ينتج القرار التحكيمي اثارا عديدة بالنسبة للمحكم او المحكمين وبالنسبة للاطراف المتنازعة ولكن قبل ان نتحدث عن هذه الاثار علينا تحديد الوقت الذي ينتج القرار التحكيمي اثاره فقد ثار الخلاف في هذا الصدد بسبب اجتهاد الـفـقـه ونصوص القوانين والقواعد التحكيمية. فمنها من يعتبر ان آثار القرار التحكيمي تبدأ بعد صدوره اي من تاريخ اصداره المذكور في القرار ومنها ما ينص على ان اثار القرار تبدأ منذ اكتساب القرار الدرجة القطعية ومنها ما يجعل تاريخ ايداع القرار لدى المحكمة المختصة هو التاريخ الذي ينتج فيه اثاره القانونية.
أما القانون البلجيكي فيرتب الاثار منذ تبليغ الطرفين بقرار التحكيم (المادة ۱۷۰۲) وكذلك الحال بالنسبة للقانون الفرنسي (المادة (١٤٧٦) لكن غالبية القوانين ومنها القوانين العربية لا تنص صراحة على الوقت الذي ينتج فيه القرار التحكيمي اثاره القانونية، وقياسا على الاحكام القضائية فإن القرار المذكور ينتج اثاره منذ صدوره بشكل صحيح.
وكما سبق ان ذكرنا ان بعض القوانين تنص على وجوب ايداع القرار الى المحكمة خلال مدة معينة من صدوره وقد تلزم تلك القوانين المحكمين او اطراف النزاع بالقيام بهذا الواجب وهذا الامر لا علاقة له بحجية القرار التحكيمي وانما هو إجراء يراد به ممارسة المحكمة مراقبتها على القرارات التحكيمية او اضفاء الصيغة التنفيذية على القرارات المذكورة او الطعن فيها . بعد هذه المقدمة نبحث الآن عن الاشخاص الذين تشملهم اثار القرار التحكيمي .
اثار القرار بالنسبة لطرفي النزاع
ان ارادة الطرفين هي الاساس في التحكيم اي ان رغبة الطرفين في ايجاد حل لنزاعهما خارج القضاء هي التي جعلتهما يتفقان على حسم النزاع بالتحكيم. وبعد صدور القرار التحكيمي يكون النزاع قد وجد له حلا في تنفيذ القرار المذكور. واثر القرار التحكيمي بين الخصوم هو كأثر الحكم القضائي، وعلى هذا الاساس فإن اول اثر للقرار هو التزام الطرفين بتنفيذه، ونجد احيانا ان هذا الالتزام يذكر بشكل صريح من قبل الطرفين في الاتفاق على التحكيم حيث يذكران بعد ابداء رغبتهما في حل النزاع بطريق التحكيم .
ان اساس التنفيذ الإرادي لقرار التحكيم يكمن اذن في اتفاق الطرفين على التحكيم وهذا ما عنته قواعد الغرفة التجارية الدولية في المادة (٢٤) منها التي اشارت الى ان الطرفين عندما اخضعا نزاعهما للتحكيم التزما بتنفيذ القرار الذي يصدر دون تأخير، وبالتنازل عن طرق الطعن التي يجوز لهما التنازل عنها.
وتعمل المؤسسات التحكيمية وبالأخص المنظمات المهنية التي تشرف على اجراء التحكيم بين الاعضاء المنتمين اليها او بين الاطراف التي تطلب منها تنظيم عملية التحكيم على دفع الطرفين او تشجيعهما على الاسراع بتنفيذ القرار طوعا من قبل الطرف الذي صدر القرار ضده. وتتبع في ذلك عدة اساليب، فقد نص نظام التحكيم لاتحاد الغرف التجارية العربية الأوروبية على أن تنفذ الاحكام الصادرة من قبل الاطراف بحسن نية، ويقدم المجلس مساعيه الحميدة لتسهيل عملية تنفيذ الاحكام الصادرة وفقا لهذا النظام».
ولان عدم تنفيذ القرارات التحكيمية سوف لا يشجع على اللجوء الى التحكيم ويضعف الثقة في جدوى هذه الوسيلة.
فقد ظهر أن بعض القرارات التي لم تنفذ لم تكن مبنية على وجود عقد صحيح او ان الاجراءات لم تكن سليمة، وعليه فإن التهديد بالعقوبات لا يمكن قبوله الا في . حالة عدم التنفيذ الذي لا يمكن تبريره اما اذا كان التحكيم تعتريه بعض العيوب التي تبرر عدم تنفيذ القرار او ابطاله ففي هذه الحالة لا يمكن اللجوء الى الاجراءات التهديدية التي تهدف الى تنفيذ القرار التحكيمي.
