حيث جاء في حكم المحكمة استئناف القاهرة (ولئن كان حكم التحكيم ذا طابع قضائي بمعنى أنه يشبة الحكم القضائي في الكثير من الأمور إلا أنه ليس
حكما قضائيا- فالتحكيم غير القضاء، ذلك أن الحكم الذي يصدره القاضي هو بلا مراء - حكم قضائي ، أما حكم التحكيم فهو لا يعدو أن يكون حكما تحكيميا، وبالتالي لا يخضع لنظام الطعن في الأحكام القضائية وإنما يخضع نظام دعوى البطلان المبتدأه).
من المبادئ القانونية لمحكمة النقض والذي جاء في حكم لها: " لئن كان من المقرر أن اعتبار التحكيم ذا طبيعة قضائية ، فهذا يوجب على هيئة التحكيم مراعاة المبادئ الأساسية في التقاضي ، وذلك سواء كان التحكيم
تحكيما عاديا أو تحكيما مع التفويض بالصلح ، وتعتبر حيدة المحكم واستقلاله من الضمانات الأساسية في التقاضي ".
وما يثبت ذلك أنه لم يخل أي قانون تحكيم من تطبيق أحد هذه الضمانات
والتزام المحكم بالضمانات الأساسية للتقاضي واجبة دون حاجة إلى نص مباشر على وجوب المساواة ،ولكنها واجبة لتحقيق العدالة مثل احترام حقوق الدفاع (من إبداء طلبات الخصوم ومبدأ المواجهة ) وهي الضمانات المنصوص عليها في المادة رقم ۱۷۹ لباب الثاني عشر التحكيم و الكويتي من قانون المرافعات المدنية والتجارية الكويتي رقم 38 لسنة.
وجاء قانون التحكيم الفرنسي الجديد الى تكريس مبدأ جديد هو( مبدأ الأستوبل) أو عدم التناقض الإضرار بالغير في الماده (1466) والتي نصت على " الطرف الذي يمتنع دون مبرر مشروع عن التمسك أمام محكمة التحكيم و به من أوجه المخالفة في وقت مناسب مع علمه بسببه يعد متنازلا عن التمسك به. ونصت الماده ۱۷ والخاصه بالأحكام العامة على إعطاء فرص متكافئة للأطراف لعرض دعواهم ، ونصت الماده 40 الفقرة من لائحة مركز القاهرة الإقليمي على إلتزام الهيئة بسرية الجلسات إلا إذا تطلب القضاء عكس ذلك.
والالتزام الآخر الذي يتقيد المحكم به أمام الخصوم مثله مثل القاضي هو تطبيق القانون على النزاع المعروض أمامه ، إلا أنه نظرا لكون التحكيم وسيلة استثنائية للتقاضي فيطبق قانون أخر قد يتفق عليه الأطراف في إتفاق التحكيم وأن يكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون مع عدم مخالفتة للنظام العام) وإلا قضى بطلان حكم التحكيم ويحق للمحكم في حالة الصلح عدم التقييد بتطبيق القانون وأن يفصل وفقا لقواعد العدالة والإنصاف، وهو مانصت علية الماده ۳۹ الفقرة الأولى والرابعة من قانون التحكيم المصري وجاء في صدر المادة 38 من نظام التحكيم السعودي الجديد تقيد المحكمين بأحكام الشريعة الاسلامية بجانب عدم مخالفة النظام العام.
