ولكن لكي تكون للقرار التحكيمي آثار لابد من أن تكون له حجية ملموسة في بادىء الأمر، تتمثل بما يقرره عن حقيقة الوقائع المتنازع فيها، واخيراً للقرار التحكيمي آثار من حيث الزمان او ما يطلق عليه بالتقادم المسقط.
آثار القرار التحكيمي بالنسبة للأشخاص
أن من الأهمية بمكان تحديد الوقت الذي تبدأ به آثار القرار التحكيمي، وذلك قبل الولوج بدراسة الاشخاص المعنيين بهذه الآثار، إذ يبنى على تحديد هذا الوقت نتائج عدة.
وهذا ما تبناه قانون التحكيم الإيطالي لعام 1983 فقد نصت المادة (823) على: ( يعتبر القرار ملزماً للأطراف من تاريخ آخر توقيع )، وهذا التاريخ يعتبره القانون الإيطالي هو تاريخ إصدر القرار التحكيمي
ومما تجدر الإشارة إليه إن بعض القوانين تنص على وجوب إيداع القرار التحكيمي لدى المحكمة المختصة خلال مدة محددة منذ صدوره، وقد يقع واجب إيداع القرار على المحكمين أو أحد أطراف النزاع، على الرغم من أن هذه المسألة لا تتعلق بحجية القرار التحكيمي وإنما مجرد إجراء يراد به ممارسة المحكمة لسلطتها الرقابية على القرارات التحكيمية أو إضفاء الصيغة التنفيذية على القرارات المذكورة أو الطعن فيها.
أما عن الأشخاص الذين تنصرف اليهم آثار القرار التحكيمي فهم أطراف النزاع من جهة والمحكم من جهة ثانية، إذ يعتبرون هم أطراف عقد التحكيم، إلا أن هذه الآثار قد تنصرف إلى الغير ايضاً، ولأجل التوسع في كل ما سبق ذكره سنخصص لكل من أطراف النزاع، والمحكم، والغير، فرعاً مستقلاً.
آثار القرار التحكيمي بالنسبة لأطراف النزاع
لأن إرادة الطرفين قد انصرفت إبتداءً إلى أختيار التحكيم كوسيلة لفض النزاع، لذلك يتوقع عدم حصول إعتراض عند تنفيذ القرار التحكيمي، إذ أن غاية الطرفين تتمثل بحل النزاع بعيداً عن القضاء والوصول إلى قرار تحكيمي ينهي النزاع، لذلك فأن تنفيذ القرار هو الأمر المرتقب من قبل الأطراف، إذ أن الإلتزام بتنفيذ القرار هو أول أثر متوقع للقرار التحكيمي.
لذلك قد يلجأ الأطراف إلى الأشارة الصريحة على وجوب تنفيذ القرار التحكيمي، وذلك بالنص على كون القرار يعتبر ملزماً ونهائياً ( Binding and Final ) إذ تستعمل هذه الصيغة في عدد ليس بالقليل من نماذج عقود التحكيم ، والغرض من إضافة هذا المصطلح في فقرات العقد التحكيمي هو التأكيد على ضرورة تنفيذ القرار التحكيمي بصورة طوعية من قبل الطرف الذي صدر القرار التحكيمي بحقه.
إن تنفيذ القرار التحكيمي بصورة طوعية وبدون تسويف أو تاخير له مزايا لا تنحصر بالطرف المستفيد من التنفيذ فحسب، بل وللمؤسسة التحكيمية إن كان التحكيم مؤسسياً ، ولشخص المحكم في كل الأحوال، ومن مزاياه الأخرى يعمل على إزدهار وتقدم التجارة الدولية بصورة عامة ، و للمزايا العديدة المتحققة ذلك عملت جملة من القوانين والإتفاقيات الدولية على النص بصورة صريحة على إلزامية تنفيذ القرار التحكيمي من قبل الطرف الذي صدر بحقه القرار التحكيمي.
إذاً فعندما يتم تنفيذ القرار التحكيمي بصورة طوعية ومباشرة، فإن هذا يثبت فعالية وجدوى اللجوء إلى التحكيم، لذلك فإن الطرف المستفيد من التنفيذ سيعمل على حل نزاعاته المستقبلية بالطريقة ذاتها، وذلك بسبب حصوله على حقه بدون حاجة تدخل السلطة العامة التي قد تستغرق وقتاً وجهداً، مما يؤدي إلى ضياع ميزة اللجوء إلى التحكيم، والتي تتمثل بحل النزاع بصورة سريعة وسرية.
وعلى الرغم من أن هذه الإجراءات لها فوائد عدة إلا أنها وفي الوقت ذاته قد تكون غير منصفة لاسيما عندما يكون عدم التنفيذ مبني على أساس صحيح، وإن الطرف لم يمتنع عن تنفيذ القرار إلا عندما وجده غير عادل أو باطلاً في بعض الاحيان، إلا أنه يُرد على سلبيات هذه الإجراءات المتخذة من قبل المؤسسة التحكيمية أنها ما وُضعت إلا لتحفز الطرف الذي صدر القرار التحكيمي بحقه على تنفيذ القرار التحكيمي بصورة طوعية وبدون أي تأخير أو تسويف يضر بالطرف الذي صدر القرار التحكيمي لصالحه.
أما بالنسبة للفائدة الملموسة لشخص المحكم في اكتسابه سمعة وشهرة نتيجة التنفيذ الطوعي للقرار التحكيمي، حيث أن التنفيذ بصورة طوعية ما هو إلا دليل على صواب ونزاهة القرار.
