يعني الانعدام انهيار ركن جوهري أو أكثر من أركان العمل الإجرائي لا يستقيم بدونه. أما البطلان فهو وصف يلحق بعمل إجرائي نتيجة عدم توافر شروط صحته، مما يؤدي إلى عدم ترتب النتائج التي يخلعها القانون على العمل الصحيح.
ويترتب على التفرقة بين الانعدام والبطلان النتائج الأتية:
1- إذا لحق الانعدام الحكم فإنه يكون مفتقرا لحجية الأمر المقضي، بينما يتمتع بها الحكم حتى ولو باطلا.
2- الحكم المنعدم غير قابل للتصحيح، سواء بتحقق الغاية أم بالتكملة، وهذا بخلاف البطلان حتى ولو كان متعلقا بالنظام العام.
٣- الحكم المنعدم يجوز التمسك بانعدامه عن طريق دعوى أصيلة بانعدامه أو عن طريق الدفع بانعدامه في أي دعوى أخرى يحتج فيها بالحكم، كما يجوز التمسك بانعدامه عن طريق المنازعة في تنفيذه. وهذا كله لا يرتبط مدة زمنية معينة. أما سبب التمسك بالبطلان فهو الطعن في الحكم حيث إنه الدعاوى بطلان ضد الأحكام (ويستثنى دعوى الإشكال في التنفيذ).
4- انعدام الحكم يعني انتفاء طبيعته القضائية، ولا تكون في هذه الحالة إزاء عمل قضائي. إذ تضع فكرة الانعدام حداً سلبياً على نظرية العمل القضائي، خلافاً للبطلان فإننا نظل في نطاق فكرة السلم القضائي. ونتيجة لذلك فإن الحكم المنعدم ليس إلا مجرد واقعة قانونية بحتة.
ہ- تحتاج دعوى بطلان الحكم إلى قالب قانوني تصاغ فيه، بينما دعوى الانعدام لا تحتاج لذلك القالب، نظراً لأنها تعد من قبيل القواعد العامة مثلها في ذلك مثل مبدأ الغش يفسد كل شيء، ومبدأ أن الغلط الشائع يولد الحق .... إلخ.
ووفقاً للرأي الذي يؤيد تطبيق فكرة الانعدام كلية على حكم التحكيم، يمكن القول بأن حكم التحكيم يكون منعدماً إذا لم يوقع من المحكمة أو كان مزوراً، أو فصل في مسألة غير مخول سلطة الفصل فيها أو تجاوز حدود ما اتفق عليه الأطراف، إذ لا يقوم على طلب قدم إلى هيئة التحكيم، أو إذا لم يوجد اتفاق تحكيم من الناحية القانونية)، أو انتفاء ولاية البيئة التي أصدرته، أو انتفاء أهلية الاختصام في أحد أطراف خصومة التحكيم على الأقل، سواء كان شخصاً اعتبارياً أم طبيعياً.
ولعل فيما أعتقد أنه لا يجوز الأخذ بكل الأسباب المعدة للحكم القضائي بالنسبة لحكم التحكيم وذلك للأسباب الآتية:
1- إذا كانت فكرة الانعدام صالحة للأخذ بها بالنسبة لأحكام القضاء العادي ، فليس معنى ذلك تطبيقها بحذافيرها بالنسبة لأحكام التحكيم.
۲- تشافي دعوى الانعدام من حيث عدم تقيدها بميعاد معين مع الفلسفة القائم عليها نظام التحكيم، خاصة على صعيد التجارة الدولية. وهذا بخلاف دعوى البطلان.
۳- تستوعب دعوى البطلان الكثير من الأسباب التي يمكن الإستاد إليها للرجوع على الحكم بالانعدام بدليل نص المشرع في المادة 53 من قانون التحكيم على بعضها ، مثل تجاوز حدود اتفاق التحكيم ، أو الفصل في مسالة لم تتجه إرادة الأطراف لتخويل المحكم سلطة الفصل فيها ، أو عدم وجود اتفاق التحكيم من الناحية القانونية، أو الحكم الصادر من عدد زوجي من المحكمين .... إلخ .
ونتيجة لذلك فالسبب الوحيد الذي يمكن الرجوع عليه بدعوى الانعدام هو إذا تم تقديم أوراق أو مستندات مزورة أو تم اختلاف وقائع لا أساس لها من الصحة بلى عليها حكم التحكيم. حيث من الممكن أن يفاجأ أحد الأشخاص بحكم تحكيم مزور لا سبيل للرجوع عليه بدعوى البطلان والمقيدة بميعاد معين)، خاصة مع عدم تبني قانون التحكيم المصري التماس إعادة النظر كطريق طعن غير عادي على حكم التحكيم كما سبق أن نوهنا.
وبعبارة أخرى تمثل دعوى انعدام الحكم هنا خط الدفاع الأول والوحيد لمجابهة تزوير الحكم. أما الأسباب الأخرى فيمكن النعي بها على دعوى البطلان، حيث يكون من السهل الرجوع عليها بهذا الطريق، فتكون بذلك دعوى البطلان هي السبيل الوحيد للرجوع بها على حكم التحكيم.
على أنه يجب القبول دعوى الانعدام إلا يكون رافع الدعوى قد علم أو كان من السهل عليه أن يعلم بتزوير الأوراق، أو المستندات، أو بالواقعة المختلفة، خلال المدة المحددة قانونا لرفع دعوى البطلان، كما سنوضح لاحقاً. وهذا القول نابع من الفلسفة التي يقوم عليها نظام التحكيم، والتي لا محل لها في القضاء العادي.