حكم التحكيم / حجية أحكام المحكمين - أحكام التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حجية الحكيم التحكيمي في النظام السعودي / آثار حجية الحكم التحكيمي وأسباب زوالها
بعد أن عرضنا مفهوم حجية الحكم التحكيمي وأهم أحكامها في الفصل الأول، فمن المناسب عرض آثارها وأسباب زوالها في هذا الفصل، ويقتضي المنطق أن نقسم هذا الفصل إلى مبحثين؛ أولهما في أثار حجية الحكم التحكيمي، وثانيهما في أسباب زوال هذه الحجية وما لها من آثار.
آثار حجية الحكم التحكيمي
يرتب الحكم التحكيمي من بين ما يرتبه من آثار قانونية حجية الأمر المقضي به، فحكم التحكيم يحوز الحجية المانعة من إعادة المناقشة لما قضى به الحكم، إلا بالطرق التي يحددها القانون في هذا الصدد، وذلك مثل الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم التي تنشئها الدولة ، ويتفق النظام السعودي للتحكيم في هذا الجانب مع أغلب قوانين التحكيم الأخرى.
آثار حجية الحكم التحكيمي على جهات الفصل
ترتب حجية الأمر المقضي به للحكم التحكيمي آثارا على جهات الفصل المختلفة، سواء كانت المحاكم التي تشئها الدولة أو الهيئات التحكيمية التي يتفق الاطراف على عرض نزاعهم عليها.
ولكون الهيئة التحكيمية أول من يقع عليها آثار حكم التحكيم؛ سنعرض أثار حجية الحكم التحكيمي عليها في الفرع الأول، ثم أثار تلك الحجية على المحكمة المختصة، وذلك في الفرع الثاني.
آثار حجة الحكم التحكيمي على الهيئة التحكيمية
وبناء عليه ووفقا للنظام التحكيم السعودي تبدأ فاعلية حجية الحكم التحكيمي من لحظة الفراغ من إصدار الحكم التحكيمي مكتوبة ومسببا وموقعا من الهيئة التحكيمية، إذ يقع الأثران السلبي والايجابي لحجية الأمر المقضي به - ابتداء - على الهيئة التحكيمية، فلا يجوز لها إعادة النظر في موضوع النزاع، وقبول المناقشة فيه، ولا الرجوع عما قضت به، ولا التعديل على مضمون الحكم التحكيمي، فيجب اعتباره عنوانا للحقيقة.
إلا أنه بعد تسليم الهيئة التحكيمية صورة طبق الأصل من الحكم التحكيمي لطرفي التحكيم خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور الحكم ، وتقيدها بعدم نشر الحكم التحكيمي أو نشر جزء منه إلا بموافقة طرفي التحكيم ، فلا يمنع مبدأ حجية الحكم التحكيمي، ولا مبدأ استنفاد الولاية الهيئة التحكيمية من امتداد ولايتها التكميلية، على الحكم التحكيمي، وتشمل تلك الولاية ما يلي:
أولا: الولاية التفسيرية للحكم التحكيمي، إذ لا تمنع حجية الأمر المقضي به من تفسير الحكم الذي تثبت له هذه الحجية ، فقد أجاز نظام التحكيم السعودي لأي طرف من طرفي التحكيم أن يطلب من الهيئة التحكيمية تفسير ما شاب منطوق حكمها من غموض، وذلك بثلاثة شروط:
الشرط الأول: أن يقدم طلب التفسير خلال الثلاثين يوما التالية لتسلم طالب التفسير للحكم التحكيمي .
الشرط الثاني: أن يبلغ طالب التفسير الطرف الآخر على عنوانه الموضح في الحكم التحكيمي بهذا الطلب قبل أن يقدم طلب التفسير للهيئة التحكيمية .
الشرط الثالث: أن تصدر الهيئة التحكيمية حكمها التفسيري مكتوبا، خلال الثلاثين يوما التالية لتاريخ تقديم طلب التفسير للهيئة التحكيمية .
ويعد الحكم التفسيري متمما للحكم الأصلي وتسري عليه أحكامه ، فيجب تسليم صورة منه لكل طرف، كما يلزم إيداعه، ويمكن الطعن فيه تبعا للطعن في الحكم الأصلي، أو على نحو مستقل، إذا تضمن التفسير تعديلا في حكم التحكيم، إذ بصدور الحكم ترتفع يد المحكم، ولا تكون له صفة في إجراء أي تعديلات، حتى ولو كان الحكم مشوبا بما يبطله إذ يصبح الطريق الوحيد هو رفع دعوى البطلان .
