إن الغاية من تسبيب الأحكام بصفة عامة - هو توفير الرقابة على عمل القاضي والتحقق من حسن استيعابه لوقائع النزاع و دفاع طرفيه والوقوف على أسباب قضاء المحكمة فيه، وليس لمجرد استكمال شكل الحكم باعتباره ورقة من أوراق المرافعات وذلك حتى يقتنع المطلع على الحكم بعدالته. ومن هنا كان تسبيب أحكام المحكمين ضرورة يقتضيها إعمال رقابة قضاء الدولة على الأحكام صيانة لحقوق الدفاع حتى لا ينقلب التحكيم إلى وسيلة تحكمية arbitraire في يد المحكم. ولذلك فقد حرصت غالبية تشريعات التحكيم الحديثة على اشتراط تسبيب حكم التحكيم، ومن هذه التشريعات من فرض شرط التسبيب دون اعتبار لإرادة الطرفين وقرر جزاء البطلان على تخلف الشرط المذكور مثال ذلك قانون المرافعات الفرنسي الجديد بالنسبة للتحكيم الداخلى (المادتان ٢/١٤٧١، ١٤٨٠) وقانون المرافعات الهولندي المادتان) ٠٥٧ ٤/١٠، ١/١٦٥)، وقانون المرافعات الإيطالي (المادتان (۳/۸۲۳، ۵/۸۲۹ ، وقانون القضاء البلجيكي (المادة ٢/١٧٠٤-١) وقانون التحكيم الدولى التركي (المادة ٢/١٤).
وهناك تشريعات أخرى أوجبت كذلك تسبيب حكم التحكيم ولكن بشرط عدم إتفاق الطرفين على صدور الحكم دون ذكر أسباب، ومن ذلك مثلاً قانون حكيم الانجليزى لسنة ۱۹۹٦ (المادة (٤/٥٢، وقانون التحكيم المصرى (المادة ٢/٤٣) والقانون الأردنى المادة ٤١ / (ب) وقانون المرافعات اللبناني (المادة ٥/٨٠٠) القانون النمساوى المادة (٢/٦٠٦ قانون المرافعات الفرنسي الجديد بشأنا لتحكيم الدولى، إلا إذا اتفق الطرفان على تطبيق القانون الفرنسي على الإجراءات ولم يتفقوا على الاعفاء من التسبيب أو اختراوا قانوناً للإجراءات اختاروا يوجب تسبيب الحكم، وتقنين الدولي الخاص الفيدرالى السيوسرى (المادة . ۲/۱۸۹)
ومن ناحيتها حرصت لوائح التحكيم الخاصة ببعض مراكزا لتحكيم الدولية المعروفة على النص على اشتراط تسبيب حكم التحكيم على وجه أو آخر كما هـو الحال في المادة (٢٥) من لائحة تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) والمادة ١/٤٧ من لائحة مركز تسوية منازعات الاستثمار (ICSID)، في حين أوجبت لوائح أخرى تسبيب الأحكام ما لم يتفق الطرفان على صدور الحكم دون ذكر أسباب.
وإذا كانت قوانين التحكيم - بصفة عامة - لم تحدد شكلاً معيناً ينبغي أن تفرغ فيه أسباب الحكم، إلا أنه يمكن القول أن التسبيب يجب أن يكون جديا يحقق الغاية منه، فلا يعتبر من هذا القبيل التسبيب المجمل المجهل والغامض الذى يصلح لكل طلب ، وكذلك إذا كانت الأسباب المذكورة فى الحكم لا تكفى لعرفة السبب الذي أفضى إلى المنطوق ratio decidendi ومثل هذا النوع من التسبيب يتكافاً مع خلو الحكم من الأسباب ويوجب الحكم ببطلانه ما لم يكن الطرفان قد اتفقا على عدم تسبيب الحكم. ومن ناحية أخرى يكفي لتحقيق الغاية من اشتراط التسبيب أن يتضمن حكم التحكيم بياناً وجيزاً لواقع النزاع وطلبات الخصوم والدفاع الجوهرى لكل منهما، وفضلاً عن الأسانيد القانونية والواقعية التي ركن إليها الحكم فيما انتهى إليه. وفي حكم لمحكمة استئناف القاهرة تقرر أنه يكفى لصحة حكم التحكيم أن يكون مسبباً أى يتضمن رداً على إدعاءات الخصوم وأوجه دفاعهم الجوهرية ولا يهم بعد ذلك مضمون هذا الرد أو مدى ملائمته أو سلامته من ناحيتى القانون والواقع اعتباراً مات بأن دعوى البطلان ليست طعناً بالاستئناف فلا تتسع لإعادة النظر في موضوع النزاع وتعييب قضاء الحكم فيه، ذلك أنه ليس لقاضى البطلان مراجعة حكم التحكيم لتقدير ملائمة أو مراقبة حسن تقدير المحكمين وصواب أو خطأ اجتهادهم في فهم الواقع وتكييفه أو تفسير القانون وتطبيقه لأن ذلك كله فمن اختصاص غاصب قاضي البطلان .
وتجدر الإشارة إلى أن خلو حكم التحكيم من الأسباب يوجب القضاء ببطلانه ما دام أن الأطراف لم يتفقوا على عدم تسبيب الحكم في حالة جواز مثل هذا الاتفاق قانونا، أو كان القانون الواجب التطبيق لا يجيز الاتفاق على الاعفاء من التسبيب.