجية الأمر المقضي به على رأيين :
الرأي الأول: ذهب ، إلى تعلق حجية الأمر المقضي به بالنظام العام، حيث يترتب على هذا الرأي أنه لا يجوز للخصوم التنازل عن الدفع بها، وأن للقاضي أن يثيرها من تلقاء نفسه، ويكون للخصوم أن يدفعوا بها لأول مرة أمام محكمة النقض .
الرأي الثاني: ذهب إلى القول بعدم تعلقها بالنظام العام، وعليه فلا يجوز للمحكمة المختصة أن تثيرها من تلقاء نفسها، وللخصوم التنازل عن التمسك بها، واللجوء إلى هيئة التحكيم ذاتها، أو إلى هيئة تحكيمية أخرى، أو إلى المحكمة المختصة للفصل في النزاع من جديد.
ونميل للرأي الثاني، لأن حجية الحكم التحكيمي قائمة على مراعاة المصالح المبتغاة من اللجوء إلى طريق التحكيم، والناتجة عن الاتفاق عليه، وعلى إعلاء مبدأ سلطان الإرادة الذي راعاه المنظم السعودي في غالب أحكام نظام التحكيم.
وبناء على هذا الرأي، يتميز الحكم التحكيمي- بما له من صفة عادية - عن الحكم القضائي في حالة اتفاق أطراف النزاع على إسقاط الحكم، إذ في حالة إسقاط الحكم التحكيمي، إنما يسقط الأطراف باتفاقهم حجية الحكم التحكيمي دون الحق الذي تضمنه الحكم، أما في حالة إسقاط الحكم القضائي، فإن أطراف النزاع إنما يسقطون باتفاقهم كل أو بعض الحق الذي تضمنه الحكم القضائي، ولكن ليس من حقهم إسقاط حجية الحكم القضائي، وإعادة طرح النزاع من جديد أمام محاكم الدولة، أو أي جهة فصل أخرى، لتعلق حجية الحكم القضائي بالنظام العام.
الأثر الثاني: جواز تمسك المدعي بمضمون ما قضى به الحكم التحكيمي من الحقوق والمراكز القانونية في دعوى أخرى، كدفوع موضوعية يستند إليها ليقوي بها جانبه، وقد ميز الفقه بين هذا الأثر والأثر السابق، بأن الأول دفع إجرائي والثاني دفع موضوعي، كما أمعن بعض الفقه في التمييز بين التمسك بحجية الأمر المقضي به، والدفع بحجية الأمر المقضي به من خلال شروط كل منهما، فرأى أن الشروط الواجب توفرها للتمسك بحجية الأمر المقضي به كدفع موضوعي تتلخص فيما يلي:
الشرط الأول: أن يكون الحكم صادرة من جهة قضائية، وتعتبر الهيئة التحكيمية جهة قضاء استثنائي لكون القانون أقرها ونظمها.
الشرط الثاني: أن يكون الحكم قطعياً.
الشرط الثالث: أن يكون التمسك بالحجية في منطوق الحكم لا في أسبابه .
أما الشروط الواجب توافرها للدفع بحجية الحكم كدفع إجراني، فتتلخص فيما يلي:
الشرط الأول: اتحاد محل الدعويين.
الشرط الثاني: اتحاد سبب الدعويين.
الشرط الثالث: اتحاد الخصوم في الدعويين.
آثار حجية الحكم التحكيمي على الغير
يذهب غالبية الفقه والقضاء إلى عدم سريان حجية الحكم التحكيمي على الغير كاثر من آثاره، فليس للغير أن يتمسك بهذه الحجية ولا يمكن التمسك بها ضده، وإن حدث التمسك بها ضده كان له أن يدفعها بنسبية حجية الأحكام عموما ، بالإضافة إلى حقه بالتمسك بنسبية العقود لكون هذا النوع من الأحكام أثر من آثار عقد التحكيم.
ولا تعني نسبية حجية الحكم التحكيمي عدم احترام الغير لما فصل فيه الحكم، والتصرف على أساس وجوده لكون نطاقها لا يمتد إليه، فالمستأجر يجب عليه احترام الحكم المقرر لملكية المدعي على العين المؤجرة فالمستأجر ملزم بدفع الأجرة المحكوم له بالعين، وتبرئ ذمته بذلك وله الدفع بذلك في دعوى مقامة ضده، حتى لو كان عقد الإيجار انعقد بين المدعى عليه وواضع يده على العين في الدعوى قبل صدور الحكم وبين هذا المستأجر، إلا أن هذا الاحترام المطلوب من الغير لا يعني بحال من الأحوال أن يدخل في نطاق حجية ذلك الحكم .
ونؤيد الرأي الغالب في الفقه، بقصر حجية الحكم التحكيمي على أطراف التحكيم وخلفائهم، على ما سبق- دون غيرهم، مع التسليم بأهمية البحث في هذه الأنواع من العقود الحديثة، وبحث مدى قابلية الالتزامات الناشئة عنها والذمة المالية للأطرافها للتجزئة من عدمها، وبحث مدى جواز اختصامهم في خصومة التحكيم، لتحديد ما يسري عليه اتفاق وخصومة التحكم وأثارهما - ومنها الحكم التحكيمي وحجيته - وما لا يسري، لأن الأصل هو قضاء الدولة، والتحكيم هو استثناء من ذلك الأصل، ومن المقرر في الفقه أن الاستثناء لا يثبت إلا بنص صريح، كما أنه لا يتوسع فيه، ولا يقاس عليه.
آثار حجية الحكم التحكيمي على موضوع النزاع
تقع آثار حجية الحكم التحكيمي على موضوع النزاع أو المسألة المتنازع حولها، دون غيرها من المسائل، وليست العبرة - فقط - بما تم الاتفاق عليه أن يكون موضوعا للتحكيم، وإنما العبرة بما طرح على بساط البحث - فعلا لا ضمنا- أمام هيئة التحكيم.
وتتلخص أهم آثار حجية الأمر المقضي به للحكم التحكيمي فيما يلي:
أولا: حماية المراكز القانونية التي قررها الحكم التحكيمي، واعتبارها عنوانا للحقيقة التي لا تقبل المناقشة، فلا يجوز المساس بها، أو إعادة طرحها أمام القضاء، أو أمام أي هيئة تحكيمية.
ثانيا: حماية الحقوق التي أصل فيها الحكم التحكيمي، واعتبارها عنوانا للحقيقة التي لا تقبل المناقشة، فلا يجوز المساس بها، أو إعادة طرحها أمام القضاء، أو أمام أي هيئة تحكيمية.
ثالثا: صلاحية مضمون الحكم التحكيمي للتنفيذ الاختاري أو التنفيذ الاجباري، ويكون محميا بحجية الأمر المقضي به، حتى لو صدر الأمر بوقف التنفيد .
رابعا: جواز الاستناد إلى ما تم الفصل فيه من موضوع النزاع في دعاوى أخرى بين الأطراف کوسائل للإثبات .
خامسا: جواز استناد الغير إلى ما تم الفصل فيه من موضوع النزاع، كوسائل إثبات في
مواجهة الأطراف أو أحدهما، وذلك في أي دعوى يرفعها ضدهما أو ضد أحدهما.