بيد أن هذه القوة التنفيذية باعتبارها قوة احتياطية، فهي لا تنشط إلا إذا امتنع الملتزم في حكم التحكيم عن تنفيذه اختیاراً وطواعية خلال المدة المحددة لهذا التنفيذ الاختياري.
- الصيغة التنفيذية:
القاعدة أن القوة التنفيذية لحكم التحكيم شكل قانوني واحد، هو الصيف التنفيذية، وبالتالي فإن:
١- الصيغة التنفيذية هي الشكل القانوني القوة التنفيذية لحكم التحكيم، سواء كان هذا الحكم حكم تحكيم اختياري أو حكم تحكيم إجباري، مما يعني أن هذا الشكل القانوني لا يتنوع بتنوع حكم التحكيم، إلى حكم تحكيم اختياري وحكم تحكيم إجباري.
وقد حدد قانون المرافعات الصيغة التنفيذية، وذلك بقوله في المادة ۳/۲۸۰
مرافعات: «صيغة التنفيذ التالية: على الجهة التي يناط بها التنفيذ أن تبادر إليه متى طلب منها، وعلى السلطات المختصة أن تعين على إجراءه ولو باستعمال القوة متى طلب إليها وذلك»..
ومسلم أن الصيغة التنفيذية هي عبارات التشريع ذاته، مما له للقوة التنفيذية لحكم التحكيم شكل تشريعي، لا شكل قضائي ولا شكل اتفاقي، ولا شكل إداري. كما يعني أن مضمون الصيغة التنفيذية هو واجب قانوني بالتنفيذ، بل ويعني أن كل سند تحكيمي يحتاج إلى واجب قانوني كشكل لقوته التنفيذية، لا كواجب وظيفي يقع على عاتق المحضرين.
۲- وحكم التحكيم بهذا لا يختلف عن الأمر القضائي أو العمل التوثيقي المحرر الموثق)، من حيث شكل القوة التنفيذية. فالقاعدة أن للأمر القضائي وللعمل التوثيقي شكل قانوني واحد لقوته التنفيذية، هو الصيغة التنفيذية.
٣- لكن حكم التحكيم بهذا يختلف عن الحكم القضائي، من حيث شكل القوة التنفيذية. إذ للقوة التنفيذية للحكم القضائي شكلان قانونیان، لا شكل واحد. أحدهما هو الشكل التشريعي والأصلي، أي الصيغة التنفيذية. والآخر هو الشكل القضائي والاستثنائي، أي الأمر بتنفيذ الحكم القضائي بموجب مسودته.
وهذا الأمر بالتنفيذ، وإن كان من الأوامر التنفيذية المتعلق مباشرة بالسندات التنفيذية، لكنه ليس جزءا من السند الإجرائي، إنما هو جزء من قوته التنفيذية، وبالتالي فإن هذا الأمر بالتنفيذ يغني عن الصيغة التنفيذية فهي رفع مسودة الحكم القضائي إلى مصاف السندات التنفيذية، رغم أن هذه المسودة ليست صورة من صور الحكم القضائي.
وليس جزءاً من قوته التنفيذية، وبالتالي فالمسلم أن هذا الأمر لا يغني عن وضع الصيغة التنفيذية. أما وظيفة الأمر، فهي رفع حكم التحكيم إلى مصاف السندات الإجرائية، وذلك من حيث العمومية.
- وضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم:
القاعدة أن وضع الصيغة التنفيذية على السند الإجرائي، هو واجب وظيفي، وبالتالي فإنه لا يحتاج إلى أمر قضائي به. ومن ثم فليس الأمر بتنفيذ حكم التحكيم أمرأ بوضع الصيغة التنفيذية على هذا الحكم.
فبناء على طلب ممن تعود عليه منفعة من تنفيذ هذا الحكم، بإعطائه صورة تنفيذية من حكم التحكيم ومن أمر التنفيذ، يقوم قلم كتاب المحكمة الذي أودع لديه أصل وصورة حكم التحكيم الاختياري، بوضع الصيغة التنفيذية على صورة حكم التحكيم مزيلة بالأمر بالتنفيذ وتوقيعها وختمها بخاتم المحكمة. أما بالنسبة لحكم التحكيم الإجباري في منازعات القطاع العام، فيقوم بذلك العمل مكتب التحكيم بوزارة العدل. إذ نصت المادة ۲/69 من قانون المؤسسات العامة، على أن يسلم مكتب التحكيم إلى من صدر الحكم لصالحه صورة من هذا الحكم مزيلة بالصيغة التنفيذية.