لكن يقع علينا التمييز بين حالة التحكيم الحر والتحكيم المؤسسي بالنسبة للإجراءات الممكن إتخاذها لتحفيز الأطراف على تنفيذ القرار التحكيمي بصورة طوعية، ففي الحالة الأولى تكون سلطة ونفوذ المحكم محدودة بالنسبة للإجراءات الممكن اتخاذها إذا ما قورنت بسلطة ونفوذ المؤسسة التحكيمية، ففي الوقت الذي تملك المؤسسة نفوذاً تستطيع من خلاله عمل مجموعة من الإجراءات بحق الطرف الذي يرفض التنفيذ، فإن سلطة المحكم محدودة جداً فهو عادة لا يملك المقدار ذاته من الشهرة والنفوذ ليستطيع من خلالها نشر اسم الشخص الذي يرفض تنفيذ القرار .
إلا أن الوضع يختلف في حالة التحكيم المؤسسي فالمؤسسة هنا هي التي ستتولى عمل كل الإجراءات لتحفز الأطراف على التنفيذ وبالمقابل ستحصل هي على الشهرة والسمعة، لكن هذا لا يمنع المحكم في الوقت ذاته من حصوله على مقدار كبير من الاحترام والتقدير من داخل وخارج المؤسسة، إذ أن المؤسسة التحكيمية لا تنهض إلا باسماء محكمها.
وأخيراً تبقى مسألة التجارة الدولية ،وإنتشارها، فلا يخفى إن أغلب دول العالم تعتمد بالدرجة الأساس على التجارة والاستثمار كمصدر أساسي لتقدمها وازدهارها، لذلك تقدم الدول تسهيلات تؤدي إلى ذلك، ويعد التحكيم من أهم وأبرز العوامل التي تجذب المستثمر وكذلك التاجر إلى دولة معينة للقيام بأعماله ونشاطاته التجارية لكونه مطمئن البال على أمواله ومصيرها في حال قيام نزاع مع طرف أجنبي أو في بلد أجنبي يجهل قانونه، فهو قد حصن نفسه منذ البدء بالاتفاق على قانون معين يسري على موضوع النزاع وآخر على الإجراءات، إضافة إلى غيرها من التفصيلات التي تساعده وتجنبه الوقوع في مشاحنات وصراعات مع قوانين يجهلها، كل هذا لا يمكن الحصول عليه إلا بالتحكيم.
أما المسألة الأخيرة التي لابد من ذكرها ونحن في معرض الحديث عن آثار القرار التحكيمي وهي ما يقع على أطراف النزاع من التزام بعدم عرض النزاع ثانية على القضاء أو التحكيم، حيث يكتسب القرار التحكيمي حجية الأمر المقضي به منذ صدوره ولا حاجة إلى صدور الأمر بتنفيذه ، إذ أن حجية القرار التحكيمي تكون في حدود موضوع النزاع الذي تضمنه القرار المذكور، إذ يكون لهذا القرار تلك الحجية المذكورة وإن كان بالأمكان الطعن فيه بأي من طرق الطعن القانونية، ولا يجوز الخلط بين إكتساب القرار لهذه الحجية . مع مسألة إكتسابه القوة التنفيذية، إذ أن الأخيرة تكون بموجب قرار صادر من السلطة العامة المختصة بذلك.
أما الإلتزام الآخر الذي يقع على كاهل أطراف النزاع والذي بالوقت ذاته يعتبر حقاً للمحكم، فهو إستحقاقه لأجره المتفق عليه في عقد التحكيم، والذي سنتوسع فيه عند دراسة التزامات المحكم، والتي بالوقت ذاته تُعد حقوق أطراف النزاع.
آثار القرار التحكيمي بالنسبة للمحكم
يُعد المحكم الطرف الثاني في عقد التحكيم، لذلك فمن البديهي أن تنصرف آثار القرار الذي أصدره إليه أيضاً، إذ بصدور القرار المنهي للخصومة تتنهي ولايته على النزاع الذي كان معروضاً عليه، هذا ما أشارت إليه المادة (1475) من قانون المرافعات الفرنسي، وكذلك المادة (48) من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 .
إن إنتهاء الولاية تعني عدم إمكانية الرجوع مرة ثانية للنظر في النزاع أو إعادة النظر في قرار المحكم أو هيئة التحكيم، إلا أن ذلك لا يمنع المحكم من القيام بتصحيح الأخطاء المادية، أو القيام بالتفسير، أو إكمال النقص الذي يعتري القرار، هذا ما أشارت له جملة من القوانين والإتفاقيات الدولية، ويُعد التزام المحكم بهذه الامور التزاماً قانونياً متى تم النص عليه بصورة صريحة أو ضمنية من قبل المشرع ، ويكون التزاماً عقدياً متى ما تمت الإشارة إليه في عقد التحكيم.
إذاً يملك أطراف عقد التحكيم حق إقامة الدعوى على أساس المسؤولية التقصيرية إذا ما أخل المحكم بواجبه بالتصحيح، أو التفسير، أو إكمال النقص في الحالة الأولى أي عندما يتم النص على هذا الالتزام في القانون، وإقامة الدعوى على أساس المسؤولية العقدية في الحالة الثانية وذلك عندما تتم الاشارة إلى هذا الالتزام في عقد التحكيم).
وتوجد كذلك آثار أخرى للقرار التحكيمي، من أهمها إستحقاق المحكم الأجره المتفق عليه، أو المقدر من قبله أو من قبل المحكمة أو المؤسسة التحكيمية التي يعمل بها المحكم.
وكذلك يملك الأطراف حق مطالبة المحكم بالتعويض عن الأضرار التي قد يتعرضون لها جراء إخلال المحكم بمسؤوليته، كأن يسرف المحكم بالنفقات، أو يتأخر بإصدار القرار، أو أي تصرف يُعد مخالفاً للقانون أو الإتفاق، وللتوسع بحقوق والتزامات المحكم سنخصص فرعاً لكل منهما.