يتحدد نطاق حجية حكم التحكيم على المسألة المحكوم فيها دون غيرها، وهي المسألة التي طرحت على التحكيم فعلا وكانت محل منازعة من الطرفين، ومحل بحث من قبل هيئة التحكيم، فهذه المسألة وحدها هي التي تحوز الحجية دون تلك التي عرضت على هيئة التحكيم ولم تكن محل منازعة بين الطرفين أو كانت محل منازعة بين الطرفين ولكنها لم تكن محل بحث من جانب هيئة التحكيم، وأغفلت الفصل فيها .
يرتبط نطاق حجية حكم التحكيم ارتباطاً وثيقاً بتحديد نطاق اتفاق التحكيم نفسه، ومن ثم فإن حكم التحكيم لا يتمتع بالحجية إلا في حدود ما فصل فيه من نزاع تضمنه اتفاق التحكيم سواء شرطا أم مشارطة حيث يلتزم المدعي عند بدء إجراءات التحكيم في حالة وجود شرط تحكيم بأن يذكر في لائحة دعواه المبلغة لخصمه ولإعفاء هيئة التحكيم المسائل محل النزاع وطلباته وكل بيان آخر يوجب اتفاق الطرفين ذكره في هذه اللائحة. وفي حالة أن المحكم أسقط بعض المسائل ولم يفصل فيها فإن الأمر يتوقف على طبيعة المسائل التي تم إغفالها فإذا كانت مرتبطة بالموضوع و بدون الفصل فيها تظل بعض جوانب النزاع قائمة فإنه يحوز الحكم بالبطلان، أما إذا كانت خارجة عن النزاع أثيرت بسوء نية لتمييع الدعوى فلا جناح على المحكم أن أسقطها من حسابه ولم يفصل فيه.
كما أنه من ناحية أخرى، لا يحوز حكم التحكيم حجية الأمر المقضي إلا إذا اتحد الموضوع والسبب والخصوم في الدعوى التي سبق الفصل فيها وفي الدعوى المطروحة. فإذا تخلف أحد هذه العناصر ، فلا حجية للحكم السابق، ولا يجوز عندئذ الدفع في الدعوى الجديدة بسبق الفصل في الدعوى . وهناك من يرى أنه لتحديد المسألة المحكوم فيها لا محل للبحث عن وحدة المحل ووحدة السبب في الدعويين ذلك أن من الصعب عملاً تحديد ما يعتبر سبباً للدعوى ما يعتبر موضوعا لها، وعليه فإنه يتعين إذابة الحدود بين ما يعد سبباً للدعوى وما يعد موضوعا لها ودمجهما معا بحيث يشكلان وحدة واحدة وهي المسألة محل البحث وجوهر الحكم فإذا كانت هي المطلوب طرحها للنقاش من جديد تعين رفض الدعوى لسبق الفصل فيها بالتحكيم .
ا ختلف الفقه حول الحكم الصادر في مسألة إجرائية كالحكم ببطلان صحيفة الدعوى والحكم بعدم الاختصاص هل يحوز حجية الأمر المقضي أم لا، فذهب رأي إلى القول أن حجية الشيء المحكوم فيه تتعلق بالعمل القضائي، إذ هو وحده الذي يتمتع بالحماية القضائية والحكم الذي يفصل في مسألة إجرائية لا يعتبر عملاً قضائياً بالمعنى الدقيق ، فالحجية لا تترتب إلا بالنسبة للأحكام التي تحسم بصفة قاطعة الموضوع أو جزءا منه مادامت تهدف إلى استقرار المراكز القانونية الموضوعية، وعلى ذلك فلا حجية للأحكام الصادرة في المسائل الإجرائية لعدم تعرض هذه الأحكام للمراكز القانونية الموضوعية.
نؤيد القول بأن الحكم الذي يفصل في مسألة إجرائية يحوز الحجية، لأنه يحسم النزاع في المسألة الإجرائية .