من الآثار الهامة التي تترتب على اتفاق التحكيم في حالة قيامه صحيح وقانوني، التزام أطراف التحكيم بعرض النزاع موضوع الاتفاق على هيئة التحكيم المكلفة بالفصل في النزاع، فاتفاق التحكيم أيا كانت صورته، سواء أبرم قبل النزاع في صورة شرط تحكيم أو بعد قيام النزاع في صورة مشارطة تحكيم، يسمح الأطرافه عند قيام النزاع بالالتجاء مباشرة إلى تشكيل هيئة تحكيم فيستطيع الطرف الأكثر استعجالا في حالة وقوع النزاع أن يبدأ مباشرة في اتخاذ إجراءات التحكيم وعرض الأمر على المحكم).
وبداية هذه الإجراءات تكمن في تشكيل هيئة التحكيم، حيث أن مسأله تشكيل هيئة تحكيم وهي مسألة دقيقة يترتب عليها نجاح التحكيم أو فشله، فالتوصل إلى المحكم الموضوعي والمحايد هو هدف كل طرف يلجأ إلى التحكيم). لذلك قسمنا هذا المبحث إلى مطلبين على النحو التالي، المطلب الأول الآثار المتعلقة بإجراءات المنازعة، والمطلب الثاني الآثار المتعلقة بأطراف المنازعة.
الآثار الإيجابية المتعلقة بإجراءات المنازعة التحكيم في مجال العقود بصفة عامة، وفي مجال العقود الإدارية بصفة خاصة، له الكثير من المزايا أو الآثار الإيجابية المتعلقة بإجراءات خصومة أو منازعة التحكيم المعروضة على الهيئة المشكلة بإرادة طرفي الخصومة، فالتحكيم يعطي للمحكم حرية أكبر في ظل نظام التقاضي وذلك بتحديد القانون الواجب التطبيق على الخصومة ، كما أن التحكيم يحرر الأطراف والمحكم من القيود المفروضة على القاضي العادي، وكذلك لكون المحكم متفرغا وذا دراية فنية فإن ذلك يعطي الأطراف الثقة والإطمئنان فيما يصدر عنه من أحكام (۴). وأيضا للتحكيم أثر إيجابي في توفير الوقت وذلك بالفصل في الدعوى في أقل وقت ممكن، وهذا بعكس الحال إذا ما عرض النزاع على القضاء العادي حيث تستمر الدعوى أمامه عدة سنين. وفي هذا المطلب سنقوم بتفصيل بعض الآثار الإيجابية التي تترتب على اللجوء إلى التحكيم والمتعلقة بخصومة التحكيم وذلك على النحو التالي
أولا : حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع يعتبر مسألة إجرائية يتم حسمها بالرجوع إلى القواعد الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم والتي تفيد أنه في حالة عدم اتفاق الأطراف على القانون الحاكم الموضوع النزاع، فإن هيئة التحكيم تطبق القانون الأكثر ارتباطا بموضوع النزاع وفق قواعد تنازع القوانين التي تراها مناسبة .
ومن التوجهات الحديثة في مجال التحكيم، موضوع إعطاء حرية للأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق سواء على موضوع النزاع أو على الإجراءات ، ولأطراف النزاع في العقود الإدارية الحق في تحديد القانون الذي يحكم موضوع النزاع ما دام ذلك لا يصطدم بالقواعد الآمره في النظم القانونية ذات الشأن .
حيث أن تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع يعتبر مسألة إجرائية يتم حسمها بالرجوع إلى القواعد الواجبة التطبيق على إجراءات التحكيم.
ويتضح لنا ما سبق أن التحكيم في العقود الإدارية بصفة عامة يخول طرفي العقد إمكانية اختيار القانون المطبق على عقدهم، تلك الحرية التي لا تتاح لهم أمام القضاء العادي، في حين يخضع الأطراف أمام القضاء العادي لقانون القاضي، أو لقانون الدولة التي ينتميان لها بجنسيتهما، فالتحكيم في العقود بصفة عامة، وفي العقود الإدارية بصفة خاصة، يخول طرفي العقد إمكانية اختيار القانون، مما يرجع على الطرفين بالاطمئنان عندما يطبق على النزاع القانون الذي يريان أنه الأصلح لحكم عقدهما"). ويرى الباحث أنه يمكن الاستفادة من هذه الميزة في مجال العقود الإدارية حيث يمكن للدولة المتعاقدة اشتراط تطبيق قانونها الوطني على النزاع المتوقع قيامه أو القائم فعلا بينها وبين المتعاقدة معها، وبذلك تضمن تلك الدولة المميزات التي يوفرها لها قانونها الوطني وتحافظ كذلك على مميزات العقد الإداري. وبناء على ما سبق فإن نظام التحكيم يمنح المحكم الحرية في اختيار القانون الذي يراه أصلح من وجهة نظره لتطبيقه على الخصومة المطروحة عليه، بعكس ما إذا رفعت دعوى أمام القضاء الوطني، فالقاضي الوطني مقيدا دائما بتطبيق قانون دولته، أو بتطبيق القانون الواجب التطبيق حسبما تشير قواعد الإسناد الواردة في القانون الدولي الخاص للدولة التابع لها).
