حكم التحكيم / حجية أحكام المحكمين - أحكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم والقانون الخليجي العدد 49 / الإعتراف بقرار التحكيم وحجيته في القانون البحريني
من المبادئ القانونية والقضائية المستقرة في قانون المرافعات المدنية والتجارية البحريني وتعديلاته، وفي قانون الإثبات أن الأحكام القضائية الصادرة من المحاكم الوطنية لا يجوز إعادة طرح النزاع في المواضيع التي فصلت فيها من جديد، إضافة إلى جواز الإحتجاج بها أمام أية محكمة أخرى، وذلك تطبيقا لقاعدة الأحجية الأمر المقضي فيه 4 التي شرعت الإعتبارات تتعلق بالصالح العام، وبإستقرار المعاملات بكافة أنواعها بين الأفراد، إذ أنها («ض رورة تتطلبها مصلحة الأفراد، كما تقتضيها مصلحة الجماعة ، إذ لا يعقل أن تستمر الخصومات بين الناس ولا تقف عند حد؛ فتبدأ المنازعات، الأمر الذي يترتب عليه عدم إستقرار الحقوق والمراكز القانونية وتعطيل المعاملات بين الناس، فضلا عن أنه لو سمح بالفصل من جديد فيما تم الفصل فيه التعرضت أحكام القضاء للتناقض،الأمر الذي يضيع هيبة الأحكام ويزعزع ثقة الناس فيها. - الدكتور أحمد السيد صاوى - الوجيز في التحكيم طبقا للقانون رقم 27 لسنة 1994 على ضوء أحكام القضاء وأنظمة التحكيم الدولية - الطبعة الرابعة - ص 406)
وقد أخذ المشرع البحريني بقاعدة «حجية الأمر المقضي فيها بالنسبة للأحكام التي تصدر عن المحاكم الوطنية بمملكة البحرين، إذ تنص المادة (99) من قانون الإثبات البحريني على أن (الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية، ولكن لا تكون لتلك الأحكام هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلا وسبيا. وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها .)؛ كما تنص الفقرة (1) من المادة (30) من قانون المرافعات المدنية والتجارية البحريني به وتعديلاته على أنه يجوز للمدعى عليه في أية دعوى ، بعد إعلانه الإعلان، أن يطلب رد القضية المرفوعة بناء على أحد الأسباب ا الآتية: 1- سيق الفصل في الدعوى ).
وفي هذا الخصوص قررت محكمة التمييز البحرينية بجلسة 23 ديسمبر 2014 في الطعن رقم 211 لسنة 2019 بأنه (لئن كان من المقرر بنص المادة 30 من قانون المرافعات أنه يجوز للمدعى عليه في أية دعوى طلب رد القضية المرفوعة عليه السبق الفصل في الدعوى إذ يعتبر الحكم بمجرد صدوره عنوانا للحقيقة القضائية به تثبت له حجية الأمر المقضي فيما فصل فيه بالنسبة لأطرافه تحول بينهم وبين نظر الدعوى من جديد، فإذا أصبح حكمة نهائية پاتا حاز قوة الأمر المقضي وتأكدت حجيته، فلا يجوز قبول دليل ينقضها وتعتبر من مسائل النظام العام يتعين على المحكمة مراعاتها وتقضي بها من تلقاء نفسها ، ولكن لا تكون للحكم هذه الحجية إلا في نزاع قام بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير صفاتهم وتتعلق بذات الحق محلا وسيبا طبقا لنص المادة 99 من قانون الإثبات) والجدير بالذكر هنا إن حجية الأمر المفضي فيه - كما عرفها الفقه - معناها «أن للحكم حجية فيما بين الخصوم وبالنسبة إلى ذات الحق محلا وسپيا، فيكون الحكم حجة في هذه الحدود، حجة لا تقبل الدحض ولا تتزحزح إلا بطريق من طرق الطعن في الحكم. وتثبت هذه الحجية لكل حکم قطعي، أي لكل حكم موضوعي يفصل في خصومة ، سواء كان الحكم نهائية أو ابتدائية حضورية أو غيابية. وتبقى للحكم حجته إلى أن يزول 404 ... وأن قوة الأمر المقضي فيه معناها « مرتبة يصل إليها الحكم إذا أصبح نهائية غير قابل لا للمعارضة ولا للإستئناف، أي غير قابل للطعن فيه بطريق من طرق الطعن الإعتيادية، وإن ظل قابلا للطعن فيه بطريق غير اعتيادي ». (الفقيه عبدالرزاق السنهوري - الوسيط في شرح القانون المدني، الجزء الثاني، نظرية الإلتزام يوجه عام، المجلد الأول، الإثبات - دار النهضة العربية - ص 815 - 816)
ومع تنامي العلاقات التجارية بين الأشخاص (أفراد وكيانات قانونية) وتخصصها وتعقدها، سواء كانوا منتمين إلى ذات البلد أو إلى دول أخرى متعددة ، تنامي لجونهم إلى التحكيم، لما للتحكيم من خيارات ووسائل قد تكون أنسب لهم لفض المنازعات التي قد تنشأ بينهم بسبب تلك العلاقات والتعاقدات. وعليه فإن السؤال الذي يثار هنا هو مدى إنطباق قاعدة الأحجية الأمر المقضي فيه على قرارات التحكيم المحلية والأجنبية وفقا للقانون البحريني ؟ وهل يمكن الإحتجاج بقرار التحكيم عند تقديمه كبينة لسبق الفصل في منازعة منظورة أمام المحاكم دون أن يكون هناك أمر بتنفيذ هذا القرار؟ هذا ما تحاول هذه المقالة القصيرة التعرج عليه بشكل عام ويما يتسع به المقام في السطور التالية .
