في قضية قديمة نسبياً، وهى قضية Fratelli Damiano snc v. August .Tropfer&Co ، رفضت محكمة النقض الإيطالية تنفيذ حكم تحكيم إنجليزى لخلوه من الأسباب، تأسيساً على أن إتفاق التحكيم المشار إليه في المادة الخامسة (۱)(د) من إتفاقية نيويورك، يندمج مع نصوص الإتفاقية الأوروبية للتحكيم التجارى الدولى لعام ١٩٦١، نظراً لإنتماء كلا الطرفين إلى دولتين منضمتين (أى إيطاليا وألمانيا) للإتفاقية الأخيرة، والتي تنص المادة الثامنة منها على وجوب تسبيب حكم التحكيم، مالم يكن أحد الأطراف قد طلب صراحةً قبل نهاية جلسة التحكـــيـم عــــدم ضرورة التسبيب، أو كان القانون الذى جرت فى ظله إجراءات التحكيم لا يستلزم التسبيب.
وعلى خلاف ذلك، قضت محكمة النقض المصرية بأن "خلو حكم التحكيم مـــن الأسباب لا يتصل بالنظام العام، إذ أجازت المادة (٤٣) من القانون رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ في شأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية الإتفاق على إعفاء هيئة التحكيم من تسبيب الحكم الصادر منها ، ولذلك رفضت المحكمة الطعن.
وفي ذات السياق، ذهبت بعض أحكام القضاء الفرنسي إلى أن مُجرد إختلاف حكم التحكيم مع القانون الإجرائي الوطني للتحكيم لا يؤدى إلى رفض تنفيذ الحكم، ذلك أن عدم تسبيب الحكم . وإن كان يُخالف من حيث المبدأ قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، إلا أنه لايُخالف النظام العام الدولى الفرنسي، طالما أن الحكم يتفق مع نصوص القانون الأجنبى الواجب التطبيق، وهو القانون الإنجليزي.
(۲) عدم كفاية التسبيب
في قضية .Green v. Ameritech Corp ، أيدت الدائرة السادسة بمحكمة الإستئناف الأمريكية تنفيذ حكم التحكيم، على الرغم من الإدعاء بعدم إستيفائه الشروط المنصوص عليها في إتفاق التحكيم، ووفقا لأقوال المدعين .. فقد جاء حكم التحكيم خلوا من "تفسير واف“ Full“ " Explanation لكافة طلبات المدعى على النحو المتطلب في إتفاق التحكيم، وقد ردت المحكمة على ذلك قائلةً: أن المحكم قام في حقيقة الأمر - بشرح النتائج التي توصل إليها في الحكم حيث قضى بأن المدعي لم يقم بواجبه في الإثبات، مقررةً أنه: "إذا رغب أطراف إتفاق التحكيم في رأي تحكيمي أكثر تفصيلاً، ينبغي عليهم أن يُحددوا في الإتفاق درجة الدقة المطلوبة، وبالإضافة الي ذلك، فإن إستخدام شروط قانونية مألوفة من شأنه أن يكفل للمحاكم التي تتولى المراجعة توافر معيار لديها لتسترشد به في مُهمتها.
ومفاد ما تقدم، أنه ينبغى علي الأطراف فى إتفاق التحكيم تحديد رغبتهم بمزيد من الوضوح والحسم في المراجعة القضائية الشكلية للوقائع والقانون، حيث أن المصطلحات المستخدمة في الإتفاق تتطلب من المحكم تدوين وشرح كيفية سريان القانون علي وقائع النزاع .
(۳) عدم بيان الدفاع الذي أغفل حكم التحكيم الرد عليه ودلالة المستندات المراد الإستدلال بها وأثر ذلك على قضائه:
في إحدى القضايا، رفضت محكمة النقض المصرية النعى المثار من الشركة الطاعنة "المحتكم ضدها بمخالفة التحكيم الأجنبى للنظام العام فى مصر لصدور الحكم بناء على إجراءات غير صحيحة يترتب عليها إنتهاك حق الدفاع إخلالاً بمبدأ المساواة بين الطرفين لإقامة التحكيم علـــى الغش، بزعم أن حكم التحكيم قد أقام دعائمه على مُستند مُزور أو مُزيف دون التحقـق مــن سلامته مما يعد مانعاً من موانع تنفيذه طبقاً لإتفاقية نيويورك، وأن محكمة الإستئناف قد إلتفتت عن هذا الدفاع رغم إقامة الدليل عليه، وقد استندت المحكمة فى قضاءها بالرفض على تجهيل النعـــى بكافة وجوهه .