ثانيا: توفير الوقت وتفرغ المحكم لنظر النزاع :
إن أهم وأخطر عيب ينسب إلى طريقة الالتجاء إلى القضاء هو إضاعة الجهد والوقت والمال، فمن المعروف أن اللجوء للقضاء يحتاج جهدا كبيرا ويكلف نفقات كثيرة من رسوم قضائية وأتعاب محاماة وغيرها، ويستغرق وقتا طويلا وهذه العيوب لا توجد غالبا في حالة اللجوء إلى التحكيم أو لا توجد على الأقل بنفس الدرجه الموجودة في طريقة اللجوء للقضاء). وبلاشك يعتبر التحكيم وسيلة سريعة لحل النزاعات أسرع من إجراءات التقاضي أمام المحاكم، لذا يعتبر التحكيم الملاذ الأفضل الأطراف النزاع حيث يكون باستطاعة الأطراف التحكم في مسار إجراءات التحكيم، كما يمكن للأطراف تحديد الجدول الزمني الذي يجب أن يستغرقه التحكيم وصولا إلى القرار النهائي الملزم، وعند عرض النزاع على القضاء العادي فإن الحكم في الدعوى قد يستغرق سنين عديدة، وذلك نظرا للإجراءات المتبعة أمام جهات القضاء، والذي أوجب القانون على أطراف الدعوى أن يلتزموا بها وإلا تعرضت الدعوى لعدم القبول.
ولما كانت العقود الإدارية التي تبرمها الدولة مع المستثمرين الأجانب جزءا من عقود التجارة الدولية فإنها تتأثر بالقيود المفروضة على نظام التقاضي أمام المحاكم الوطنية والتي منها مراعاة أشكال وإجراءات معينة لرفع الدعوى ونظرها، تلك القيود التي تضيع الوقت والجهد على كل من طرفي الدعوى.
وهذا ما أكده المشرع الفلسطيني في قانون التحكيم حيث نص على أنه «ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك يجب أن يصدر التحكيم خلال اثني عشر شهرا من تاريخ بدء الإجراءات التحكيم)، وقد اتفق بذلك مع المشرع المصري حين أجاز لهيئة التحكيم مد الميعاد لمدة ستة شهور. وقد على القضاء الفلسطيني جواز اللجوء إلى التحكيم دون القضاء كسبب من عدة أسباب سرعة البت في النزاع حيث نص الحكم على أن التحكيم هو استثناء يتم اللجوء إليه دون القضاء العادي من أجل سرعة البت في النزاع». ومما سبق يتضح لنا مدى المميزات التي يتمتع بها التحكيم مقارنة بالقضاء العادي، حيث تؤدي هذه المميزات بالنفع على العقود التجارية بصفة عامة على المستوى الدولي والمحلي والتي من بينها العقود الإدارية.
الآثار المتعلقة بأطراف المنازعة:
يعتبر البعض التحكيم بديلا لنظام التقاضي أمام المحاكم ، فاتفاق طرفي الخصومة على اتخاذ التحكيم كوسيلة لفض نزاع معين إنما يعني في حقيقته سلبا لاختصاص القضاء الوطني للدولة، الذي كان يجب عرض النزاع عليه للفصل فيه لولم يوجد اتفاق التحكيم، وهو أمر يترتب عليه بالضرورة إنهاء الخصومة بمجرد صدور قرار من هيئة التحكيم، فهذا القرار يعتبر منهيا للخصومة محل النزاع، إلا أن هذا السلب يعتبر في مصلحة القضاء، والذي يتفرغ بعد نزع اختصاصه بنظر الدعوى الذي عهد بها أطرافها إلى هيئة تحكيم لنظر قضايا أخرى ذات أهمية كبيرة.
وبناء عليه يتضح أن التحكيم يعتبر طريقة استشائية من أصل عام وهو اللجوء إلى القضاء الذي نظمته الدولة ووضعت القواعد الخاصة به، ولكن ذلك لا يعني إهدار كل قيمة للتحكيم، فالتحكيم بالرغم من ذلك لعب دورا بارزا في تخفيف العبء عن كاهل القضاء)، حيث جذب التحكيم إليه العديد من الدعاوی التي كانت سترفع أمام القضاء وتكتظ بها المحاكم وينوء بها القضاة، وتمثل عبئا عليهم من كثرتها، هذه الكثرة التي نتج عنها بطء التقاضي وعدم فاعلية الأحكام، واللتان أصبحتا ظاهرتين خطيرتين تهددان العدالة، بل لا نغالي في القول إذا قلنا أنهما تجردان حق التقاضي الذي نظمته الدولة وكفله الدستور من كل قيمة له.
وبناء على ما تقدم يمكننا القول أن المحاكم أمام هذا الكم الهائل من القضايا المطروحة أمامها حين تحجز الدعوى للحكم لا تنطق بهذا الحكم في الجلسة المحددة للنطق به، وتؤجل أصداره الحكم مرة تلو الأخرى فلا يصدر في بعض الاحيان قبل عدة شهور، وقد يصل الأمر لطرح الدعوى أمام القضاء لعدة سنين، لكل هذا لا يخفي على كل ذي لب مدى ما ينطوي عليه ذلك من مشقة على المتقاضين وكذلك مشقة على القضاة أنفسهم الذين يواجهون بهذا الكم الهائل من القضاء سواء على مستوى محاكم القضاء العادي أم على مستوى محاكم القضاء الإداري . فعلى ضوء ما قدمنا نجد أن التحكيم لعب دور البديل والمخفف العبء القضاء، فاتفاق أطراف الخصومة على اللجوء إلى التحكيم يكشف عن رغبتهم في حسم ما قد يثور بينهم من خلافات، وينزع إلى حد كبير وصف الخصومة ويقضي إلى عدم نظر الدعوى أمام القضاء الإداري مما يقلل من عدد القضايا المطروحة على ساحات القضاء، وهذا يعطي الفرصة للقاضي لنظر عدد محدود من القضايا، مما يؤدي إلى حسن أدائه لوظيفته القضائية.