التحكيم عقد قوامه الرضا ويعتبر تطبيقاً لمبدأ سلطان الإرادة فهو ولاية مبنية على الرضا ومستمدة من أحاد الناس على خلاف منصب القضاء فهو له الغلبة والقصر والسلطات لأمن الأفراد، فلا يملك الأفراد مهما بلغ عددهم الإجتماع على تعيين قاض تكون له سلطة القاضي المولى من قبل السلطات).
فعقد التحكيم هو الذي يحدد سلطات الحكم بالنسبة إلى نظر الموضوع، أو الأشخاص الذين بالزمهم حكم المحكم، أو المكان الذي يقع فيه التحكيم فسلطة الحكم تستمد من إرادة الخصوم المحكمين، فإذا قيد الأفراد المحتكمون الحكم بنظر نزاع معين ليس له أن يفصل في غيره، ولو كان مرتبطاً به بمعنى أن الحكم مقيد بالخصوص الذي حكمه الخصوم فيه فلا يتعداها وإلا كان تصرفاً من غير صاحب إختصاص شأن الوكيل إذا تصرف خارج نظام ولايته.
ولا خلاف أن الحكم إذا كان مأذونا بالإستخلاف فإستخلف غيره في نظر النزاع صح وإذا قضى المستخلف صح حكمه ولزم المحتكمين ما لم يكون جوراً، كالقاضي المولى إذا كان مأذوناً له بالإستخلاف فإستخلف غيره أحكامه إلا أنه لا يستخلف غرماء الصبي صح، ونفذت جميع مصلحة الصغير حفاظاً على وأما إذا لم يكن مأذون له ومع ذلك فإستخلف وقضى الحكم المستخلف فهل يصح الحكم من الأمور التي يحتاج فيها إلى الرأي، والمحتكمون عندما يتفقون على حكم أو أكثر للنظر في خصوماتهم، إنما يرتضون رأي شخص معين، والرضى برأي شخص لا يكون رضا برأي غيره فإذا لم يكن الحكم مأذوناً له بالاستخلاف فليس له أن يستخلف، وإذا إستخلف وقضى معاذ المستخلف لا ينفذ حكمه لعدم الولاية وقد ذكرنا أن سعد بن الله عنه بعدما حكمه رسول الله " " ليحكم في بني قريظة نجده يستوثق من رضاهم قبل الحكم، وإلا لما كان في حاجة لمثل هذا الإستيثاق. ولكن المادة ١٨٤٥ من مجلة الأحكام العدلية، لم تجز إستخلاف الحكم غيره إلا إذا كان مأذوناً له بالإستخلاف كالقاضي المولى على أنه: إذا كان المحكمون مأذونين بالتحكيم فلهم تحكيم وإلا فلا" وجهة نظر في الفقه الحنفي.
إلزامية حكم الحكم: وهي تمثل الواقع أنه إذا صدر حكم مستوفياً لشروطه فإنه يعتبر ملزماً لأطراف تنفيذه وهذا مذهب جمهور الفقهاء) وذلك لأن الحكم بالنسبة إلى الخصوم بمنزلة القاضي، فكما أن حكم القاضي يكون ملزماً فكذلك تحكم الحكم ولأن القول بأن حكمه ليس ملزماً يؤدي إلى القول بعدم الفائدة من مشروعية التحكيم ويصبح التحكيم من سبل المماطلة في أداء الحقوق وإضاعة للوقت والجهد، ولأن الصلح بين الخصوم بعد تمامه وقبوله يكون ملزماً فكذلك التحكيم لأنه أعلى مرتبه منه.
وذهب بعض الفقهاء الشافعية إلى أن محكم الحكم لا يكون ملزماً إلا برضا الطرفين بعد صدوره، وبناءً عليه فإن لأي من الخصمين أن يتحلل من الحكم إذا لم يرض به.
ويبدو أن التحكيم وفق هذا الرأي بمنزلة التقوى ولا ريب في أن هذا القول يبدو رحباً لأن يجعل التحكيم وسيلة للمماطلة وتضييع الحقوق وعملاً بقول جمهور الفقهاء بالزامية الحكم ووجوب تنفيذه فإنه لا لأطراف
التحكيم طرح المسألة موضوع النزاع أمام أي محكمة بعد صدور الحكم، أن حكم الحكم لا ينقض بحال من الأحوال، وإنما يرد عليه ما يرد على حكم القاضي من النقض والتعديل إذا كان مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي لا مجال للإجتهاد فيها، فإذا كان الحكم فيما لا مجال للإجتهاد فيه وكان مخالفاً لنص من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس جلي أو كان قولاً من غير دليل فإنه ينقض ويعدل.