أساس الإعتراف بقرار التحكيم وحجيته وفقا للقانون البحريني:
الم يقرر المشرع البحريني إكتساب قرار التحكيم حجية الأمر المقضي فيه في قانون المرافعات المدنية والتجارية أو في قانون الإثبات؛ فضلا عن أن قانون التحكيم البحريني وإتفاقية الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها التي إنضمت إليها البحرين وأصبحت بالتالي جزء من قانونها الوطني، لم تقررا صراحة إسباع هذه الحجية على قرارات التحكيم - سواء المحلية منها أو الأجنبية -، وإنما وضعا أحكام محددة تتعلق بالإعتراف يقرارات التحكيم ويتنفيذها، وبالشروط والإجراءات المتعلقة بتحقيق ذلك، الأمر الذي يستفاد منه - برأينا - أن الإعتراف لا يثبت لقرار التحكيم فور صدوره ومن ثم حجيته كاثر للإعتراف أو كمفهوم ملازم له، وذلك بخلاف الحكم القضاني فور صدوره، إذ يخضع الإعتراف بقرار التحكيم لرقابة القضاء الذي عليه أن يتأكد من إستيفانه للشروط القانونية الملزمة جميعها من أجل الإعتراف به وترتيب أثار الإعتراف وأخصها حجية الأمر المقضي فيه للقرار والأمر بتنفيذها.
والجدير بالذكر هنا أن المشرع البحريني قد جعل من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي العام 1985 مع التعديلات التي أعتمدت في عام 2006 («قانون الأونسيترال النموذجي ») بكافة مواده ونصوصه كما وردت تماما دون أي تعديل أو زيادة أو نقصان قانون التحكيم الوطني، وذلك وفقا لنص الفقرة (1) من المادة الأولى من القانون رقم (9) لسنة 2015 بإصدار قانون التحكيم («قانون التحكيم البحريني » ) التي قررت بأنه (مع مراعاة أحكام الإتفاقيات الدولية النافذة في مملكة البحرين : 1- تسري أحكام قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي المرافق لهذا القانون على كل تحكيم أيا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع ، إذا كان هذا التحكيم يجري في المملكة أو في خارجها واتفق أطرافه على إخضاعه الأحكام القانون المرافق ): ومن ثم فإن أحكام قانون التحكيم البحريني تطبق على أي نحكيم سواء كان تحكيمة داخلية جرى في إقليم مملكة البحرين أو دوليا جرى خارجها، وذلك عند إتفاق الأطراف على إخضاع التحكيم له، فضلا عن أن مملكة البحرين إنضمت إلى إتفاقية نيويورك بشأن الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها لعام 1958 (إتفاقية نيويورك ر الإتفاقية ») بموجب المرسوم بقانون رقم (4) السنة 1988 بشأن الموافقة على إنضمام دولة البحرين مع التحفظ إلى إتفاقية نيويورك بشأن الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها لعام 1958 ( مرسوم بقانون رقم (4) لسنة 1988 المرسوم بقانون » )، وأصبحت الإتفاقية بالتالي جزء من قانونها الوطني، بل وتعلو أحكامها، في حالة التعارض مع أحكام أي قانون وطني أخر، وقد إنضمت مملكة البحرين إلى إتفاقية نيويورك مع التحفظ المقرر منها بالفقرات (أ، ب، ج) من المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم (4) لسنة 1988، وذلك بالإستناد إلى أحكام المادة الأولى فقرة (3) من الإتفاقية التي قررت لها ممارسة هذا التحفظ؛ ويهمنا هنا بیان تحفظ البحرين المقررين منها بالفقرتين أب، ج)، إذ قررت بأن (ب- تطبق دولة البحرين الإتفاقية على أساس المعاملة بالمثل، ولن تعترف أو تنفذ إلا قرارات التحكيم الصادرة في دولة متعاقدة أخرى هي طرف في الإتفاقية ،،، ج- تطبق دولة البحرين الإتفاقية على الخلافات الناشئة عن العلاقات القانونية سواء كانت تعاقدية أو غير تعاقدية، والتي تعتبر ذات طبيعة تجارية وفقا لقوانين دولة البحرين، ،،، ) ؛ مما يعني أن مملكة البحرين قد عملت بمبدأ المعاملة بالمثل، وقصرت إلتزامها بأحكام الإتفاقية تجاه الدول الأخرى المتعاقدة.
