اختلفت التشريعات في نوع الحجية التي تسبغها على القرارات التحكيمية الوطنية منها والأجنبية، وجاء ذلك كنتيجة طبيعية لاختلاف النهج الذي تتبعه كل دولة عند تنفيذ هذه القرارات، فبعض الدول تضع جملة من الشروط يجب توافرها لغرض تنفيذ القرار التحكيمي من قبل مديريات التنفيذ، ومن ضمن هذه الشروط استحصال مصادقة من قبل المحكمة المختصة بخصوص القرار التحكيمي المراد تنفيذه .
إلا أن إجراء مثل هذه المصادقة أو ما يطلق عليها بنظم التنفيذ تختلف من دولة إلى أخرى، فبعض الدول تتبع نظام الدعوى الجديدة، بينما تنتهج دولاً أخرى نظام الأمر بالتنفيذ الذي ينحصر أثره في حدود استيفاء الشروط التي يتطلبها القانون الوطني لتنفيذ القرار التحكيمي، وسواء كانت هذه الشروط واردة في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية، أو في قانون التحكيم، أو أية اتفاقية دولية يرتبط بها البلد المراد تنفيذ القرار على أرضه، ومن الدول التي تتبنى في قوانينها نظام الأمر بالتنفيذ قانون التحكيم الأردني رقم 31 لسنة 2010 في المادة (54)، وقانون التحكيم المصري 27 لسنة 1994 في المادة (56)، وقانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969.
تنص الفقرة (1) من المادة (272) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 على: (لا ينفذ قرار المحكمين لدى دوائر التنفيذ سواء كان تعيينهم قضاءً أو اتفاقاً ما لم تصادق عليه المحكمة المختصة بالنزاع بناءً على طلب أحد الطرفين وبعد دفع الرسوم المقررة).
ومن القوانين التي بينت موقفها بصورة صريحة من حجية القرار التحكيمي هو قانون الإجراءات الفرنسي لسنة 1986 والذي نص في المادة (1476) على: (يكتسب حكم التحكيم منذ لحظة صدوره حجية الأمر المقضي بالنسبة للنزاع الذي فصل فيه، وكذلك كل من قانوني التحكيم الأردني في المادة (53) والمصري في المادة (55) على (تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقاً لهذا القانون حجية الأمر المقضي به وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها فيه وايضاً قانون التحكيم السوري رقم 4 لسنة 2008 في المادة (53) ، ونلاحظ تطابق النص في القانونين، أما المشرع العراقي فلم يرد أي نص مشابه أو مقارب في قانون المرافعات المدنية أو التنفيذ، حيث أن قرار المحكم الصادر في منازعة لا يجوز تنفيذه في مديرية التنفيذ، سواء كان تعيين المحكم قد تم بقرار من المحكمة أم باتفاق أطراف النزاع، إلا إذا اقترن بحكم قضائي صادر من محكمة مختصة وذلك تطبيقاً لأحكام المادة (272) من قانون المرافعات المدنية العراقي .
وبعدها لا يجوز للخصوم طرح النزاع من جديد أمام المحاكم العادية وإنما يجوز لهم التمسك بعدم قبول الدعوى لسبق الفصل فيها، إذ لا يجوز لهم تعديل أية عبارة وردت في الحكم وإن كان من الجائز تصحيح ما ورد من أخطاء مادية أو كتابية أو حسابية وفق القواعد العامة المتبعة بالنسبة إلى الأحكام العادية .
وهذا ما يلمس من قرارات محكمة النقض المصرية، إذ حكمت بأن حكم المحكمين يكون بمجرد صدوره ذا حجية فيما فصل فيه وله قوة ملزمة بين الخصوم ، وكذلك في معرض آخر حكمت بأن أحكام المحكمين شأنها شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي الحكم قائماً ، ولا يعوق تنفيذ القرار التحكيمي إلا بتحقق أسباب أوردها المشرع على سبيل الحصر.
إذاً فموقف الدول بصدد أحكام التحكيم تتراوح بين معاملتها مثل أحكام التحكيم الأجنبية، أو مثل أحكام التحكيم الوطنية، ومن الدول التي نصت في قوانينها على معاملة الحكم التحكيمي الأجنبي مثل معاملة الحكم القضائي الأجنبي هي عدة منها: المشرع الأردني في المادة (2) من قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية لسنة 1952). وكذلك إنكلترا عندما أشار القانون الدولي الخاص لسنة 1995 إشارة صريحة إلى اعتبار أحكام التحكيم الأجنبية من ضمن الأحكام القضائية الأجنبية وذلك في المادة (3)، ومن جانب آخر نهجت دول أخرى نهجاً مغايراً إذ لم تساوي بين أحكام التحكيم الأجنبية والأحكام القضائية الأجنبية كما هو حال التشريع العراقي إذ لا توجد أية إشارة صريحة أو ضمنية في قانون تنفيذ الأحكام الأجنبية النافذ لاعتبار أحكام التحكيم الأجنبية من ضمن الأحكام القضائية الأجنبية .