ويقصد بأسباب الحكم، حيثياته والسند الذي قام عليه، سواء من حيث الواقع أو القانون. ويشمل ذلك أيضاً، الردود التي يجب أن يقدمها الحكم على طلبات الخصوم وأقوالهم على النحو المبين سابقاً. والتسبيب بهذا المفهوم، من أهم عناصر الحكم ويؤثر بدون شك على مضمونه، بل هو أساس مضمون الحكم، ما دام أن اختلاف الأسباب قد يؤدي إلى اختلاف مضامين الأحكام . وعلى سبيل المثال، فإن التقادم على كل الدين المطالب به، يؤدي إلى رد الدعوى كلياً، وعلى جزء منه يؤدي إلى ردها جزئياً. والحكم بالفائدة، يستلزم حتماً أن الالتزام المدعى به هو مبلغ من النقود، وأنه لم يتم سداده. والحكم بالتعويض أو الفسخ أو التنفيذ العيني يستوجب توفر الشروط القانونية والواقعية المطلوبة لذلك. وبناءً عليه، فإنه لا يكفي أن تحكم هيئة التحكيم، برد الدعوى دون بيان سبب ذلك، هل للتقادم؟ أم لسداد الدين؟ أم لغير ذلك؟ أو تقضي بالفائدة أو بالتعويض أو بالفسخ أو بالتنفيذ العيني دون تسبيب ذلك.
ويشترط التسبيب في كل طلب أو دفع استجابت أو لم تستجب له هيئة التحكيم كلياً أو جزئياً. فلو طالب البائع بمبلغ مائة ألف درهم ثمناً للبضاعة، وقبلت الهيئة هذا الطلب كلياً ، أو رفضته كلياً أو جزئياً، فيجب عليها تسبيب ذلك. وكذلك الأمر لو أثار المشتري الدفع الجدي بالتقادم، أو بأنه سدد ثمن البضاعة كلياً أو جزئياً، إلا أن الهيئة رفضت هذا الدفع كلياً أو جزئياً ، فيجب عليها بيان سبب ذلك.
وبناءً عليه، فإن أي جزئية في الحكم غير مسببة أصلاً، أو غير مبنية على أسباب واضحة، تعيب مضمون الحكم وتجعله مشوباً بالقصور العيب عدم التسبيب . ولكن لا يشترط بطبيعة الحال أن تتبنى هيئة التحكيم هذا السبب أو ذاك في حكمها، مما يطرحه عليها الخصوم أو يدعون به فللهيئة مطلق الصلاحية في تسبيب حكمها، بالأسباب التي تراها مناسبة، إلا أنه يشترط في ذلك شرطين أساسيين : الأول - أن يبنى التسبيب على وقائع ثابتة في ملف الدعوى، أو استخلصتها هيئة التحكيم من الملف بصورة معقولة، أو على الأحكام القانونية المطبقة على النزاع الثاني - أن يؤدي التسبيب إلى النتائج التي توصلت إليها الهيئة في حكمها .
وبالنسبة للشرط الأول، لا يجوز أن يبنى التسبيب على وقائع أو أحكام قانونية وهمية أو افتراضية لا وجود لها. ومثال ذلك، أن تفترض هيئة التحكيم افتراضاً بأن البائع سلم البضاعة، فتحكم على المشتري بدفع الثمن أو تفترض بأن المشتري دفع الثمن لحسن سمعته في السوق، فتقضي برد الدعوى عنه . وبالنسبة للشرط الثاني، يتوجب بداهة أن يؤدي السبب الذي استندت إليه الهيئة، إلى النتيجة التي قالت بها في مضمون الحكم). فالقول مثلاً أن شروط التقادم أو تسليم البضائع أو الفائدة متوفرة، يستوجب حتماً الحكم برد الدعوى في الحالة الأولى، والحكم بالتسليم في الحالة الثانية وبالفائدة في الحالة الثالثة، ما دام القانون المطبق على النزاع يوجب ذلك. فلا يصح لهيئة التحكيم، مثلاً، أن تقول في حيثيات حكمها، بأنه ما دام أن شروط الحكم بالفائدة على المحتكم ضده متوفرة فإن الهيئة تقضي بعدم الحكم بها ، أو أن شروط فسخ العقد الذي يطالب به المحتكم متوفرة، ومع ذلك، تقرر الهيئة عدم فسخ العقد.
ويمكن القول بأنه يستثنى من تسبيب الحكم الحالة التي يتفق فيها الطرفان على تسوية نزاعهما ودياً، أثناء إجراءات التحكيم، ويدرج المحكم إتفاقية التسوية في حكمه النهائي، وينهي الإجراءات تبعاً لذلك. في هذه الحالة، تعتبر التسوية بحد ذاتها هي عمليا حكم التحكيم، سواءً كانت التسوية مسببة أم لا، ما دام أن القانون لا يشترط في أي اتفاق عقدي أن يكون مسبباً، ويشمل ذلك أي اتفاقية تسوية يتوصل إليها الأطراف. وما على هيئة التحكيم في هذه الحالة، إلا أن تصدر قراراً، بناءً على طلب الأطراف، يحتوي على اتفاقية التسوية كما وردت منهم، ويتضمن إنهاء الإجراءات. ويعتبر هذا القرار بمثابة حكم تحكيم، ويطبق عليه ما يطبق على الأحكام الأخرى، سواء من حيث الطعن به، أو تصديقه وتنفيذه ما دام ذلك ممكناً.
وتجدر الإشارة أيضاً، إلى أنه في التحكيم بالصلح ، لا يتوجب على المحكم بالصلح تسبيب حكمه تسبيباً وافياً ودقيقاً وأن يسبب كل فقرة حكمية فيه، وإنما يكفي التسبيب الإجمالي بما يشير إلى أن المحكم لم يحكم على هواه، وإنما كانت هناك أسس معقولة ولو بصورة إجمالية بني عليها هذا الحكم .