وقد قضت محكمة النقض الفرنسية ببطلان الحكم التفسيري الذي يعدل الحكم التحكيمي الذي شابه الغموض بقولها (لا يمكن للقضاة أو المحكمين الذين قدم أمامهم نزاع يتعلق بتفسير قرار سابق أن يدخلوا أي تعديل على أحكامه الواضحة، حتى لو كانت خاطئة، وذلك بحجة تحديد المعني، ويجب نقض الحكم الذي اعتبر أن التفسير هو فقط بهدف إيجاد حل لصعوبة مادية ناتجة عن أحكام غير مترابطة، وعن تاريخ مقايلة، وتواريخ دفع الأقساط السنوية غير متطابقة مع تواريخ الاستحقاق، والذي أعتبر أيضا بأن الهيئة التحكيمية لم تعدل عند إدخال مدة زمنية أطول على هذه المقايلات، أي من حقوق الدفع التي أقرها الحكم التحكيمي، في حين أن آخر موعد لدفع كل من هذه المبلغ المحكوم بها قد تأجل العدة أشهر، وأن شرطا خاصا قد أضيف عند دفع الاستحقاق الرابع)
ثانيا: الولاية التصحيحية للحكم التحكيمي، فكما لا تحول حجية الأمر المقضي به دون تفسیر الحكم التحكيمي، لا تحول، أيضاء دون تصحيح ما عسى أن يكون قد وقع في الحكم من أخطاء مادية بحتة، كتابية كانت أو حسابية، بشرط ألا يتخذ التصحيح ذريعة لإعادة النظر في موضوع الحكم ، وقد خول نظام التحكيم السعودي هيئة التحكيم؛ من تلقاء نفسها، أو بناء على طلب أحد الأطراف، أن تصحح ما قد وقع في الحكم التحكيمي من أخطاء مادية بحتة؛ كالأخطاء الحسابية والكتابية ، وذلك بأربعة شروط :
الشرط الثاني: أن يصدر حكم التصحيح كتابة من الهيئة التحكيمية .
الشرط الثالث: أن يبلغ إلى طرفي التحكيم، خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدور قرارالتصحيح .
الشرط الرابع: أن لا تتجاوز الهيئة التحكيمية سلطتها في التصحيح، فيجوز وفقا لنظام التحكيم السعودي لأي من طرفي التحكيم في حال أخلت الهيئة التحكيمية بالشروط الواجبة عند إصدار الحكم التصحيحي أن يرفع دعوى البطلان في الحكم التصحيحي وفقا لأحكام النظام .
ثالثا: ولاية إصدار الحكم الإضافي، فلا تحول حجية الأمر المقضي به الحكم التحكيمي من الفصل فيما أغفلت الفصل فيه من بعض الطلبات الموضوعية ، فقد أجاز نظام التحكيم السعودي لأي طرف من أطراف التحكيم، ولو بعد انتهاء ميعاد التحكيم الإتفاقي أو النظامي، أن يتقدم بطلب للهيئة التحكيمية لإصدار حكم تحكمي إضافي في طلبات موضوعية قدمت خلال الإجراءات، وأغفلها الحكم التحكيمي ، وذلك بخمسة شروط: الشرط الأول: أن يكون التقدم بطلب الحكم الإضافي خلال الثلاثين يوما التالية للتسلم طرف التحكيم الطالب للحكم الإضافي .
الشرط الثاني: أن يكون سبق للطرف الطالب للحكم الإضافي أن تقدم بطلبه الموضوعي خلال إجراءات التحكيم .
الشرط الثالث: أن تكون الهيئة التحكيمية قد أغفلت الطلب الموضوعي، أي لم تفصل فيه قبولا أو رفضا .
الشرط الرابع: أن يتم إبلاغ الطرف الآخر بطلب الحكم الإضافي على عنوانه الموضح في الحكم التحكيمي قبل تقديمه للهيئة التحكيمية .
الشرط الخامس: أن يصدر الحكم الإضافي خلال ستين يوما من تاريخ تقديم الطلب، ويجوز لها من الميعاد ثلاثين يوما أخرى، إذا رأت الهيئة التحكيمية قيام الضرورة لمد الميعاد .
ولم يعالج نظام التحكيم السعودي حالة تعذر إصدار الحكم التفسيري، أو الحكم التصحيحي ، أو الحكم الإضافي، لإنفراط عقد الهيئة التحكيمية بعد إصدار الحكم التحكيمي، وصعوبة إجتماعها أو وفاة أو عجز أحد أعضائها، فنظام التحكيم السعودي قصر اختصاص المحكمة المختصة على المسائل التي يحيلها إليها، ولم يحل على المحكمة المختصة في المواد الخاصة بالحكم التفسيري والحكم التصحيحي والحكم الإضافي، التتولى إصدار هذه الأحكام في حالة التعذر، ويقترح بعض الفقه حلولا لهذه المشكلة تتلخص فيما يلي :
الحل الأول: أن يضمن الأطراف أتفاق التحكيم بندا خاصا باستكمال أعضاء هيئة التحكيم للقيام بإصدار الحكم التفسيري، والحكم التصحيحي، والحكم الإضافي، في حالة تعذر اكتمال نصابها.
الحل الثاني: أن يضمن اتفاق التحكيم بندا خاصا بالالتجاء للمحكمة المختصة؛ للمساعدة في إتمام التشكيل الذي يتولى إصدار الحكم التفسيري والحكم التصحيحي والحكم الإضافي .
الحل الثالث: أن تتولى المحكمة المختصة أمر إصدار الحكم التفسيري، والحكم التصحيحي، والحكم الإضافي.
رابعا: ولاية إيداع الحكم التحكيمي لدى المحكمة المختصة، إذ يجب على الهيئةالتحكيمية أن تودع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها لدى المحكمة المختصة