لا يلزم النطق بالحكم فى جلسة علنية ، لأن النطق به فى جلسة علنية لا يعتبر ضمانة للمحتكمين وإذن لا يعد إجراء أساسياً.
تظهر أهمية تحديد وقت صدور الحكم للتحقق من صحة الإجراءات ومن مراعاة الميعاد المحدد بنص القانون أو باتفاق الخصوم الإصدار الحكم (م 833)
كما تظهر أهمية تحديد الوقت الذي يعتبر فيه حكم المحكمين قد صدر إذا توفى أحدهم أو قام به سبب من أسباب الرد أو إذا توفى أحد الخصوم أو فقد أهليته. فإذا توفى أحد الخصوم قبل إصدار الحكم وكان من بين ورثته قاصر بطل التحكيم، وإن كانوا جميعاً راشدين امتد الميعاد المضروب لحكم المحكمين ثلاثين يوماً.
هذا ويلاحظ أنه من وقت صدور الحكم تسرى الآثار القانونية المترتبة على صدوره وفقاً لما سوف نراه.
ويتجه الرأى الراجح في هذا الصدد إلى أن القانون لا يوجب النطق بالحكم كما قدمنا ، وبالتالي فلا يلزم النطق به في جلسة علنية كما هو الحال بالنسبة للأحكام التي تصدر من القضاء العادي، وإنما يتعين كتابة الحكم والتوقيع عليه، ويعد الحكم قد صدر ويعتد به من تاريخ التوقيع عليه ولا يلزم النطق به أو إيداعه، ولا يترتب أى بطلان إذا لم يراع هذا أو ذاك .
ونحن نؤيد الرأى الأخير ونرى أنه وإن كانت عبارة المادة 833 قد لا توحي بأن القانون لا يوجب كتابة الحكم لاحترام الميعاد إلا أن المادة 840 توجب كتابة الحكم من ناحية ولم تشر إلى وجوب النطق به من ناحية أخرى. ويذهب الرأى فى فرنسا _ كما قدمنا إلى أنه لا يلزم النطق بحكم المحكمين، فلا يعتبر النطق به في جلسة علنية ضمانة للخصوم، ولا يعد إجراء أساسيا إذن. وبالتالي وإذا يوجب القانون إصدار حكم المحكمين في خلال ميعاد معين يوجب في واقع الأمر إنهاء مهمتهم فى خلال هذا الميعاد، ومهمتهم لا تنتهى إلا بكتابة الحكم والتوقيع عليه حتى لا يكون القول بعكس هذا مدعاة لتراخيهم وإهمالهم في كتابة الحكم. هذا ويلاحظ أن المادة 842 تقتضى هذا الفهم لأنها توجب إيداع الحكم فى خلال خمسة أيام من تاريخ صدوره، فالمشرع يقصد إذن بصدور الحكم _ في باب التحكيم _ كتابته والتوقيع عليه من المحكمين .
وعلى أي حال فهذا الرأى هو وحده الذى يستقيم في الأحوال الدقيقة التي يكون فيها لتحديد تاريخ صدور الحكم أهمية كبيرة كما إذا توفى المحكم أو فقد أهليته بعد النطق به وقبل كتابته، فهل يتصور أن يقال بصدور حكم لم يكتب ولم يوقع عليه المحكم الذي أصدره.
وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الثابت أن طرفى الخصومة قد لجأ إلى التحكيم فيما كان ناشباً بينهما من منازعات متعددة بشأن زراعة الأطيان المملوكة لهما وكان حكم المحكمين قد فصل بصفة نهائية فى هذه المنازعات وقضى لأحدهما بأحقيته في استلام أطيان معينة بما عليها من الزراعة وكانت هذه الزراعة قائمة في تلك الأرض فعلاً وقت صدور حكم المحكمين فإن أحقية المحكوم له للزراعة المذكورة تكون أمراً مقضياً له به بموجب حكم المحكمين ضد الخصم الآخر وتكون دعوى هذا الأخير بطلب أحقيته لهذه الزراعة مردودة بما لهذا الحكم من قوة الأمر المقضى به ومن حجيته قبله، ولا يقدح في ذلك أن يكون هو الزراع لتلك الزراعة، ولا يغير من ذلك أيضاً ألا يكون الحكم قد تنفذ بالاستلام فإن عدم تنفيذ الأحكام لا يخل بما لها من حجية لم تنقض بأى سبب من الأسباب التى تنقضى بها قانوناً .
