(( تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون))
ورغم أن هذا النص قد جاء مطلقا بحيث قد يفهم منه أن كافة أحكام المحكمين تحول حجية الأمر المقضى إلا أن إعمال المبادئ العامة في هذا قتال عني التمييز بين أحكام المحكمين الفاصلة في الحقوق والمراكز الموضوعية وغيرها من الأحكام:
1- فحكم المحكم إذا كان فاصلا في حق أو في مركز قانوني موضوعي فإنه يحوز حجية الأمر المقضي بمجرد صدوره، وذلك ولو لم يكن قد صدر أمر بتنفيذه ، أو كان أحد الخصوم قد رفع دعوى ببطلانه لعدم صدور الأمر بالتنفيذ أو رفع دعوى البطلان لا يحولان دون تمنع حكم المحكم بحجية الأمر المقضي ، وهذه الحجية تتعلق في اعتقادنا بالنظام العام بحيث لا يجوز للخصوم التنازل عن هذه الحجية وعرض النزاع من جديد أمام القضاء أو أمام التحكيم ، وأن کان يجوز لهم بطبيعة الحال التنازل عن الحكم وهو ما يعد تنازلا عن الحق الموضوعي الثابت فيه
2 - أما إذا لم يكن حكم المحكم قد فصل في حق أو مركز قانوني موضوعي كما لو كان قد فصل في مسألة إجرائية أو مسألة من مسائل الإثبات أو في مسألة وقتية فلا يحوز الحكم الحجية في هذه الحالة .
ثانيا : الأثر السلبي والأثر الإيجابي لحجية حكم التحكيم
من المسلم به فقها وقضاء أن حجية الأحكام حجية نسبية سواء من حيث الموضوع أو من حيث الأشخاص .
فالحكم لا يحوز الحكم حجية الأمر المقضى إلا في المسألة التي قضى فيها بين نفس الخصوم ، بحيث يمنع الخصوم في الدعوى التي صدر فيها من العودة إلى المناقشة في هذه المسألة التي فصل فيها برفع دعوى جديدة ولو بأدلة قانونية أو واقعية جديدة لم يسبق إثارتها في الدعوى الأولى.
ومن ناحية أخرى لا يحوز الحكم حجية الأمر المقضى فيما جاوز المسألة المقضى فيها ولا على غير الخصوم في الدعوى التي صدر فيها. وفيما يتعلق بحجية حكم التحكيم من حيث الأشخاص وهو ما يهمنا هنا فإن حكم التحكيم يحوز حجية الأمر المقضى فقط بالنسبة للخصوم الحقيقيين فيه أي كل من كان طرفا في الخصومة أو ممثلا فيها تمثيلاً صحيحا وصدر الحكم فى مواجهته، وترتب الحجية أثريها السلبي والإيجابي في مواجهة أطراف الحكم .
فقضاء الدولة يتدخل لتعيين المحكم أو المحكمين , كما أنه يتدخل في مسألة عزل المحكم وتعيين غيره كما يختص بالطعن في الحكم الصادر برفض طلب رد المحكم ، كما يتدخل للحكم على من يتخلف من الشهود أو يمتنع عن الإنابة بالغرامة والأمر بالإنابة القضائية.
وأخيرا فإنه يراقب حكم المحكم بعد صدوره بموجب دعوى البطلان الأصلية".
فهل يمكن القول بعد ذلك أن مرفق القضاء لم ينشغل بعملية التحكيم ،
فلا شك أنه إذا كان دافع المشرع إلى اعتبار حجية الأحكام القضائية متعلقة بالنظام العام هو رعاية المصالح العامة بعدم شغل مرفق القضاء بنفس الدعوى أكثر من مرة فلا شك أن هذا الدافع موجود وبقوة في حالة التحكيم، فإجازة العودة إلى التحكيم بعد صدور حكم فيها هو شغل المرفق القضاء لأكثر من مرة، ولا يجوز الاعتراض بأن مرفق القضاء قد لا يشغل على الإطلاق بعملية التحكيم ، وذلك في الحالات التي لا تواجه فيها عملية التحكيم العقبات المشار إليها ، حيث أنه يكفي أن احتمال انشغال مرفق القضاء بعملية التحكيم هو أمر قائم .