وهذا من الناحية الوصفية. أما من الناحية التأصيلية فإن هذا العمل هو إصدار للسند التحكيمي التنفيذي. إذ قبل هذا العمل لم يكن هناك سوى سند تحكيمي بلا قوة تنفيذية. وليس يعني ذلك أن هذا الإصدار هو مصدر القوة التنفيذية. إذ رأينا من قبل أن المصدر المباشر للقوة التنفيذية هو القانون. لكن القاعدة أنه لا قوة تنفيذية بلا شكلها القانوني، والشكل الأصلي للقوة التنفيذية هو الصيغة التنفيذية، وفرق بين الصيغة التنفيذية وبين وضع هذه الصيغة على السند التحكيمي، فوضع الصيغة التنفيذية على حكم التحكيم هو إصدار للسند التحكيمي التنفيذي.
ونعتقد أنه إذا امتنع قلم الكتاب عن إعطاء الصورة التنفيذية الأولى الحكم التحكيم، جاز لطالبها أن يقدم عريضة بشكواه إلى رئيس المحكمة المشار إليها في المادة وتحكيم، ليصدر أمره فيها طبقا للإجراءات المقررة في باب الأوامر على عرائض. وإذا كانت القاعدة أنه لا يجوز تسليح صورة تغذية ثانية لذات الخصم إلا في حالة ضياع الصورة الأولى (م۱۸۳ مرافعات)، فان المحكمة المشار إليها في المادة و تحكيم تختص بالحكم في و عات المتعلقة بتسليم الصورة التنفيذية الثانية عند ضياع الأولى.
- وحدة مضمون القوة التنفيذية:
مضمون القوة التنفيذية الحكم التحكيم لا يختلف عنه بالنسبة للسندات التنفيذية الأخرى، سواء كانت سندات قضائية أو تحكيمية (م 41 تحكيم) أو توثيقية. ومبنى ذلك أن مصدر القوة التنفيذية لهذه السندات، واحد، وهو القانون مباشرة، وبالتالي فإن مضمون سند القوة التنفيذية لا يتنوع بتنوع السندات الإجرائية، إنما هو مضمون واحد. ومن ثم فإن الحكم القضائي وإن كان أقوى هذه السندات من حيث قوته الملزمة، لكنه ليس أقواها من حيث قوته التنفيذية.
- ازدواج مضمون القوة التنفيذية:
يثور خلاف حول طبيعة هذا المضمون. وأساس الخلاف هو عدم اتفاق الفقه حول عناصر هذا المضمون.
ووفقا لاتجاه آخر، فإن مضمون القوة التنفيذية للسند التنفيذي كما يشمل الحق في التنفيذ، يشمل أيضاً سلطة عامة، ولو أنه يشمل الحق في التنفيذ، لا باعتباره حقاً بالمعنى الفني، إنما باعتباره مجرد حكمه لصاحبه. إذ الحق في التنفيذ «ليس حقا بالمعنى الفني للكلمة.
والفكرة الأساسية الجديرة بالتأييد في هذا الاتجاه الأخير، هي أن القوة التنفيذية ذات مضمون مزدوج، لا مفرد إذ الواقع أن هذه القوة ليست سوى قوة تنفيذية، إنما هي قوة تنفيذية جبرية، وبالتالي فلا هي قوة تنفيذ xecution فقط، ولا هي قوة إجبار contrante فقط إنما هي قوة تنفيذ وقوة إجبار معاً.
كما يخضع لمبادئه الخاصة. فهذا الحق يباشر بالتنفيذ باعتباره عملاً إجرائية، ولو أن القاعدة أن كل تنفيذ يكون بواسطة المحضرين بناء على طلب الخصم - أو وكيله - الذي يقوم بتوجيه الإجراءات وتقديم أوراقها للمحضرين لتنفيذها، وكل هذا ما لم ينص القانون على غير ذلك (م6 مرافعات). ومن ثم فصاحبه مسئول عن الخطأ في توجيه الإجراءات
- حق الإجبار في التنفيذ:
. وهذا الحق العام يتولاه القضاء، وذلك على أساس أنه إجبار في تنفيذ سندات إجرائية، أي سندات قانون المرافعات باعتباره قانون القضاء.
