حكم التحكيم / أسباب الحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 4 / تعليق الدكتور نادر محمد إبراهيم على الحكـم رقـم 102 لسنة 123 ق المنشور في بـاب الـفـقـه في الصفحة رقم 21 من هذا العدد.
تتلخص وقائع هذه القضية – وفي حدود ما هو منتج في المبادئ القانونيـة التـي أرسـتها محكمة الطعن - في نشأة خلاف بين شركة مقاولة أعمال بناء (المقاول) وجمعية تعاونيـة للبنـاء والإسكان (رب العمل) بشأن تنفيذ عقد إنشاء قرية سياحية في الساحل الشمالي بجمهورية مصر العربية، حيث توقف رب العمل عن سداد مستحقات مالية لصالح المقاول، وبناء على شرط التحكيم المؤسسي في العقد، لجا المقاول إلى نظام التحكيم بالاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي، حيث صدر حكم قطعي لصالحه بإلزام الجمعية بسداد مبالغ مالية، ثم الطعن عليه بدعويين، صدر حكم القضاء برفضهما. ونتيجة عدم تنفيذ حكم التحكيم، رفع المقاول تحكيماً جديداً يطلب فيه فسخ المتبقي من المقاولة والتعويض، حيث صدر حكم تحكيم جديد يفسخ المقاولة وبرفض إدعاءات الجمعية وبإلزامها بمبالغ مالية وبرد خطاب الضمان النهائي وكذا خطابات الدفعة المقدمة، وهو الحكم محل الطعن الماثل في التعليق.
فقد استند رب العمل في طعنه على عدة أسباب أهمها: سابقة الفصل في الموضوع؛ وعـدم وجود اتفاق تحكيم؛ وبطلان في الإجراءات؛ وعدم اعتماد العقدا وفساد تقرير الخبير، وبصفة خاصة فإن بطلان الإجراءات يعود للأسباب التالية: عزل محكم رب العمل وتعيين بديلاً عنـه دون موافقة رب العمل، وعدم توقيع المحامين على المحاضر، وعدم تسلم رب العمـل لـصـور منها، وعدم وجود إعلانات رسمية.وتكتفي هذا بالتعليق على البطلان لعيب في الإجراءات، حيث إنه الشق الذي يتميز بالجـدة
والخصوصية في هذا الحكم.
ثانيا- النصوص القانونية
يخفف قانون التحكيم المصري في المواد المدنية والتجارية، والصادر بموجب القانون رقـم 27 لسنة 1994 ، من شأن الإطار الإجرائي للتحكيم، بالمقارنة بما هو عليـه القـضاء، متأثراً بمصدره التاريخي، ألا وهو القانون النموذجي للتحكيم، فهـو أولا يعلـي مـن إرادة الأطـراف فالإجراءات تحدد باتفاقهم ، وهيئة التحكيم تشكل بمعرفتهم ، ثم أنه ثانيا، يخفـف مـن العـب الإجرائي على الأطراف وهيئة التحكيم، سواء من حيث التخفف من شكل الإعلانات، فتجـوز بالبريد طالما لم تتعلق بإعلانات قضائية، أو بعدم النص على استلزام أمانة الـسر، والتحرير الدقيق لمحاضر الجلسات، حيث يكفي أن تدون خلاصة وقائع كل جلسة تعقدها هيئة التحكيم في محضر تسلم صورة منه إلى كل من الطرفين ما لم يتفقا على غير ذلك". إنها الأطر الإجرائية التي يترتب على مخالفتها توافر العيب الإجرائي، والذي يعـد أحـد أسباب الطعن على حكم التحكيم بالبطلان"، على أنه يجوز النزول عن ذلك ضمنا أثناء إجراءات
التحكيم".
