نصت العديد من التشريعات الوطنية على حيازة حكم التحكيم لحجية الأمر المقضي فمنها على سبيل المثال المشرع المصري الذي نص على أن تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون.
وذات النص المقرر لحجية حكم التحكيم للأمر المقضي جاءت به العديد من التشريعات الأخرى كالأردني اللبناني : للقرار التحكيمي منذ صدوره حجية القضية المحكوم بها ..الخ، والتونسي يصدر حكم التحكيم داخل التراب التونسي ويكون له بمجرد صدوره نفوذ الأمر المقضي به …الخ، واليمني: تحوز أحكام التحكيم الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر المقضي ...الخ، الإماراتي : يعتبر حكم التحكيم الصادر وفقا لأحكام هذا القانون ملزما للأطراف ويحوز حجية الأمر المقضي الخ، السعودي مع مراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا النظام، يحوز حكم التحكيم الصادر طبقا لهذا النظام حجية الأمر المقضي به، القطري: تحوز أحكام المحكمين حجية الأمر المقضي به وتكون واجبة النفاذ … الخ، الفرنسي الذي ينص على تمتع الحكم التحكيمي منذ صدور بقوة القضية المقضية بالنسبة للنزاع الذي فصل فيه، الهولندي : يتمتع الحكم التحكيمي الكامل أو الجزئي بقوة القضية فور صدوره.
في قانون الاونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي تنص المادة (1/35) على أن يكون قرار التحكيم ملزما بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه وينفذ بناء على طلب كتابي يقدم إلى محكمة مختصة. وفقا للمادة (41) من قانون التحكيم السوداني لسنة (2016م) يكون قرار هيئة التحكيم نهائيا وملزما وينفذ تلقائيا أو بناء على طلب مكتوب إلى المحكمة المختصة ومرفقا معه صورة معتمدة من الحكم الأصلي. الواضح أن المشرع السوداني أخذ بما جاء بنص المادة (1/35) من القانون النموذجي التي تعتبر حكم التحكيم ملزما.
كانت المادة (40) من قانون التحكيم السوداني لسنة (2005م) الملغي تنص على أن يكون قرار التحكيم ملزما وينفذ تلقائيا أو بناء على طلب مكتوب إلى المحكمة المختصة ومرفقا معه صورة معتمدة من الحكم الأصلي وسبق أن انتقدت صياغتها وأوردت أن المشرع بالنص على أن يكون حكم التحكيم ملزما لا يحدونا للقول بأن حكم التحكيم يحوز حجية الأمر المقضي أو أن المشرع يقصد بعبارة ملزما هذه حجية الأمر المقضي لما يلي من أسباب:
(أ) المشرع لا يستخدم مصطلح الإلزام للتدليل على حجية الأمر المقضي، فقد وردت في نصوص قانون الإجراءات المدنية قاعدة موضوعية وعنوانها حجية الأمر المقضي تنص على الآتي:
1- لا يجوز لأي محكمة أن تنظر في أي أمر كان موضوع خلاف جوهري ومباشر في دعوى سالفة بين نفس الأطراف أو من يدعون نفس الحق عن طريقهم أمام أي محكمة مختصة في السودان أو منشأة بموجب أحكام هذا القانون أو أي قانون آخر إذا كانت تلك المحكمة قد سمعت الدعوى السالفة وفصلت فيها نهائيا.
2- أي طلب من الطلبات الواردة في عريضة أو دفع في الدعوى السالفة تعتبر موضوع خلاف جوهري ومباشر فيها.
3- أي طلب من الطلبات الواردة في عريضة الدعوى لم يحكم بـه صـراحة يعتبر لأغراض هذه المادة أنه قد رفض.
في قانون الإثبات لسنة (1994م) أورد المشرع قاعدة موضوعية تنص على أن" تعتبر الأحكام النهائية حجة قاطعة على الخصوم فيما فصلت فيه ولا يجوز تقديم دليل ينقض تلك الحجية".
ففي مرحلة إعداد الاتفاقية أثار هذا المصطلح جدلا واسعا فقد كان السيد De Sydow المندوب السويدي لدى مؤتمر الاتفاقية الذي كانت توصيته التي تبنتها وأقرتها مجموعة العمل بالمؤتمر "أنه لا ينبغي تنفيذ الحكم إذا كان طبقا للقوانين المطبقة قابلا للطعن عليه أمام محكمة الدولة التي صدر فيها الحكم على نحو يؤدي إلى وقف اثر نفاذه، إلا أن فريق العمل استشعر في نفس الوقت أن تأخير تنفيذ الحكم بهذا الشكل يعد أمرا غير واقعي إذ لا يصح التأجيل لحين انقضاء كافة المواعيد المقررة قانونا، أو لحين استنفاذ كافة الوسائل الأخرى الممكنة في الطعن على الحكم لكي يصبح الحكم نهائيا ، ولذلك وافقت مجموعة العمل أيضا على تجنب استخدام "نافذ المفعول أو قابل للتنفيذ التي اعتبرتها العديد من وفود الدول لدى المؤتمر غير مقبولة حيث يمكن تفسيرها على أنها تتطلب أن يكون الحكم مستوف الشروط اللازمة لتنفيذه حتى يتم تنفيذه في البلد الذي صدر فيه.