يضاف الى التزام الطرفين بتنفيذ قرار التحكيم ان كلاً من الطرفين يجب ان يمتنع من عرض النزاع ثانية على القضاء أو التحكيم حيث يكتسب القرار حجية الامر المقضي به L'autorite de chose jugee) منذ صدوره ولا حاجة الى صدور الامر بتنفيذه وان حجية القرار التحكيمي تكون في حدود موضوع النزاع الذي تضمنه القرار المذكور، وبالنسبة للاطراف المتنازعة فقط. وتكون للقرار التحكيمي الحجية المذكورة وان كان بالامكان الطعن فيه باحدى طرق الطعن القانونية.
واكتساب القرار لحجية الامر المقضي به بين الخصوم لا يعني اكتسابه القوة التنفيذية وذلك لان الصفة التنفيذية لقرارات التحكيم تكون بموجب قرار من سلطة عامة مختصة كما سنرى لاحقاً.
اثار القرار التحكيمي بالنسبة للمحكم
نصت الفقرة الاولى من المادة (١٤٧٥) من قانون المرافعات الفرنسي على ان القرار ينهي ولاية المحكم عن النزاع الذي تم حسمه وهذا يعني انتهاء مهمة المحكم التي كانت قد أوكلت اليه بموجب اتفاق التحكيم وعقد التحكيم الذي تم بينه وبين الاطراف المتنازعة.
وانتهاء الولاية تعني عدم امكانية الرجوع مرة ثانية للنظر في النزاع أو اعادة النظر في القرار الذي اتخذه المحكم أو هيئة التحكيم، الا ان النصوص القانونية التي اشارت الى انتهاء ولاية المحكم باصدار الحكم او القرار التحكيمي بالنسبة للموضوع الذي تم حسمه بالقرار، تنص على امكانية تصحيح الاخطاء المادية او اكمال النقص الذي قد يعتري القرار او ان يقوم المحكم بتفسير القرار الذي اتخذه.
ولا أدل على ذلك من ان المادة (١٤٧٥) ذاتها من القانون الفرنسي بعد ان نصت على انتهاء ولاية المحكم باصدار القرار استدركت في الفقرة الثانية منها واشارت الى انه رغم ذلك تبقى السلطة للمحكم في تفسير القرار وتصحيح الاخطاء او اكمال النقص بسبب اغفال اتخاذ القرار بشأن موضوع كان قد تم طلبه اثناء المرافعة.
وفي حالة عدم امكانية اجتماع هيئة التحكيم مجددا لاكمال النقص فإن هذه السلطة تكون للمحكمة المختصة. كذلك فقد نص القانون النموذجي للتحكيم في الفقرة الثالثة من المادة (۳۲) على ذلك بقولها تنتهي ولاية هيئة التحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم . مع مراعاة احكام المادة (۳۳) والفقرة (٤) من المادة (٣٤). والمادة (۳۳) من القانون المذكور تعالج مسألة كيفية اجراء تصحيح الاخطاء التي وقعت في القرار التحكيمي او كيفية تفسير القرار او تفسير جزء منه . اما الفقرة الرابعة من المادة (٣٤) فقد اجازت للمحكمة التي يطلب منها الغاء القرار ان توقف اجراء الالغاء واعطاء فرصة لهيئة التحكيم لاستئناف السير في التحكيم لكي تزيل الاسباب التي بنى عليها طلب الالغاء.
كما نجد نصا مماثلا في المعنى في قانون المرافعات المدنية العراقي حيث أجاز في المادة (٢٧٤) أن تعيد المحكمة القضية الى المحكمين لاصلاح ما شاب القرار من عيوب او اكمال مافيه من نقص.
وعندما تستوجب بعض القوانين ايداع القرار التحكيمي الى المحكمة خلال مدة معينة بعد صدوره نرى ان تصحيح القرار او اكمال النقص الوارد فيه لا يمكن ان يتم في حالة ايداعه من قبل المحكم الا اذا طلبت منه ذلك المحكمة التي أودع لديها القرار وهذا ما يفسر النصوص التي ذكرناها اعلاه من قيام المحكمة بالطلب من المحكم اكمال النقص او تصحيح الاخطاء او التفسير للقرار الذي اصدره. اما قبل ايداع القرار الى المحكمة ففي هذه الفترة يجوز ان يجري المحكم ما سبق ذكره بطلب من احد اطراف النزاع أو من تلقاء نفسه.
واخيرا نرى من المفيد ان نشير الى ان من اثار انتهاء ولاية المحكم بعد اصداره للقرار التحكيمي هو استحقاقه للاجور المتفق عليها او المقدرة من قبله او من قبل المحكمة. ويجب ان لا ننسى في هذا المجال المسؤولية التي قد يتعرض لها المحكم والناتجة عن اهماله او اسرافه في صرف النفقات وهذه المسؤولية التي تعطي لكل من الطرفين او لكليهما معا ان يطالبا المحكم بالتعويض عن الأضرار التي سببتها لهما تصرفاته غير المعتادة.