وتشير في هذا المقام إلى أن أمانة الأونسيترال وضعت دليل الإتفاقية نيويورك لتكون (« بمثابة أداة مرجعية لتجميع طائفة واسعة من القرارات الصادرة عن عدد من المحاكم. والغرض منه - الدليل - هو المساعدة على تعميم معلومات عن إتفاقية نيويورك ومواصلة تعزيز إعتمادها وكذلك تفسيرها تفسير موحدة وتطبيقها بفعالية .. 6 - دليل إتفاقية الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها نيويورك 1958) - تصدير - ص xi)، دليل إتفاقية نيويورك | الدليل » ). وعليه فإننا سنستعين بما جاء بالدليل عند الإقتضاء. والجدير بالذكر أن الأحكام المتعلقة بالإعتراف بقرارات التحكيم الواردة في قانون التحكيم البحريني (قانون الأونسيترال النموذجي) هي ذاتها الأحكام المتعلقة بالإعتراف بقرارات التحكيم في إتفاقية نيويورك، ولا يوجد ثمة إختلاف بينها في المعنى أو في الحكم، وإنما في بعض جوانب الصياغة التي من الواضح أنها تعود إلى أن ترجمة القانون والإتفاقية للعربية. لذا فإن ما جاء بالدليل بخصوص الإعتراف »، و«تنفيذ قرارات التحكيم يمكن تطبيقها على أحكام الإعتراف وتنفيذ قرارات التحكيم في الإتفاقية وفي القانون أيضا.
وقد ذكر دليل إتفاقية نيويورك عند تحليل المادة الأولى من الإتفاقية تحت عنوان معنى الإعتراف والتنفيذ ») بأنه (7 - لا تعرف إتفاقية نيويورك مصطلحي الإعتراف » و« التنفيذ %، كما أن السوابق القضائية التي تفسر هذين المصطلحين نادرة. وقد رأت محكمة كولومبية، في إحدى القضايا القليلة المبلغ عنها، أن «الإعتراف » يعني الإعتراف بالقوة والتأثير القانونيين القرار التحكيم، وأن معنى «التنفيذ» هو التنفيذ الإجباري لقرار تحکیم سبق للدولة أن إعترفت به ... 9 - وثمة مسألة ذات صلة وثيقة يتعريف مصطلحي «الإعتراف » والتنفيذ»، وهي ما إذا كان على طرف ما أن يلتمس الإعتراف والتنفيذ معا، أو ما إذا كان بإمكانه أن يسعى إلى الحصول على الإعتراف بقرار التحكيم بصورة مستقلة 10 - ففي قرار صادر في سنة 1981، فسرت المحكمة العليا الألمانية «الإعتراف والتنفيذ» بمعنى أن الإجراءين مترابطان ولا يمكن التماس كل واحد منهما على حدة. 11 - وقد رأت محاكم من دول أخرى أن الإعتراف يمكن أن يطلب بمفرده. فعلى سبيل المثال، رأت المحكمة العليا الهندية أنه يجوز طلب الإعتراف تفاديا لإعادة إثارة المسائل التي يتناولها قرار التحكيم ورأت المحكمة نفسها أن الطرف الذي يصدر قرار التحكيم لصالحه يمكن أن يحتج بالقرار في حالة رفع دعوى عليه بخصوص مسألة سبق أن تناولها قرار التحكيم، 12 - وبالمثل رأت محاكم من دول أخرى . بما فيها البرتغال والولايات المتحدة أن بالإمكان السعي إلى الحصول على الإعتراف بصورة مستقلة عن التنفيذ. 13 - وفي الأعمال التحضيرية والتعليقات ما يساند هذا النهج. - دليل إتفاقية نيويورك - ص و 10)
وبناء على ما تقدم، فإنه يكون من البين بأن الإتجاه الغالب الذي إستقر عليه القضاء الدولي هو مشروعية طلب الإعتراف بقرار التحكيم عند توافر شروطه دون أن يقترن هذا الطلب بطلب الأمر بتنفيذ هذا القرار والعكس صحيح، فإن طلب الأمر بتنفيذ قرار التحكيم يستدعي وبالضرورة واللزوم الإعتراف بالقرار الأمر بتنفيذه.