ونصت كذلك الماده ۲۹۵ من قانون التحكيم العراقي على وجوب تقيد المحكمين بما اتفق علية الأطراف في اتفاق التحكيم وأعتبره شرطا لإعفاء المحكم من إتباع الإجراءات الواجبة في قانون المرافعات إلا ما تعلق بالنظام . العام. وقانون المرافعات الكويتي في نص المادة ( ۲/۱۸۲) والذي حكمت بمقتضاه محكمة التمييز الكويتية في طعن أمامها :-إنه قد نشب خلاف فيما بين الطاعنة وشركة بشأن عقد مقاولة الباطن المبرم بينهما ولرغبتهما في فضه فقد حررا مشارطة التحكيم المؤرخة ۲۱۲۱ ۲۰۰۲۱۱ والتي اتفقا في مادتها العاشرة على خضوع إجراءات التحكيم المنعقدة بناء على هذه المشارطة لقواعد وأحكام مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون ، ولقانون المرافعات المدنية والتجارية فيما لم برد بشأنه نص خاص بهذه المشارطة و طلبت الطاعنة برد المحكم أمام المحكمة وجاء الحكم برفض اختصاص مركز التحكيم فطعنت أمام محكمة التمييز الذي أقرت بصحة الحكم المطعون عليه والذي جاء في منطوقه : -
"وكان من المقرر- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أنه مع قيام قانون ويرجع إلى أحكام القانون العام إلا فيما فات القانون الخاص من لا يجوز إهدار القانون الخاص لإعمال القانون العام لما في ذلك من مية للغرض الذي من أجله وضع القانون الخاص، فالتشريع الخاص تر استثناء من التشريع السابق عليه يحد من عموم أحكامه فيقيده وينسخه دواء بتخصيصه فحسب ومن ثم يسرى كل منهما في نطاق التشريع الجديد فيما خصص له والتشريع السابق عليه فيما بقي له من اختصاص وكان الثابت بالأوراق ..... على خضوع إجراءات التحكيم المنعقدة بناء على هذه المشارطة لقواعد وأحكام مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون ، ولقانون المرافعات المدنية والتجارية فيما لم يرد بشأنه نص خاص بهذه المشارطة ، ومن ثم فقد انصرفت إراده الطرفين إلى تطبيق قواعد وأحكام هذا المركز في شأن إجراءات ونظام التحكيم بينهما، واذا وافقت دولة الكويت على إنشاء هذا المركز بالقانون رقم 14 لسنة ۲۰۰۲ فقد أصبح هذا القانون الخاص هو الواجب التطبيق على واقعة النزاع... ولما كانت الطاعنة قد حادت عن هذا الطريق وأقامت دعواها بطلب رد المحكمين أمام المحكمة فأنها قد لجأت الجهة غير مختصة بنظر النزاع وإذا التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق صحيح القانون ويضحي النعي عليه بهذه الأسباب على غير أساس .
فبالنظر إلى هذا الحكم نجد أن في حال وجود قانون خاص ينطبق على النزاع و متفق على تطبيقة لا يمكن إهداره ، مع وجوب تطبيق القانون العام في ما نص النص علية في القانون الخاص ، وهو ما اتفق علية الأطراف في تطبيق قواعد مركز التحكيم التجاري لمجلس التعاون الخليجي وأيضا لقانون، المرافعات وبإصدار قانون لإنشاء هذا المركز فيعتبر هذا القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع .
ولم تخل التشريعات الأجنبية من هذة الضمانات ، فنجد في نص الماده 1464
من قانون التحكيم الفرنسي ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك، يجوز الهيئة التحكيم تحديد إجراءات التحكيم دون أن يكون مضطرا إلى اتباع القواعد للمحاكم الدولة. ، ونصت المادة 14۷۸ من ذات القانون على أن تفصل محكمة التحكيم في النزاع وفقا للقواعد القانونية ما لم يعهد الأطراف للمحكمه أن تحكم رضائيا ، ونص على ذلك أيضا القانون الإنجليزي في الماده 46، ونصت المبادئ العامة الواردة في صدر القانون على أن يكون اطراف الحرية في الاتفاق على طريقة تسوية نزاعاتهم .
وحدة الحكمة والهدف من استنفاد ولاية القضاء وولاية التحكيم
يعد استقرار الأوضاع والحقوق القانونية هوما يهدف إليه المحكم والقاضي عن طريق إصدار حكم يفصل في النزاع المعروض أمامهم ، أو الفصل بإنهاء الإجراءات وفقا لحالات الإنهاء المقررة من قبل المشرع ) ونجد أن التحكيم يمتاز بخاصية النظام العرض الذي به يتم اختيار المحكم لنزاع معین وقت تعينه وتنهي مهمته بالفصل فيه، وهو ما نصت عليه صراحة التشريعات المختلفة فنجد المادة 48 الفقرة ۲ من قانون التحكيم المصري"، و المادة (3/ 1) من نظام التحكيم السعودي نصت صراحة على انتهاء مهمة محکم بانهاء إجراءات التحكيم .
إنهاء مهمة المحكم بصدور قرارة إلا أنه في حالات وفقا لقرار المحكمة
المختصة وهو ما سيتم إيضاحه لاحقا. ولم تخل التشريعات الأجنبية من نفس المحتوى حيث جاء في الماده ۱۹۸۵ من قانون التحكيم الفرنسي الجديد بصدور حكم التحكيم تستنفد المحكمة التحكيمية ولايتها إلا في حالات محددة . ونجد أن المشرع الإنجليزى نص في قانون التحكيم على أنه بالإضافة إلى الحالات المقررة قانونا يكون إعادة الحكم للمحكم مرة أخرى وفقا لوجهة نظر وقرار المحكمة المختصة وليس بناء على قرار الهيئة التحكيمية أو على إراده الأطراف وهو ما سيتم شرحه لاحقا عند الحديث على إمكانية الطعن على حكم التحكيم .