ولكن تغير الحال في إنكلترا فسابقاً لم يكن هنالك الزاماً يتعلق بمسألة التسبيب، أما في الأعوام الماضية فبدأت محاكم الدرجات العليا بتسبيب قراراتها، وخاصة بعد أن صدر قانون التحكيم الأنكليزي 1996 والذي نص على وجوب تسبيب القرار التحكيمي إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك، هذا ما نصت عليه فقرة (4) من المادة (52) من قانون التحكيم الإنكليزي، وكذلك يحق للمحكمة أن تطلب بعد صدور القرار من المحكم أن يبين الأسباب التي استند إليها في قراره، كما توجد جملة من الدول نهجت النهج السابق ذاته وهي كل من الولايات المتحدة الأمريكية والنمسا والدول الإسكندنافية، أما الدول التي أخذت موقفاً معاكساً . فهي معظم الدول العربية، كما هو الحال في قانون المرافعات العراقي رقم (83) لسنة 1969 وذلك في المادة (270) ، ومصر في المادة (507) في قانون المرافعات، وكذلك المادة (43) من قانون التحكيم رقم (27) لسنة 1994، وأيضاً في لبنان في المادة (5/790) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني، وكذلك تنص المادة (1471) من القانون الفرنسي، على أن القرار التحكيمي يجب أن يكون مسبباً.
ففي حالة وجود نص في عقد التحكيم على وجوب تسبيب القرار التحكيمي يكون المحكم ملزماً هنا بالتسبيب ، ولا بد من الإشارة إلى أن قوانين الدول التي تنص صراحة على وجوب تسبيب القرار التحكيمي تعتبر القرار الخالي من التسبيب باطلاً، وذلك لأنها تعد هذه المسألة من النظام العام .
أما قواعد التحكيم الدولية والاتفاقيات فمجملها تنص على وجوب تسبيب القرار التحكيمي، فقواعد الأونسترال للتحكيم (بصيغتها المنقحة لعام 2010) وفي الفقرة (3) من المادة (34) نصت على هيئة التحكيم أن تُبيّن الأسباب التي استند إليها القرار، ما لم يكن الأطرافُ قد اتَّفقوا على عدم بيان الأسباب).
وكذلك اتفاقية واشنطن لعام (1965) الخاصة بتسوية المنازعات الناشئة عن الاستثمارات بين الدول ومواطني الدول الأخرى ، حيث أشارت إلى وجوب تسبيب القرار التحكيمي وذلك في الفقرة (3) من المادة (48) منها إذ نصت على: (يجب أن يكون قرار التحكيم مسبباً).
وكان هذا موقف الاتفاقية الأوروبية للتحكيم التجاري الدولي لعام (1961) أيضاً، إذ نصت في المادة (8) على يفترض أن الطرفين قد إتفقا على تسبيب القرار إلا إذا:
1- كان الطرفان قد أعلنا صراحة عدم تسبيب القرار أو
2- إذا كان الطرفان قد أخضعا أنفسهما لإجراءات تحكيمية لا يصار بموجبها إلى تسبيب قرار التحكيم وفي هذه الحالة يجب أن لا يكون الطرفان أو أحدهما قد طلب صراحةً تسبيب القرار وذلك قبل انتهاء المرافعة أو قبل كتابة القرار في حالة عدم إجراء المرافعة).
واتخذت الاتفاقيات العربية موقفاً مشابهاً إذ نصت على وجوب تسبيب القرار التحكيمي وهذا ما نلاحظه في اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة والمواطنين العرب وملحقها لسنة 1976 ، ، ففي الفقرة (د) من المادة (20) نصت على: (يجب أن يتناول الحكم المسائل المطروحة كافة على المحكمة وأن يكون مسبباً).
وكذلك الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري عام (1987) التزمت بالمبدأ نفسه إذ نصت في الفقرة (1) من المادة (32) على (يجب أن يكون قرار التحكيم مسبباً …).
إذاً فإن أغلب الاتفاقيات تنص على وجوب تسبيب القرار التحكيمي، وهذا خلاف ما نلمسه في القوانين الداخلية، إذ هناك من لا يطالب المحكم بتسبيب القرار التحكيمي، ولكن من المفضل تسبيب القرار التحكيمي، مع الحفاظ على مبدأ سلطان الإرادة للأطراف باختيارهم التسبيب من عدمه في قوانين الدول التي لا تلزم المحكم بتسبيب القرار.