الإعتراف بقرار التحكيم في القانون البحريني قررت الفقرة (1) من المادة (35) من قانون التحكيم البحريني (قانون الأونسيترال النموذجي) بأن (1 - يكون قرار التحكيم ملزمة، بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه، وينفذ، بناء على طلب كتابي يقدم إلى محكمة مختصة، مع مراعاة أحكام هذه المادة والمادة 36.)؛ وفي ذات السياق قررت المادة (3) من إتفاقية نيويورك بأن على كل دولة متعاقدة أن تعترف بقرارات التحكيم كقرارات ملزمة، وأن تقوم بتنفيذها وفقا للقواعد الإجرائية المتبعة د في الإقليم الذي يحتج فيه بالقرار، طبقة أللشروط الواردة في المواد التالية، ولا تفرض على الإعتراف بقرارات التحكيم التي تنطبق لا عليها هذه الإتفاقية أو على تنفيذها شروط ف أكثر تشددا بكثير أو رسومة أو أعباء أعلى، به بكثير مما يفرض على الإعتراف بقرارات 1 التحكيم المحلية أو على تنفيذها ).
وقد ذكر دليل إتفاقية نيويورك عند تحلیل با المادة (3) من الإتفاقية بأن المبدأ العام للمادة هو (أ - الالتزام بالإعتراف بقرارات - التحكيم كقرارات ملزمة وتنفيذها - و دليل إتفاقية نيويورك - ص 78) وأضاف الدليل بشأن هذا المبدأ بأنه «ورغم أن المادة الثالثة لا تنص صراحة على أن القرارات التحكيم قوة الأمر المقضي، فقد - قضى عدد من المحاكم الوطنية بأن ذلك الأثر يترتب عليها من الناحية العملية فعلى سبيل المثال قضت إحدى محاكم الولايات المتحدة بأن «الإتفاقية وإن كانت لا تذكر صراحة قوة الأمر المقضي التي تتسم با بها قرارات التحكيم الدولية ...لا ، فإنها - تجسد المبدأ المتمثل في أنه يفترض أن - ينشئ قرار التحكيم، إلى أن يقبل الطعن با فيه، حقوق أطراف التحكيم والتزاماتها.ويشاطر المعلقون على إتفاقية نيويورك و هذا الرأي . 6 - دليل إتفاقية نيويورك - ص ( 81،80 ) ؛ وهو ما نرى معه أن إقرار حجية لا الأمر المقضي فيه القرار التحكيم يتطلب أي وبالضرورة الإعتراف بالقرار، إذ لا يمكن أن أم يكون للقرار حجية دون أن يكون معترفا به،
المشرع البحريني قد جعل من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي العام 1985 مع التعديلات التي أعتمدت في عام 2006 («قانون الأونسيترال النموذجي ») بكافة مواده ونصوصه كما وردت تماما دون أي تعديل أو زيادة أو نقصان قانون التحكيم الوطني.
مما يتطلب من المحكمة المختصة تطبيق أحكام الإعتراف وشروطه على قرار التحكيم عند تمسك أي طرف بحجية هذا القرار، لما للحجية من آثار قانونية في منازعات الأفراد، فضلا عن كونها من النظام العام للبلد.
كما أضاف الدليل في تحليل المادة الثالثة من الإتفاقية بأنه (13 - تنص المادة الثالثة على أن على الدول المتعاقدة الإعتراف يقرارات التحكيم وتنفيذها طبقا للشروط الواردة في المواد التالية من الإتفاقية. | 14 - ورأت حاکم شتى أن المقصود بتلك الشروط و الشروط المنصوص عليها | في المادة الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة من الإتفاقية. 15 - وقد طبقت محاكم وطنية هذه الشروط في السوابق القضائية المبلغ عنها فيما يتعلق بالمادة الثالثة. فعلى سبيل المثال، نقضت محكمة النقض الإيطالية قرارا صادرا عن محكمة إستناف بالموافقة على الإعتراف بقرار تحكيم وتنفيذه رغم أن المدعي الم يقدم نسخة موثقة من القرار وفقا للبند الوارد في المادة الرابعة، معتبرة أن الأمر يتعلق بشرط ينبغي إستيفاؤه في الطلب المقدم عملا بالمادة الثالثة من الإتفاقية ورأت المحكمة العليا في جورجيا أنه يعترف بقرارات التحكيم لاک قرارات ملزمة وقابلة التنفيذ» عملا بالمادة الثالثة، ومن ثم أيدت قرار تحكيم بعد الإشارة إلى عدم وجود أسباب لرفض الإعتراف بموجب المادة الخامسة من الإتفاقية.