إنما لأن القضاء ليس سلطة إجبار أصلا، فإنه يباشر حقه هذا من خلال المحضرين - أصلا - باعتبارهم أعوان القضاء. مما يعني أنهم يباشرون هذا الحق تحت إشراف القضاء، كما يعني أن عملهم هذا من صميم وظائفهم التي لا يسألون إلا عن خطئهم في القيام بها (م 6 مرافعات). ومن ثم يجرى التنفيذ بواسطة المحضرين وهم ملزمون بإجرائه بناء على طلب ذي الشأن متى سلمهم السند التنفيذي (م ۱/۲۷۹ مرافعات). فإذا وقعت مقاومة أو تعد المحضر وجب عليه أن يتخذ جميع الوسائل التحفظية وأن يطلب معونة ال العامة والسلطة المحلية (م ۳/۲۷۹ مرافعات).
فالمحضر، وإن كان عون القضاء في الإجبار في التنفيذ، لكنه ليس رجل إجبار مادي أصلا، حتى على أشياء أو شخص المدين. لذا لا يجوز للمحضر كسر الأبواب أو فض الأقفال بالقوة لتوقيع الحجز إلا بحضور أحد مأموري الضبط القضائي ويجب أن يوقع هذا المأمور على محضر الحجز وإلا كان باطلا. ولا يجوز للمحضر أن يجرى تفتيش المدين لتوقيع الحجز على ما في جيبه إلا بإذن سابق من قاضي التنفيذ (م ۳۵۶ مرافعات). ومن ثم يكفي لوجود الإجبار في التنفيذ، وبالتالي لاعتبار هذا التنفيذ جبرية، بل ولاعتباره تنفيذا جبرية مباشرة direct لا غير مباشر، قيام المحضر عند إعلانه السند التنفيذي أو عند قيامه بالتنفيذ بقبض الدين عند عرضه عليه (م ۲۸۲ مرافعات)، ولو أن محل السند ومحل التنفيذ هو مبلغ نقدي.
وحق الإجبار في التنفيذ، إذ هو بطبيعته حق عام لا حق خاص، فهو من ثم يستعصي على أن يكون حقا خاصا لطرفي السند أو لأيهما وبالأخص صاحب السند، وبالتالي فإنه: 1- يبطل الاتفاق بين الطرفين على جعل هذا الحق العام حقا خاصا لصاحب السند، سواء كان هذا الاتفاق ضمنيا في شرط التملك عند عدم الوفاء، أو صريحا في شرط الطريق الممهد، أي شرط ال بلا إجراءات. ۲- ولا يلزم (م ۲۸۲ مرافعات)، بل كذلك لا يجوز أن بوك صاحب السند المحضر في التنفيذ بطريق الإجبار، حتى لو كان محل ال ومحل التنفيذ هو مبلغ نقدي.
- تحديد هذا الشرط:
الأصل في تنفيذ السند التنفيذي هو تنفيذه اختيارا وطواعية، لا تنفيذه جبرة، مما يعني أن قوته التنفيذية الجبرية هي بطبيعتها قوة احتياطية، كما يعني أن هذه القوة لا تنشط إلا إذا امتنع الملتزم في السند عن تنفيذه اختياره وطواعية، أي أن هذا الامتناع هو شرط إعمال القوة التنفيذية.
- ضرورة الشرط:
لأن شرط امتناع الملتزم في السند التنفيذي عن تنفيذه اختياراً، هو شرط ضروري لإعمال القوة التنفيذية للسند.
ومبنى ذلك أنه إذا مضى ميعاد التنفيذ الاختياري للسند دون حصوله، اعتبر الملتزم في هذا السند ممتنعا عن تنفيذ اختيارا، وتحقق بالتالي شرط إعمال القوة التنفيذية. أما قبل مضي هذا الميعاد فلا امتناع هناك عن التنفيذ الاختيار للسند، وبالتالي فلم يتحقق شرط إعمال القوة التنفيذية.
٢- ومسلم أنه إذا لم يتطابق المطلوب في السند التنفيذي والمطلوب في التكليف بالتنفيذ الاختياري لهذا السند، فإن العبرة عند التنفيذ الجبري (أي عند إعمال القوة التنفيذية ليست بما هو مطلوب في السند التنفيذي ولو أن هذا المطلوب معلن مع إعلان السند، إنما العبرة بأقل المطلوبين، حتى لو كان أقلهما هو المطلوب بموجب التكليف بالتنفيذ الاختياري.
