1 -أخيراً، وبعد إنتظار دام أكثر من ثلاثين عاماً ، شهد العالم العربي في 22/3/2013 صـدور أول حكم تحكيمي نهائي في القاهرة، بتطبيق القواعد التي أوردها ملحق التوفيق والتحكـيم للإتفاقية الموحدة لإستثمار رؤوس الأموال العربية المنعقدة في إطار جامعة الدول العربيـة .1980/11/26 بتاريخ 2 -والقضية التحكيمية محل البحث والتعليق نشأت بي ن شركة كويتية كان قد صدر لصالحها قرار عام 2006 بتأجير قطعة أرض واقعة في مكان متميز على شاطىء البحر الأبيض المتوسط بمنطقة تاجوراء قرب طرابلس لإقامة مـشروع إسـتثماري سـياحي ضـخم بإستثمارات من جانبها تبلغ مائة وثلاثين مليون دولار أمريكي مدته تسعون عاماً يستغرق إعداده سبع سنوات ونصف، وذلك وفقاً للشروط والضوابط الواردة في القـانون الليبـي المعمول به حينذاك بشأن تشجيع إستثمار رؤوس الأموال الأجنبيـة والقـانون المتعلـق بالسياحة. 3 -ونظراً لكون دولة الكويت قد صادقت على الإتفاقية الموحـدة لإسـتثمار رؤوس الأمـوال العربية بتاريخ 1/4/1982 ،كما صادقت عليها ليبيا في4/5/1982 ،فقد تم في العقد المبرم بين مؤسسة الخرافي ومصلحة التنمية السياحية الليبية بتاريخ8/6/2006 تـضمينه شـرطاً تحكيمياً مؤداه أنه في حالة نشوء نزاع بين طرفيه يتعذر تسويته وديا"يحال الى التحكيم وفقاً لأحكام الاتفاقية الموحد ة" المشار اليها . وتفاصيل هذا النزاع واردة تفصيلاً في القـسم الاول * من "الوقائع" بالحكم موضوع التعليق (الصفحة رقم 5 وما بعدها) ، وتم بالفعل اللجوء الـى التحكيم وفقاً لما جاء بيانه تحت عنوان "الإجراءات التحكيمية" (الصفحات من 9 الـى 22 .( كما تناولت هيئة التحكيم بالشرح "مواقف الطرفين" في القسم الثاني من حكمها وذلك علـى نحو وافٍ (الصفحات من 23 الى 216 (يحتوي على عشرين فصلاً، ونكتفي بالإحالة الـى ذلك البيان الجامع المانع الذي يعطي صورة دقيقة لوجهات نظر الطرفين وممثليهمـا مـن أقطاب الأساتذة العلماء الذين تفخر الأمة العربي ة بهم وبما قدموه من أسانيد ومراجع فقهيـة وقضائية وتحكيمية تعطي زاداً غزيراً لكل باحث عن الحقيقة وجوانبها القانونية. 4 -وقد جاء العمل الإنشائي لهيئة التحكيم برئاسة الأستاذ الجليل الدكتور عبد الحميد الأحدب – في القسم الثالث المعنون "حسم النـزاع ،" وذلك في ستة مباحث عالجت النقاط الأساسية التي تمثل المقاطع الجوهرية، بدءا بمسائل الإختصاص وإنتهاء بمنطوق الحكم التحكيمي النهـائي بما فصل فيه من حيث الموضوع(الصفحات من 217 الى 437 .(ونخـص كـل جانـب بعنوان مستقل، قبل أن نختتم بتعليق يتضمن تقييما للجهد المبذول في الإطار الزمن ي الـذي كان مفروضاً على هيئة التحكيم لتصدر حكمها النهائي في ستة أشهر، وتم تمديدها بقرار من سعادة أمين عام جامعة الدول العربية لمدة واحدة ، كما تقضي الإتفاقيـة الدوليـة، بحيـث إستغرق التحكيم، من بدايته عملياً في 14/9/2012 الى ما قبل نهاية حده الزمني الأقـصى في 14/4/2013 ،اقل من ستة أشهر، وهو أمر غير مألوف في التحكيمات الكبرى المماثلة التي تتم في إطار غرفة التجارة الدولية أو من خلال مركز حل منازعات الإستثمار التـابع للبنك الدولي في واشنطن. أولاً– الفصل في