تسبيب حكم التحكيم أمر لازم ولا يجوز الاتفاق على مخالفته على الأقل في نظام التحكيم الداخلي، وإن كان المشرع قد سار خلف عولمة التشريعات في هذا المجال حتى يسير في الركب ولا يتخلف عن هذا الاتجاه؛ لأنه نظام عالمي. أما التحكيم الداخلي فلابد أن يلتزم المحكم الداخلي بتسبيب أحكامه لعدة أسباب نذكر منها التالي:
أولا: أن الفقه المعاصر قد اتفق على أن التحكيم ذو طبيعة قضائية وبالتالي فأحكامه أحكاماً قضائية تصدر بدرجة واحدة من درجات التقاضي، وذلك لأن دعوى البطلان ليست درجة من درجات التقاضي، وأن إتاحة الفرصة لأطراف النزاع على الاتفاق على عدم التسبيب تفتح أبواب الشر المستطير على الأحكام القضائية. وأن احترام حق الدفاع هو الضمانة الأساسية الوحيدة التي يستطيع أن يتزرع بها الخصم لدرء الخطر الداهم الواقع عليه من هيئة التحكيم ولا يمكن مراقبة هذا الخطر إلا من خلال تسبيب الحكم.
ثانيا: أن هيئة التحكيم لا يتطلب فيها توافر شروط المعرفة القضائية ومن ثم فإن أعضائها ليسوا بخبراء في أعمال القضاء، ولذا فمن الممكن أن يتم التحايل - في الواقع العملي - من خلال أحد أطراف النزاع ولا يستطيع الخصم من خلاله ببات هذا التحايل بنود التسبيب وهو أمر وارد في مجال العمل، بل هو ركن الخطر في نظام التحكيم الداخلي برمته. وهذا على عكس التحكيم الدولي لأن غالبية المحكمين فيه يكونون من علماء القانون أو من الأساتذة المتخصصين في مجال المنازعة التحكيمية ذاتها بالإضافة إلى أننا مضطرون في نظام التحكيم الدولي أن تشارك المنظومة العالمية کي ننخرط في المجتمع الدولي، ولا نقف متفرجين على ما يدور في العالم ونكون خارج المنظومة العالمية، وإن كان من المفروض ألا يتم هذا على حساب الضمانات الجوهرية في التقاضي.
ثالثا: أن العلة من التسبيب هي مراقبة عمل المحكم، ولذا فتسبيب نظام التحكيم لا يتطلب فيه إلا ما يحقق هذه الغاية ولا يتطلب أن يكون نفس التسبيب المطلوب من قاضي الدولة، وإنما يكفي أن يكون التسبيب مقنعة وملائمة. وغير متناقض وأن يكون بالقدر الكافي للمراقبة وهي مراقبة وجود وليس مراقبة صحة في حالة التحكيم بالصلح.
وبالنسبة للتحكيم الدولي فلقد أتيحت الفرصة للقضاء الفرنسي. في العديد من القضايا للتأكيد على أن عدم تسبيب الحكم لا يتعارض مع النظام العام الدولي الفرنسي، وذلك بعد استشارة القانون الواجب التطبيق، فإن كان لا يشترط التسبيب فإن القاضي الفرنسي لا يعتد بعدم التسبيب. كما أنه لا يشكل انتهاكا لحقوق الدفاع وعندما يتطلب القانون الواجب التطبيق تسبيب الحكم فإن القاضي الفرنسي يكتفي تتحقق من العلاقة المنطقية بين الحكم والأسباب.
وفي الختام يمكننا القول بذات المقاييس التي تقاس بان صحة أحكام المحكمين من حيث اسبابها لا بها أحكام المحاكم. وانما تخضع لعدة معايير منها.
ويجب بيان أسباب الحكم حتى ولو كان التحكيم مع التفويض بالصلح. إذ لم يستثن القانون هذا التحكيم من ضرورة التسبيب. إلا أن المادة ۲/43 تحكيم قد استثنت تسبيب الحكم في حالتين هما: أ- إذا اتفق الأطراف صراحة على صدورالحكم دون اسباب.
ب- إذا كان القانون الواجب التطبيق على اجراءات التحكيم لا يشترط ذكر اسباب الحكم، وفي غير هاتين الحالتين إذا لم يسبب الحكم فإنه يكون باطلا. وإذا كان القانون الواجب التطبيق لا يلزم المحكم بتسبيب حكمه فان عدم اشتمال الحكم على الأسباب لا يخالف النظام العام الداخلي او الدولي، مادام سكوت الحكم عن ذكر أسبابه لا يخفي انتهاكاً لحقوق الدفاع أو تطبيقاً لقاعدة قانونية موضوعية مخالفة للنظام العام. وليس لهيئة التحكيم إذا لم تتوافر أي من هاتين الحالتين أن تقرر عدم تسبيب حكمها. ذلك أن المادة ۲۰ التي تخول لهيئة التحكيم.