وقيل في رأى ثالث إن حجية الشيء المقضى به وهى القرينة القانونية المقررة في القانون المدنى لا تكون إلا لأحكام القضاء ولا تمتد بغير نص صريح إلى غير تلك الأحكام. ومن ثم حكم المحكم لا يجوز الحجية - وفقاً لهذا الرأى ومن ناحية أخرى، الأمر بتنفيذه لا يؤثر على طبيعته ويجعله بمثابة حكم قضائي بعد أن كانت له طبيعة تعاقدية، فلا يضفى عليه ما للأحكام من آثار وحجية حكم المحكم تستمد من خصوم الدعوى أنفسهم، فإذا رضى الخصوم بالحكم ثبت وأستقر وإلا فإن صاحب المصلحة يلجأ من جديد إلى المحكمة المختصة.
وإذن _ ووفقاً لهذا الرأى _ حجية حكم المحكم ليست مستمدة من نصوص القانون المدنى _ وهى لا تقرر حجيتها _ وإنمـا هـي مستمدة من إرادة الخصوم أنفسهم ؟ فهذه الإرادة وحدها هي السبيل إلى تقرير حجية الحكم. ومن ثم يجوز المطالبة بالحقوق الثابتة في حكم المحكم ولو قبل صدور الأمر بالتنفيذ بشرط ألا ينازع الخصم الآخر في قضاء
المحكم أو فى صحة الإجراءات .
وهذا الاتجاه في الرأى غير صحيح لأنه يخلط بين حجية الحكم والطعن فيه، فحكم المحكم يكتسب الحجية وتلتصق به بمجرد شأنه شأن أحكام القضاء _ ولو كان قابلاً للطعن، وتبقى صدوره. هذه الحجية وتستقر ببقاء الحكم وتزول بزواله. وإذن ليس ثمة ما يمنع من أن يكتسب الحكم الحجية وهذا يتم بقوة القانون وبمجرد صدوره ويكون قابلاً للطعن أو يطعن فيه بالفعل بقصد المنازعة في صحة الإجراءات أو حسن قضاء المحكمة أو المحكم.
كذلك يتجه القضاء فى فرنسا إلى ان حكم المحكمين يعتبر بمجرد صدوره والتوقيع عليه ورقة رسمية شأنه شأن الأحكام التي تصدر من القضاء العادى وتكون له قوة ملزمة ولا يملك الخصوم إنكاره بل يلزم الادعاء بتزويره بالنسبة لأى بيان من البيانات الورادة في الحكم. ويستوى في صدد ماتقدم أن يكون الحكم قد صدر في خلال الميعاد المتفق عليه بين الخصوم للتحكيم، أم صدر في خلال الميعاد المقرر لذلك في القانون.
كما تستوى في صدد ما تقدم أيضاً كل بيانات الحكم سواء تلك التي أثبتها المحكم في حكمه وجرت وقائعها أمامه، أو تلك المتعلقة بإقرارات الخصوم أو اتفاقاتهم مادامت قد ثبت في الحكم، أو تلك المتعلقة بسير الإجراءات أو إثبات الدعوى ... كما إذا أثبت المحكم أنه اطلع على مستندات معينة فى تاريخ معين أو سمع شاهداً في تاريخ آخر وهكذا...
يبين من كل ما قدمناه أن حكم المحكم يعتبر بمجرد صدوره والتوقيع على ورقة رسمية، شأنه شأن الأحكام التي تصدر من القضاء، ويحوز الحجية بين خصوم الدعوى ، ولا حجية له بطبيعة الحال قبل من لم يكن طرفاً في الخصومة التي صدر فيها .
وبطبيعة الحال يملك الخصوم تنفيذ حكم المحكم اختيارا ولو لم يودع قلم كتاب المحكمة أو لم يصدر الأمر بتنفيذه.