الدفوع السابقة على نظر الموضوع: 5 -عالجت هيئة التحكيم مزيجاً من المسائل جمعتها تحـت عنـوان "فـي إختـصاص الهيئـة التحكيمية" (الصفحات من 218 وحتى 285 (وتضم من الناحية النظرية مبدأ "الإختصاص بالإختصاص"، أي أحقية هيئة التحكيم في أن تتناول المسائل المتعلقة بمـدى إختـصاصها، مطبقة ذلك على المس ألة الأولية المتعلقة بوجود مشروع إست ثماري يدخل في إطار الإتفاقيـة الدولية المطلوب التحكيم تحت مظلتها، ومدى قبول الدعوى التحكيمية أو إعتبارها مرفوعة * ارقام الصفحات المشار اليها في هذا الرأي القانوني للبروفسور القشيري مأخوذة عن النسخة الاصلية للحكم التحكيمي. قبل الأوان لعدم إستنفاذ المرحلة السابقة المتعلقة بالمساعي الودية لحل النزاع قبل اللجوء الى التحكيم، ثم تحديد النطـاق الشخـصي للـشرط التحكيمـي أي الإختـصاص ( rationai personae ،(وكذلك الإختصاص الموضوعي (materae rationai ( لبيـان مـا هـي الأمور الداخلة في إطار ولايتها والتي يحق لهيئة التحكيم أن تنظرها وتفصل فيها. 6 -وقد إستندت هيئة التحكيم في حسم مسألة إختـصاصها بالفـصل فـي المـسائل المتعلقـة بإختصاصها، الى النص الصريح الوارد في المادة 2/6 من ملحق "التوفيق والتحكيم الوارد بالإتفاقية الموحدة "، كما دعمت ذلك بالمبادىء الصادرة عن المحكمة العليا الليبية التي تعـد بمقتضى القانون الليبي بمثابة نصوص قانونية واجبة الإتبـاع (صـفحة 234 مـن الحكـم * التحكيمي وما بعدها .( وتطبيقاً لذلك، إنتهت هيئة التحكيم في ضوء الوقائع التي إستخلصتها من الأوراق المقدمـة اليها والنصوص القانونية الواردة في كل من الإتفاقية الدولية والنصوص التشريعية الليبيـة المتعلقة بالإستثمار والشروط التعاقدية الواردة في العقد المبرم مع الشركة الكويتية في عـام 2006 ا لى إعتبار المشروع موضوع النزاع "مشروعاً إستثمارياً وفقـاً لتعريـف ومفـاهيم الإستثمار في القانون الليبي " (الصفحتان 232 و 236 ،(وذلك بحالته التي كان عليها ذلـك المشروع وقت صدور قرار وزير الإقتصاد رقم203 لسنة 2010 الذي ألغى قرار وزيـر السياحة رقم 135 لسنة 2006 ال صادر بالمصادقة على الإستثمار والتعاقـد علـى قطعـة الأرض التي تحددت معالمها لإقامة المشروع الإستثماري السياحي عليها، أي دون حاجـة الى وجود مال مستثمر بمقدار 15 %من قيمة المشروع السياحي سبق تحويله الى ليبيـا ، إذ لم يكن قد إستحق سداده بعد في ذلك الحين. ولا شك في سلامة المنطق القانوني والتحليل المتكامل الذي إنتهت اليه هيئة التحكيم في هذا الشأن وصولاً الى النتيجة التي سجلتها بوضوح تام. 7 -وكذلك الأمر فيما يتعلق بما تقدم به الجانب الليبي من دفع بأن اللجوء الى التحكيم قد جـاء سابقاً لأ وانه نظراً لعدم إستنفاذ مرحل ة المساعي الودية، فالوقائع التـي إستخلـصتها هيئـة التحكيم من المراسلات المتبادلة التي في حوزتها (الصفحات من 238 الى 241 (كافية لدعم * ارقام الصفحات المشار اليها في هذا الرأي القانوني للبروفسور القشيري مأخوذة عن النسخة الاصلية للحكم التحكيمي.