القواعد الإجرائية للإعتراف بقرارات التحكيم في القانون البحريني:
لم يضع قانون التحكيم البحريني (قانون الأونسيترال التفاصيل الإجرائية للإعتراف يقرارات التحكيم الصادرة وفقا لأحكامه ؛ وقد جاء بالمذكرة الإيضاحية من أمانة الأونسيترال بشأن القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي العام 1985 بصيغته المعدلة في عام 2006، التي تم نشرها بالجريد الرسمية وفق قانون التحكيم البحريني (قانون الأونسيترال النموذجي ) بأنه ( ولا يضع القانون النموذجي التفاصيل الإجرائية للإعتراف والتنفيذ، التي يتركها للقوانين والممارسات الإجرائية الوطنية، ويكتفي القانون النموذجي بوضع شروط معينة للحصول على الإنفاذ بموجب المادة 35 (2). وقد عدل القانون النموذجي في 2006 بغية تخفيف المتطلبات الشكلية ومراعاة التعديل الذي أدخل على المادة 7 المتعلقة بشكل إتفاق التحكيم. ولم بعد إبراز نسخة من إتفاق التحكيم مطلويا بموجب المادة 35 (2)).
وفي ذات السياق لم تضع إتفاقية نيويورك قواعد إجرائية محددة يجب تطبيقها على الإعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها في كل دولة متعاقدة، إذ قررت المادة الثالثة من الإتفاقية بأنه يعترف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفذ (وفقا للقواعد الإجرائية المتبعة في الإقليم الذي يحتج فيه بالقرار).
والجدير بالذكر أن المشرع البحريني حدد القواعد الإجرائية المتعلقة بطلب تنفيذ قرارات التحكيم المحلية والأجنبية في قانون المرافعات المدنية والتجارية وتعديلاته المعمول بأحكامه في هذا الشأن حاليا وذلك في المادة (252 مکرر)، والمادة (253) اللتين وردتا في (الباب الثامن - التنفيذ) من هذا القانون ، وفي المادة (3) من قانون التنفيذ في المواد المدنية والتجارية الصادر بموجب المرسوم بقانون رقم (22) لسنة 2021 بإصدار قانون التنفيذ في المواد المدنية والتجارية، الذي يلغي الباب الثامن من قانون المرافعات المدنية والتجارية، والذي يبدأ العمل ابتداء من 16 / 3 / 2022؛ إلا أنه لم يضع أي قواعد إجرائية تتعلق بطلب الإعتراف بقرارات التحكيم دون طلب الأمر بتنفيذ هذه القرارات.
ذكرنا بأن الفقرة (1) من المادة (35) من قانون التحكيم البحريني (قانون الأونسيترال النموذجي) جعلت قرار التحكيم ملزما، بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه، وينفذ، بناء على طلب کتابني يقدم إلى محكمة مختصة، إلا أنه حكم هذا الإعتراف بشروط وردت في الفقرة (2) من المادة (35) وفي المادة (36) من القانون، أوجب على المحكمة المختصة بالإعتراف مراعاتها. وقد نصت الفقرة (2) من المادة (35) من القانون على أن على الطرف الذي يستند إلى قرار تحكيم أو يقدم طلبا لتنفيذه أن يقدم القرار الأصلي أو نسخة منه، وإذا لم يكن القرار صادرة بلغة رسمية لهذه الدولة يجوز للمحكمة أن تطلب من ذلك الطرف ترجمة لذلك القرار 1 إلى تلك اللغة).