بل يلزم ويكفي لإعمال القوة التنفيذية بالنسبة لهذا الفارق بين المطلوبين، مجرد إعلان التكليف الجديد على استقلال، ولا يلزم إعلان السند التنفيذي.
٣- والقانون يبطل التنفيذ الجبري (أي لا يجيز إعمال القوة التنفيذية) أمر الذي لا يسبقه إعلان السند التنفيذي والتكليف بالتنفيذ الاختياري (م 1/281 و2 مرافعات).
- مدى تعلق هذا الشرط بالنظام العام:
يبدو من قضاء محكمة النقض أنها لا تعتبر هذا الشرط متعلقة بالقوة التنفيذية ومتعلقة بالتالي بالنظام العام، إنما تعتبره متعلقا بالمصلحة الخاصة للمعلن إليه وبالتالي غير متعلق بالنظام العام. إذ قضت بان «إعلان الحكم والسند الواجب التنفيذ للمدين والتنبيه عليه بالوفاء وإن كان من الإجراءات التي رتب القانون على إغفالها البطلان إلا أن هذا البطلان لا يتعلق بالنظام العام، إذ هو قد شرع لمصلحة المدين وحده ......».
وكما ليس هذان الإعلانين مقرران لمصلحة القاضي المعلن إليه، فإن إعلان السند التنفيذي والتكليف بتنفيذه اختيارا ليس مقررا لمحض مصلحة المدين المعلن إليه.
وكما يترتب على إغفال هذين الإعلانين، عدم ثبوت امتناع القاضي عن الفصل في الدعوى أو العريضة، وبالتالي عدم جواز مخاصمته، فإنه يترتب على إغفال إعلان السند التنفيذي والتكليف بتنفيذه اختياراً، عدم ثبوت امتناع المدين عن تنفيذ السند طواعية واختياراً، وبالتالي عدم جواز إعمال القوز التنفيذية لهذا السند. فإذا جرى تنفيذ السند جبرا، رغم إغفال إعلانه وإعلان التكليف بتنفيذه اختياره، فإن هذا التنفيذ باطل (م ۱/۲۸۱ و۲ مرافعات)، بطلانه متعلقة بنظام القوة التنفيذية، لا متعلقة بمصلحة الملتزم في هذا السند.
وكما لا يجوز إثبات واقعة امتناع القاضي عن الفصل في الدعوى أو العريضة بأية وسيلة أخرى غير تلك التي حددتها المادة ۲/494 من قانون المرافعات، فإنه لا يجوز إثبات واقعة امتناع الملتزم في السند عن تنفيذه اختيارا بأية وسيلة أخرى غير تلك التي حددتها المادة ۲۸۱ من قانون المرافعات. مما يعني أنه لا يجوز إثبات هذا الامتناع الأخير إلا بطريق الإعلان القضائي للسند وللتكليف بتنفيذه اختياره وانقضاء مدة هذه التنفيذ الاختياري دون حصوله.
ومؤدى ذلك أنه لا يغني عن هذه الوسيلة، مجرد إعلان السند التحكيمي التنفيذي والتكليف بتنفيذه اختيارا، بطريق الإعلان التحكيمي المنصوص عليه في المادة 7 تحكيم، خاصة أن المادة ۳۱۷ تحكيم قد نصت على أنه «لا تسري أحكام هذه المادة على الإعلانات القضائية أمام المحاكم». مما يعني أن أحكام هذه المادة لا تسري إلا على الإعلانات التحكيمية أمام المحكم، كما يعني أن أحكام هذه المادة لا تسري على الإعلانات القضائية أمام المحاكم حتى لو كانت تنظر مسائل التحكيم، بل كذلك يعني من باب أولى أن أحكام هذه المادة لا تسري على الإعلانات القضائية التنفيذية حتى تلك المتعلقة بأحكام التحكيم باعتبارها سندات تنفيذية.
بهذا يشترط لإعمال القوة التنفيذية لحكم التحكيم، سواء كان حكم تحكيم اختياري أو حكم تحكيم إجباري، أن يثبت بالطريقة المحددة في المادة ۲۸۱ من قانون المرافعات، امتناع الملتزم في هذا الحكم عن تنفيذه طواعية، وإلا فلا يجوز تنفيذه جبرة. وإذا جرى تنفيذه جبرا رغم إغفال تلك الطريقة، كان تنفيذه باطلا، بطلانا متعلقا بنظام القوة التنفيذية.