فقانون التحكيم لسنة 2005م أوجد خلافا في الآثار القانونية التي يرتبها حكم التحكيم عن تلك التي يرتبها الحكم القضائي وتتمثل في أن الحكم التحكيمي لا يحوز حجية الأمر المقضي وذلك على عكس الحكم القضائي الذي يحوز حجية الأمر المقضي استنادا لنص المادة (29) من قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983م) والمادة (51) من قانون الإثبات السوداني لسنة (1994م)، ولم أكن مؤيداً مسلك المشرع السوداني الذي شـد فيـه عـن الاتجاهات التشريعية الحديثة دونما مبرر معقول إلا أن المشرع السوداني قد استدرك اللبس الذي أحدثته صياغة المادة (40) من قانون 2005م وأضاف عبارة ( نهائيا) لنص المادة (41) من قانون (2016م) حيث نص مع مراعاة أحكام المواد (38) ، (39)، (40) يكون حكم هيئة التحكيم نهائيا وملزما وينفذ ...الخ مما يجعل نص المادة منسجما ونص المادة (51) من قانون الإثبات المشار إليها أعلاه، وبالتالي أزال الخلاف الذي أوجدته صياغة المادة (40) من قانون التحكيم الملغي.
فالحجية تنسب للأحكام التي تفصل في الحقوق المتنازع عليها أو المدعى بها، أي أنها قاصرة على الأحكام التي تتضمن تأكيدا للمراكز القانونية الموضوعية، وفي القانون الفرنسي فإن الحجية في نطاق الأحكام القضائية يمتد أثرها ليس فقط على القرارات التأكيدية التي ترد على الحقوق والمراكز الموضوعية وإنما يتسع نطاقها لتشمل القرارات التأكيدية الواردة على الحقوق والمراكز الإجرائية .
بالنسبة لحيازة حكم التحكيم لحجية الأمر المقضي ذهب البعض إلى أن الحجية وهي القرينة القانونية المقررة في القانون المدني لا تكون إلا للأحكام القضائية ولا تمتد بغير نص صريح إلى غير تلك الأحكام ، ومن ثم فإن حكم المحكم لا يحوز حجية الأمر المقضي، ومن وجه آخر فإن الأمر بتنفيذ حكم المحكم لا يؤثر على طبيعته وتجعله بمثابة حكم قضائي بعد أن كانت له طبيعة تعاقدية فلا يضفي عليه ما للأحكام من آثار فحجية حكم التحكيم عند أصحاب هذا الرأي تستمد من إرادة الخصوم أنفسهم لا من نص القانون فإذا رضي الخصوم بالحكم ثبت واستقر، وإلا كان لذوي الشأن مكنة اللجوء مجددا للقضاء وفي ذات الوقت تجوز المطالبة بما قضى به حكم المحكمين ولو قبل صدور الأمر بتنفيذه إذا لم ينازع الخصم الآخر في الحكم أو في صحة إجراءاته.
وفي تطور لاحق قضت الدائرة المدنية بمحكمة النقض الفرنسية بأنه ليس هناك قاعدة من قواعد النظام العام تتعارض مع استئناف حكم المحكمين قبل صدور أمر بتنفيذه عند اتفاق الأطراف على بدء ميعاد الاستئناف من إعلان حكم المحكمين .
يجوز باتفاق الأطراف اللجوء إلى التحكيم مرة أخرى أو القضاء لإعادة طرح ما حكم به الحكم التحكيمي السابق، وتعليل ذلك أن الدولة تنظم القضاء وتعطي كل شخص حق اللجوء له وهذا الحق لا يستخدم لذات المنازعة أو الادعاء إلا مرة واحدة، فالمحاكم لا تفصل في الدعوى أكثر من مرة ولو كان التكرار نابعا عن رغبة الأطراف أنفسهم لما فيه من إشغال وتعطيل مرفق القضاء أم في التحكيم فإن هيئات التحكيم هي هيئات خاصة وهي لا تعتبر من ضمن المحاكم التي تنظمها الدولة وبالتالي فإن تكرار إقامة نفس الدعوى بناء على رغبة الأطراف أمام هيئات التحكيم لا يمثل خروجا عن الاعتبارات التي تمنع تكرار نفس الدعوى أمام القضاء وذات المسألة بالنسبة لانصراف الأطراف عن حكم التحكيم والنزول عنه والذهاب به إلى القضاء لأول مرة، فإن ذلك لا يمثل تكرارا لشغل المحاكم.
لا يرتب النزول عن حكم التحكيم النزول عن الحق الثابت به ولهذا فإنه يسمح بعد النزول عنه المطالبة بالحق محل الحكم التحكيمى المتنازل عنه أمام القضاء أو الاتفاق مع خصمه على اللجوء مرة أخرى إلى التحكيم بشأن تلك المطالبة.