وإذا كان الحكم في موطن من مواطن الإجتهاد فإن حكمه لا ينقض لأن الإجتهاد لا ينقض بالإجتهاد.
أخلاقيات الحكم:
إذا كان من يمارس العمل القضائي العادي لابد وأن يكون متمتعاً بثقة ولي الأمر أو القائمين على إختيار أو تعيين من يتولون العمل في هذا المرفق، فإن المحكم لا بد وأن يكون متمتعاً بثقة الخصوم من حيث أهليته العامة ومن حيث قدراته الذاتية على ممارسة هذا العمل.
ووجوب توافر هذه الثقة عند الإختيار لا يعني عدم لزومها لاحقاً، بل إنها لابد وأن تكون قائمة حتى صدور الحكم وإنقضاء التحكيم في القضية، أنها - أي الثقة - شرط قيام وشرط إستمرار، والمحكم. في ذلك شأن القاضي الذي ينبغي أن تكون الثقة فيه قائمة عند وبعد تعيينه بل وطوال فترة بقائه في المرفق.
بمعنى وقبل ما ينوب عن ربع قرن من الزمان قامت بعض الجمعيات ذات الصلة بالتحكيم بمحاولات أولية لوضع قواعد موحدة للسلوك الذي يتعين أن يتبعه من يقوم بالمشاركة في التحكيم ثم تم تطوير وتحديث هذه القواعد حتى أصبحت هناك خطوط عريضة و قواعد عامة لسلوك المحكم تنبثق حتى فكرة الشفافية وفكرة القضاء، من منطلق أن المحكم يزاول عملاً أن ويتعين تتوافر فيه صفات يشترك فيها مع القاضي العادي كالإستقلال والجيدة والحرص والكتمان ومن أبرز الصفات الواجب توافرها في المحكم: 1- عدم السعي لدى أطراف الخصومة لتولي مهمة التحكيم: التحكيم كالقضاء يمثل نوعاً من أنواع الولاية والقاعدة هي : أن طالب الولاية لا يولى، كما أنه من المسلمات أن مسعى الشخص لتولي مهمة التحكيم في بالذات من شأنه إثارة الشبهات والشكوك في النفس بأن فائدة مرتقبة يأمل أن يجنبها أو مصلحة محتملة يسعى لتحقيقها على أن قيام المحكم بالمشاركة في المناسبات الإجتماعية والمؤثرات والندوات العلمية التوسيع دائرة علاقاته وإكتساب ثقة عملاء محتملين له لا يعد من قبيل السعي التولي مهمة التحكيم. ٢- التأكد من قدراته المهنية وكفاءته العلمية للإضطلاع بأعباء التحكيم قبل التقرير بقبوله على المحكم ألا يقبل مهمة التحكيم إلا بعد أنه محيط بالأبعاد المختلفة لموضوع النزاع المطروح إلى الحد نزاع معین التأكد من الذي يمنحه الثقة في قدرته على الخوض فيه وتحمل أعبائه.
كما يتعين عليه عدم قبول الإضطلاع بمهام التحكيم ما لم يكن واثقاً أنه سوف يمنحه الوقت الكافي لتولي أعماله والتفرغ له بالقدر المناسب الذي يخدم القضية ويحقق صالح العدالة.
أما إن كان متخماً بالقضايا أو أية أعمال أو إرتباطات أخرى، فيتعين عليه الإعتذار عن قبول التحكيم كي لا يكون سبباً في تأخير أمد البت في النزاع دونما مقتضى وتأخير مصالح العباد. ويندرج تحت بند الكفاءة العلمية، إجادة اللغة التي سيتم التحكيم بها إجادة تكفي لمعرفة طبيعة النزاع ومرافعات الخصوم ودفوعهم وصياغة الحكم والنطق به. فالتحكيم ليس مجرد إجراءات تتبع أو جلسات تعقد أو مذكرات يتم تبادلها أو مرافعات تسمع أو أحكام تصدر، وإنما هو . عملية "قضاء". بین خصوم بما تنطوي عليه هذه الكلمة من معنى دقيق ذي طابع تخصصي ومهني و معرفي. ويجدر التساؤل في هذا السياق عن حالة قيام محتكم معين كشركة كبرى لها عدة قضايا تحكيم بإختيار محكم بعينه في عدد من قضاياها وكمثال على ذلك ما درجت عليه الشركة الوطنية للتأمين التعاوني)، فهل لمثل هذا ثمة أثر على أهلية المحكم للتحكيم؟ مثل هذا الوضع ليس من شأنه التأثير على أهلية المحكم للتحكيم إلا إذا إستشعر المحكم بفقدان إستقلاله ولو جزئياً في مواجهة الطرف الذي دأب على إختياره.