وذكرنا بأن المادة الثالثة من إتفاقية نيويورك ألزمت الدول المتعاقدة بالإعتراف بقرارات التحكيم کفرارات ملزمة وبأن تقوم ا بتنفيذها، وذلك طبقا للشروط الواردة في المواد التالية للمادة الثالثة من الإتفاقية وقد قررت المادة الرابعة من الإتفاقية بأنه (1 - للحصول على الإعتراف والتنفيذ المذكورين في المادة السابقة، يقوم الطرف - الذي يطلب الإعتراف والتنفيذ، وقت - تقديم الطلب بتقديم ما يلي : أ) القرار : الأصلي مصدقة عليه حسب الأصول . المتبعة أو نسخة منه معتمدة حسب الأصول؛ ب) الإنفاق الأصلي المشار إليه في : المادة الثانية - إتفاق التحكيم - أو صورة . منه معتمدة حسب الأصول. 2 - متى كان الحكم المذكور أو الإتفاق المذكور بلغة خلاف اللغة الرسمية للبلد الذي يحتج فيه . بالقرار، وجب على الطرف الذي يطلب الإعتراف بالقرار وتنفيذه أن يقدم ترجمة - الهاتين الوثيقتين بهذه اللغة، ويجب أن تكون الترجمة معتمدة من موظف رسمي : أو مترجم محلف أو ممثل دبلوماسي أو : قنصلي).
وتعتبر الشروط المنصوص عليها بالمادة (4) من إتفاقية نيويورك، وتقابلها الشروط المنصوص عليها بالفقرة (2) من المادة (35) من قانون التحكيم البحريني، 1 وبحسب ما جاء بدليل إتفاقية نيويورك بأنها - الشروط الشكلية التي يجب أن يستوفيها ت المدعي من أجل الحصول على الإعتراف نصت الفقرة (1/1) من المادة (36) من قانون التحكيم البحريني على أسباب محددة وحصرية يجوز، حین ثبوت قيام أي منها، للمحكمة المختصة رفض طلب الإعتراف أو تنفيذ قرار التحكيم المقدم أمامها، ويكون ذلك بناء على طلب مستند إلى دليل إثباته بقرار التحكيم وتنفيذه وفقا للمادة الثالثة - يقابلها الفقرة (1) من المادة (35) قانون التحكيم البحريني (قانون الأونسيترال النموذجي) - والغرض منها هو ضمان أن تعرض على محكمة التنفيذ الأدلة الضرورية على أن طلب المدعي الحصول على الإعتراف والتنفيذ يمثل واقع الحال). والبين من النصين المبينين أعلاه أن الشروط الواردة في المادة (4) من إتفاقية نيويورك أكثر تشددا من الشروط الواردة في الفقرة (2) من المادة (35) من قانون التحكيم البحريني، إذ إن إبراز نسخة من إتفاق التحكيم ليس مطلوبة بموجب المادة 35 (2) من قانون التحكيم البحريني، وهو مطلوب وفقا للفقرة (ب) من المادة (4) من إتفاقية نيويورك، فضلا عن أن المادة | الرابعة من الاتفاقية تلزم طالب الاعتراف بقرار التحكيم أو تنفيذه أن يقوم بتصديق وإعتماد قرار التحكيم وإتفاق التحكيم حسب الأصول المتبعة، ولم يلزمه قانون التحكيم البحريني بذلك، كما أن الإتفاقية أوجبت على طالب الإعتراف أو التنفيذ أن يقدم ترجمة معتمدة لقرار التحكيم والإنفاق التحكيم بلغة البلد الذي يحتج فيه بالقرار متى كاتا بلغة خلاف اللغة الرسمية لهذا البلد، أما قانون التحكيم البحريني فقد جعل ذلك جوازيا بأمر من المحكمة التي يحتج بقرار التحكيم أمامها، ولم يشترط أن تكون الترجمة معتمدة من أي جهة محددة، وبرأينا أن نشدد الشروط الشكلية المنصوص عليها في المادة الرابعة من إتفاقية نيويورك ليست أكثر بكثير من الشروط المنصوص عليها في الفقرة (2) من المادة (35) من قانون التحكيم البحريني، فضلا عن أن هذا التشدد - برأينا - له مبرراته كون أن إتفاقية نيويورك تتعلق بالاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية وتنفيذها.