(٤) سلطة هيئة التحكيم فى فهم واقع الدعوى، وما طرح فيها من أدلة، وفي تقدير أقوال الشهود:
في قرار شهير، صدر فى قضية .1925National Oil Corp. v. Libyan Sun Oil Co، رفضت المحكمة المحلية لولاية Delaware الأمريكية، الإدعاء بأن هيئة التحكيم قـد عولت في حكمها على شهادة كاذبة ومُضللة لأحد أهم الشهود بما يُشكل إنتهاكاً لحقوق الطرف الخاسر في وجود مُحاكمة عادلة، وقد أكدت المحكمة على أن إعطاء شهادة كاذبة عن عمد في إجراءات التحكيم قد يُشكل ،إحتيالاً، إلا أنه ينبغى لكي يكون هذا الإحتيال أساساً لإبطال حكم التحكيم، ألا يكون هذا الإحتيال قابلاً للإكتشاف من خلال بذل العناية الواجبة قبل التحكيم، وفي هـذه القضية، كان من الملاحظ أن مثول الشاهد أمام هيئة التحكيم، لم يكن مفاجئاً بالنسبة للطـــرف الشاكي، بل حصل الأخير على فُرصة كبيرة لإستجوابه، والأهم من ذلك كله أنه كان قــــد قــــدم إعتراضاته للمحكمين قبيل صدور الحكم .
كما رفضت محكمة هامبورج الإبتدائية - وبحق – في إحدى القضايا " ، الإدعاء المبدى من أحد الأطراف بالإخلال بالمحاكمة العادلة تأسيساً على خلو حكم التحكيم من بعض أقوال الشهود، حيث قررت المحكمة أنه عندما يبدو من تسبيب هذا الحكم أن هيئة التحكيم قد فحصت بعناية المسألة المتنازع عليها، والتى كانت جوهر شهادة الشهود، ومن ثم، فلم تعد هناك حاجـــة لذكر هذه الشهادات صراحة.
(۵) خلو حكم التحكيم من الإشارة إلي الطلب الإحتياطى
قررت محكمة إستئناف Reims في قضية 1928Denis Coakley Ltd. (UK) .. Ste (Michel Reverdy (France، أنه لا يُخل بالمحاكمة العادلة ألا يُشير حكم التحكيم صراحةً إلي الطلب الإحتياطي المقدم من المحتكم ضده باعتباره أحد البدائل، وعلى الرغم من أن المحكمة قد لاحظت أن القانون الإنجليزي هو الواجب التطبيق علي موضوع النزاع ، إلا أنها إرتأت مـــع ذلك أن هيئة التحكيم في تحكيم جافتا (GAFTA لا تلتزم باعطاء أسباب لحكم التحكيم، وخلصت إلى أن الهيئة لم تخالف مبادئ المحاكمة العادلة عندما لم تسند حكمها علي مستندات لم تقدم إليها، والتي لم يقم المحتكم ضده بابلاغ المحتكم بها، ومن ثم، قضت المحكمة بالغاء القـــرار الصادر من رئيس محكمة Troyes الإبتدائية، ووافقت علي تنفيذ حكم التحكيم.
(٦) نطاق مراجعة المخالفة الإجرائية:
قررت محكمة النقض الفرنسية في قضية .Inter-Arab Investment Guarantee Co Banque Arabe et International d'Investissements . ، أن الأساس المتعلق بمخالفــــة المحاكمة العادلة يهدف في واقع الأمر إلي نقد المعالجة القانونية لأسباب الحكم، وهو مالايمكن قبوله، وعلى نحو مشابه إرتأت محكمة استئناف Stuttgart في حكم لها صادر بتاريخ ٦ ديسمبر۲۰۰۱ ، أنها لم تستنتج من حكم المحكم أو من الأسباب الواردة فيه إنحيازه، وأن دفوع المحتكم ضده تتعلق فقط بالأسباب الموضوعية للحكم الذي أصدره المحكم.
وعلى الجانب الآخر ، رأت Queen's Bench الإنجليزية فى قضية Mimetals .Germany GmbH ... Ferco Steel Ltd أنه حيث أنه يحق للمحكمة من الناحية الإجرائية أن تُجرى فحصها للوقائع، فإن أثر تطبيق المادة الخامسة سيكون إبطال تنفيذ حكـــم التحكيم بناء على النتائج الواقعية المستمدة من هذا الفحص، إذا كان المنفذ لم تتح له أي فرصـــة معقولة لعرض قضيته في ضوء نتائج هذا الفحص.
قررت محكمة إستئناف ولاية كولومبيا الأمريكية في قضية Compagnie des .Bauxites de Guinee v. Hammermills Inc ، أن معيار المراجعة الذي يتعين تطبيقه على المخالفات الإجرائية المدعى بها هو ما إذا كانت هذه المخالفة قد تسببت في ضرر جوهري للطرف الشاكي“ ، وبالتطبيق على هذه القضية، قررت المحكمة أن هذا المعيار لا يسرى في هذه الحالة لعدم ثبوت وقوع مُخالفة لإجراءات غُرفة التجارة الدولية في التحكيم .