الإفصاح عن أي أمر أو مسألة يكون من شأنها الحد من حياده أو التأثير عليه بمجرد عرض مهمة التحكيم على المحكم وجب عليه الإفصاح بصورة كاملة وواضحة عن أي موقف أو مسألة أو أمر من شأنه المساس بحياده أو التأثير عليه عند قبول التحكيم وأثناء القيام به وحتى الفراغ منه، مثل وجود أي علاقة عمل أو قرابة أو مصاهرة أو مصلحة وافرة أو فائدة. ونرى أن الإدرام بالإفصاح لا يقتصر على التقرير موجود علاقة قد الرابطة بأحد أطراف النزاع كأن يكون بينهما عداوة أو بعضاء أم ثأر أو كراهية
أو نحو ذلك قد يلقي بطلال من الربية على عياد المحكم والإلتزام بالإفصاح لا يقتصر على العلاقات أو على الأسباب التي وقعت للتحكيم وإنما يعتد ليشمل تلك التي تقع أثناء التحكيم سواة مع النزاع أو أحد الشهود المحتملين في القضية أو حتى مع المحكم
وسعي على المحكم تقديم الأسباب كتابة لطرفي النزاع والمحكمين الآخرين حتى يتسنى الطرفي الخصومة تقرير مدى أهميتها و تأثيرها سلباً أم عياد المحكم فيما أسند أو سيسند إليه.
عدم الإتصال بأي من الأطراف بمعزل عن الطرف الآخر أو من بمثله بالترم المحكم بالإمتناع عن الإتصال المباشر مع أي على حدة لتعارض ذلك مع مبدأ التوازن والشفافية، على أنه لا هذا الحفر قيام المحكم بالإجابة على الإستفسارات التي النزاع والخاصة بمدى إستعداده لقبول التحكيم،
ومدى تفرغه لعملية التحكيم، كل ذلك دونما موضوع النزاع بطبيعة الحال، ويجب إعلام الطرف أو الأطراف الأخرى أو الآخرين من أعضاء هيئة التحكيم مع تزويدهم بصورة من المراسلات أو إبلاغهم بمضمون الإتصالات بينهما متى وجدت أو وقع). كما يأخذ محكم ما تقدم من حيث الحظر، قيام المحكم بممارسة أي نوع من أنواع الضغوط على أي من أطراف الخصومة بهدف إلجاله إلى التنازل عن موقفه في جزئية معينة، أو إجباره على إتخاذ موقف معين، أو الإمتناع عن تبني موقف معين ونحو ذلك، على إعتبار طرفي الخصومة المحكمين موقف الخصوم من القاضي بما ينطوي عليه من رهبة أو خشبية إصدار الحكم في غير صالحه، أو السعي للإستمالة والاسترضاء أملاً في إصدار الحكم في صالحه. وإن كان هذا هو دأب الخصوم بالتلقائية، فلا المحكم وهو قاضي أن يدفعهم نحو أي من هذه المشاعر أو ينبغي المسالك ".
عدم جواز الإستفادة من المعلومات التي حصل عليها أثناء عملية التحكيم يطلع المحكم في معرض عمله في التحكيم على الكثير من المعلومات المتعلقة بطرفي النزاع أو سواهم ما كانت لتتوافر له لولا ما أسند إليه من عمل. ومن هنا نشأ عليه حظر مفاده عدم الإستفادة أو محاولة الإستفادة من من هذه المعلومات لتحقيق فائدة أو مغنم له أو لغيره، أو الممارسة أي أي شكل من أشكال الضغوط على أي من طرفي النزاع أو الشهود أو من لارتباط بالقضية.