أسباب رفض الإعتراف بقرار التحكيم في القانون البحريني:
نصت الفقرة (1/1) من المادة (36) من قانون التحكيم البحريني على أسباب محددة وحصرية يجوز، حین ثبوت قيام أي منها، للمحكمة المختصة، رفض طلب الإعتراف أو تنفيذ قرار التحكيم المقدم أمامها، ويكون ذلك بناء على طلب هستند إلى دليل إثباته، مقدم أمامها من الطرف المطلوب تنفيذ القرار ضده ؛ وتنحصر هذه الأسباب ما يلي:
أن طرفا في إتفاق التحكيم المشار إليه في المادة (7) يفتقر إلى الأهلية ؛ أو أن الإتفاق المذكور غير صحيح بموجب القانون الذي أخضع الطرفان الإنفاق له، أو أنه، عند عدم الإشارة إلى مثل هذا القانون، غير صحيح بموجب قانون الدولة التي صدر فيها القرار أن المطلوب تنفيذ القرار ضده لم يبلغ على نحو صحيح بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، أو أنه لم يستطع لسبب آخر، أن يعرض قضيته؛ أو
أن قرار التحكيم يتناول تزاعا لا يقصده أولا يشمله إنفاق العرض على التحكيم، أو أنه يشتمل على قرارات تتعلق بمسائل خارجة عن نطاق هذا الإتفاق على إنه ، إذا كان من الممكن فصل القرارات المتعلقة بالمسائل التي تدخل في نطاق التحكيم، فيجوز عندئذ الإعتراف بالجزء الذي يشمل على القرارات المتعلقة بالمسائل التي تدخل في نطاق التحكيم وتنفيذه ؛ أو
أن تشكيل هيئة التحكيم أو أن الإجراء المتبع في التحكيم كان مخالفة الإنفاق الطرفين أو في حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق ، مخالفة القانون البلد الذي جرى فيه التحكيم؛ أو أن قرار التحكيم لم يصبح بعد ملزما للطرفين ، أو أنه قد ألغته أو أوقفت تنفيذه إحدى محاكم البلد الذي صدر فيه ذلك القرار أو بموجب قانون.
كما أجازت الفقرة (1 ب) من ذات المادة رفض طلب الإعتراف بقرار التحكيم أو تنفيذه إذا قررت المحكمة المختصة:
أن موضوع النزاع لا يقبل التسوية بالتحكيم وفقا لقانون هذه الدولة أو
أن الإعتراف بقرار التحكيم أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة لهذه الدولة ).
وفي ذات السياق جرى نص المادة (5) من إتفاقية نيويورك - متفقة مع أحكام المادة (35) من قانون التحكيم البحريني على النحو المار بيانها - بأنه (1 - لا يجوز رفض الإعتراف بناء على طلب الطرف المحتج ضده بهذا القرار، إلا إذا قدم ذلك الطرف إلى السلطة المختصة التي يطلب إليها الإعتراف والتنفيذ ما يثبت:
أ) أن طرفي الإنفاق المشار إليه في المادة الثانية كانا، يمقتضى القانون المنطيق عليهما ، في حالة من حالات إنعدام الأهلية أو كان الإتفاق المذكور غير صحيح بمقتضی القانون الذي أخضع له الطرفان الإتفاق ، أو إذا لم يكن هناك ما يشير إلى ذلك، يمقتضي قانون البلد الذي صدر فيه القرار، أو
ب) أن الطرف الذي يحتج ضده بالقرار لم يخطر على الوجه الصحيح بتعيين المحكم، أو بإجراءات التحكيم، أو كان لأي سبب آخر، غير قادر على عرض قضيته؛ أو
ج ) أن القرار يتناول خلافا لم تتوقعه أولم تتضمنه شروط الإحالة إلى التحكيم، أو أنه يتضمن قرارات بشأن مسائل تتجاوز نطاق الإحالة إلى التحكيم، على أن يراعى في هذه الحالات التي يمكن فيها فصل القرارات المتعلقة بالمسائل التي تخضع للتحكيم عن المسائل التي لا تخضع له أنه يجوز الإعتراف بجزء القرار الذي يتضمن قرارات تتعلق بمسائل تخضع للتحكيم وتنفيد هذا الجزء او
د) أن تشكيل هيئة التحكيم أو أن إجراءات التحكيم لم تكن وفقا لإتفاق الطرفين أولم تكن، في حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق، وفقا لقانون البلد الذي جرى فيه التحكيم او
ه) أن القرار لم يصبح بعد ملزما للطرفين، أو أنه نقض أو أوقف تنفيذه من قبل سلطة مختصة في البلد الذي صدر فيه أو بموجب قانون هذا البلد.
2 - يجوز كذلك رفض الإعتراف بقرار التحكيم ورفض تنفيذه إذا تبين للسلطة أن قانون التحكيم البحريني وإتفاقية نيويورك قد منحا المحاكم المختصة السلطة التقديرية لرفض الإعتراف بقرار التحكيم وتنفيذه المختصة في البلد الذي يطلب فيه الإعتراف بالقرار وتنفيذه.
أنه لا يمكن تسوية موضوع النزاع بالتحكيم طبقا لقانون ذلك البلد، أو أن الإعتراف بالقرار أو تنفيذه يتعارض مع السياسة العامة لذلك البلد.