ثالثاً- المشكلة القانونية
وحيث إنه قد ثبت عزل محكم رب العمل وتعيين بديلا عنه دون موافقة رب العمل، ووجود ملاحظات على أمانة السر وتحرير المحاضر والإعلانات؛ فإن محكمة الطعن كانت بحاجة لتحديد ما إذا كان هناك وجه للاعتراض (سبب بطلان)؟ وما إذا كان الحق في التمسك بذلك الاعتراض
يزال قائما؟
رابعاً - الإجابة عن التساؤلات القانونية
أما بشأن مشكلة تشكيل هيئة التحكيم، فإن محكمة الطعن لم تتناول مدى صحة قيام مؤسسة التحكيم بتعيين المحكم البديل، بل قفزت إلى حكم المادة الثامنة من قانون التحكيم والذي بعيد جواز النزول الضمني، على فرض قيام الحق في الاعتراض، فمن المعلـوم أن الاتحـاد التعاوني الإسكاني المركزي (مؤسسة التحكيم) قد قام بتعيين محكم عن رب العمل دون إرادته بعد عـزل المحكم الذي سماه لعدم حضوره جلسات التحكيم رغم إنه تقدم بشهادة طبية تفيد أن هناك عـذر ميري منعه من عدم الحضور، حيث استندت محكمة الطعن في رفضها لهذا السبب إلى أن الطاعنة لم تثر هذا الموضوع بعد مباشرة المحكم البديل – الذي عينه رئيس الاتحـاد - لمهمتـه". وأردفت بأن: "... عدم الاعتراض دلالة على الرضا وهو يزيل المخالفة التي شابت الإجـراء ويصححها، طالما كانت المخالفة أو كان العيب يرمي إلى مصلحة الخصم الذي سكت في حينـه عن أثارتها، وليس لهذا الأخير والحال هذه أن يعود أمام محكمة البطلان ويثير ما سبق أن نـزل عن حق الاعتراض عليه أمام هيئة التحكيم، فالساقط لا يعود ...".
أما بشأن أسباب البطلان المتعلقة بأمانة سر هيئة التحكيم، والمحاضر، والإعلانات، فـان محكمة الطعن رفضتها وفقاً لتفسير واسع، بل ويحمل الكثير من الجدة، للنصوص القانونية، حينما حكمت بان: "... التحكيم يتميز بذاتيته وبتطبيقاته المستقلة عن القضاء وصياغته الفنية المغايرة وكذلك قواعده الخاصة التي تفرضها العملية التحكيمية ومقاصدها الاتفاقية. فلا يشترط في التحكيم وجود سكرتير لتدوين محاضر الجلسات أو تدوين هذه الجلسات أصلاً، كما لا يوجد شكل معـين لإعلان الأطراف بالإجراءات، طالما لم يتفق على خلاف ذلك".
خامسا - التعليق
لا شك في أن الحكم محل الطعن جدير بالاهتمام، بل وبالإشادة، في شأن إبرازه الطبيعـة الخاصة للتحكيم وعدم المساواة بينه وبين القضاء، وإعلان مبدأ سلطان الإرادة، والتفرقة بين قضاء الطعن بالبطلان وقضاء الاستئناف. ومع ذلك فإننا نأخذ عليه عدم إرسائه لمبدأ في شـان مشكلة تعطيل بعض أعضاء هيئات التحكيم للفصل في الدعوى، عن حق أو باطل، ومدى صحة الإجراه الذي كان ينبغي أن يتخذ في شأن ذلك. فاستناد محكمة الطعن إلى المادة 8، جعلنا أمـام تشكك من موقف مؤسسة التحكيم عندما تدخلت باستبدال المحكم، فالمادة 8 تفترض وجود سبب للاعتراض، ثم تقرر مدى سقوط الحق في التمسك بهذا السبب، وكنا تفضل لو أنها حسمت صحة
تدخل مؤسسة التحكيم دون إثارة المادة 8، أي الوصول لذات الهدف ولكن بتأصيل مختلف.
وعلى العكس من السابق، فإننا كنا نتمنى على محكمة الطعن لو إنها قد أثارت المادة 8 في شأن عيب المحاضر، فصحيح أن القانون معززاً بالفقه لا يستلزم أمانة السر في هيئـة التحكيم، على الأقل عندما يكون خاضعا لأحكام القانون المصري وغياب الاتفاق ، كذلك تساهل هـذا القانون في شأن الإعلانات، إلا أن النص قد تطلب حدا أدنى من المحاضر، وهو تدوين الملخص للجلسة، فمع صراحة النص يصعب علينا أن نتفق مع عموم ما أرسته محكمة الطعن من أنه في التحكيم لا يشترط تدوين محاضر الجلسات أصلا. فقد كان من الممكن للمحكمة الوصول لـذات الهدف، ولكن بتأصيل مختلف. وعلى كل حال، اجتهدت محكمة الطعن وأصابت فـي أغلـب