والبين من نصي المادتين أعلاه، أن قانون التحكيم البحريني وإتفاقية نيويورك قد منحا المحاكم المختصة السلطة التقديرية الرفض الإعتراف بقرار التحكيم وتنفيذه بناء على الأسباب المذكورة فيهما، دون إلزامها بذلك. إذ أنهما تضمنتا قائمة حصرية بالأسباب التي يجوز للمحاكم الوطنية بالبحرين، في حالة ثبوت قيام أي سبب منها، رفض الإعتراف والتنفيذ بناء عليها، ولا تتضمن أسباب الرفض بموجب المادة (36) من قانون التحكيم البحريني وأسباب الرفض بموجب المادة (5) من إتفاقية نيويورك («القرارات الخاطئة بحكم القانون أو الواقع الصادرة عن هيئة التحكيم، ولا يجوز للمحكمة أن تنظر في دعوى لطلب الإعتراف والتنفيذ بموجب الإتفاقية مراجعة حيثيات قرار هينة التحكيم، وجرى التأكيد على هذا المبدأ بالإجماع في السوابق القضائية والتعليق على إتفاقية نيويورك. 6 - دليل إتفاقية نيويورك - ص 126)
وعليه إذا تيقنت المحكمة الذي يراد الإحتجاج أمامها بقرار التحكيم من سلامة هذا القرار وإطمئنت إلى صدوره صحيحة وفقا للشروط المتطلبة للإعتراف به، فإنه يمكنه أن يرتب ما لزم من آثار ناتجة عن الإعتراف به ومن ثم تمتعه بحجية الأمر المقضي فيه وما ينتج عنه من آثار؛ مع ملاحظة أن الرقابة التي تقوم بها المحكمة في مثل هذه الحالة هي ليست رقابة لأجل الأمر بتنفيذ القرار، بل رقابة للإعتراف بالقرار ولترتيب الأثر عليه بموجب ذلك، بعيدا عن التنفيذ.
وقد قررت محكمة التمييز في حكم حديث لها صدر بجلسة 15 ديسمبر 2021 في الطعنين رقمي 14 لسنة 2021، ورقم 252 السنة 2021، - غير منشور حتى تاريخه - في طلب يتعلق بالإعتراف بقرار تحكيم أجنبي فقط دون الأمر بتنفيذه، بأنه من المقرر أن مؤدى نص المادتين الأولى والثانية من إتفاقية نيويورك الخاصة بالإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية والتي إنضمت لها مملكة البحرين بالمرسوم بقانون رقم 4 لسنة 1988 بتاريخ 1988/3/17 وأصبحت تشريعا نافذا بها - إعتراف كل دولة متعاقدة بحجية أحكام التحكيم الأجنبية وإلتزامها بتنفيذه طبقا لقواعد قانون المرافعات المتبعة والتي يحددها القانون الداخلي مالم يثبت في دعوى تنفيذ حكم المحكمين توافر إحدى الحالات الخمس الواردة على سبيل الحصر في المادة الخامسة فقرة أولى من الإتفاقية، وكانت أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشيء المحكوم فيه بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما في الحكم قائمة ولم يقضي بيطلانه، ولا يملك القاضي سوى الإلتزام بحجيته عند نظره لذات النزاع الصادر بشأنه حكم المحكمين). والبين أن المحكمة عندما قررت الإعتراف يقرار التحكيم الأجنبي المقدم أمامها ويحجينه لم تنظر في مدى توافر الشروط القانونية التي قررتها إتفاقية نيويورك في هذا القرار بل أنها قررت أن الإعتراف بقرار التحكيم الأجنبي شأنه شأن أحكام القضاء يجوز حجية الأمر المقضي فيه بمجرد صدوره وتبقى هذه الحجية دون أي رقابة من القضاء عليه عند الفصل في طلب الإعتراف به، وأن الرقابة لا تتحقق إلا في دعوى تنفيذ قرار التحكيم. وهو ما ترى - وبالإستناد إلى السوابق القضائية التي أشار إليها دليل إتفاقية نيويورك - أنه يخالف ما أستقر عليه أغلب القضاء الدولي الذي وإن إتفق على إمكانية طلب الإعتراف بقرار التحكيم الأجنبي دون الأمر بتنفيذه، إلا أنها بسطت رقابتها على القرار للفصل في الطلب وتيقنت من أنه صدر وفقا لشروط إتفاقية نيويورك ، غير مشوب بأي سبب من أسباب رفض الإعتراف التي قررتها الإتفاقية.