ما خلصت اليه الهيئة التحكيمية من نتيجة مؤداها أن المساعي الودية قد بذلت بالفعـل مـن الطرفين قبل رفع الدعوى التحكيمية، ولكنها لم تسفر عن حل مقبول، ومن ثم، يكون الـدفع بعدم جواز نظر التحكيم لرفعه قبل الآوان في غير محله، وواجب الرفض. 8 -وإذا ما إتجهنا الى تحديد نطاق الأشخاص الذين يشملهم إتفاق التحكـيم، بمعنـى مـن هـم الأشخاص الذين يخضعون للتحكيم الماثل ، ويعتبر الحكم التحكيمي نافـذاً فـي مـواجهته م، فالواضح أن هيئة التحكيم قد حرصت على بيان كافة السلطات الليبية التي كانت طرفاً موقعاً على العقد المحرر في 8/6/2006 مع المستثمر الكويتي (مصلحة التنمية السياحية .) والتـي حلّت مكانها بالإستخلاف "الهيئة العامة للتمليك والإستثمار"، قبل أن تصير في نهاية المطاف "الهيئة العامة لتشجيع الإستثمار وشؤون الخصخصة"، ووراء هذه التسميات جميعها حقيقة لم تتغير مفادها أن الأرض موضوع العقد المبرم عـام 2006 قطعـة أرض مـن العقـارات المملوكة للدولة الليبية والتي صدر الترخيص بالإنتفاع بها لمدة تسعين عامـاً مـن وزيـر السياحة الليبي، مما ي ضفي على العقد الموقع عليه في 8/6/2006 طابعاً حكومياً واضـحاً ، أكد "قناعة الهيئة التحكيمية بتدخل هيئات حكومية ليبية في إبرام وتنفيذ وإنهاء العقد " (صفحة 250 من الحكم)، وأن الهيئة الحكومية التي آل اليها العقد في نهاية المطـاف"تتبـع وزارة الإقتصاد في ليبيا" (صفحة 253 ،(وتدافع عنها "إدارة القضايا في وزارة العدل " في الدعوى التحكيمية الماثلة (صفحة 256.( وللمزيد من الإيضاح تتبعت الهيئة التحكيمية المراسلات المتبادلة بـين مختلـف الهيئـات والشركة الكويتية حول تنفيذ المشروع الإستثمار ي منذ 1/6/2007 وحتى الغائه عام 2010 ، مما يعزز قناعة الهيئة التحكيمية بالطابع الحكومي للعقد وللمشروع الإستثماري في مختلف مراحله منذ إبرامه وحتى إلغائه (صفحة 258 ،وفي هدى ما إستقر عليه الفقـه والقـضاء وأحكام التحكيم، كما ورد في الصفحات التالية مع مقتطفات من الرأي القانوني المقدم مـن المستشار الدكتور برهان أمر االله)، بحيث خلصت الهيئة التحكيمية في صـفحة264 الـى الوصول الى نتيجة نهائية - سائغة قانوناً ومنطقاً – مقتضاها سريان الشرط التحكيمي الوارد في العقد في مواجهة كل من : الدولة الليبية، وزارة الإقتصاد الليبية، وكذلك الهيئـة العامـة لتشجيع الإستثمار وشؤون الخصخصة بوصفها الخلف العام لكل من الهيئة العامة للتمليـك والإستثمار ومصلحة التنمية السياحية. التعليقـــات مجلة التحكيم العالمية 2013 – العدد التاسع عشر 517 فضلاً عن صحة إدخال وزارة المالية في ليبيا كمدعى عليها رابعة بوصفها الملتزمة بتنفيـذ الأحكام النهائية الصادرة ضد أي من الجهات العامة الليبية الممولة مـن الخزانـة العامـ ة الليبية (صفحة 267 .( وفي المقابل، إنتهت هيئة التحكيم بحق الى عدم قبول إدخال المؤسسة الليبية للإستثمار فـي الدعوى التحكيمية الماثلة أمامها، بإعتبار أن هذه الأخيرة "لم تشارك في إبـرام أو تنفيـذ أو الغاء العقد" (صفحة 268 ،(وإن كانت هذه الأخيرة تعد جزء ا لا يتجزأ من الدولـة الليبيـة (صفحة 271 .( 9 -وفيما يتعلق "بالنطاق الموضوعي لشرط التحكيم "، وصلت هيئة التحكـيم الـى القمـة فـي التأصيل والتحليل القانوني عندما قامت بتفسيره على نحو لا يجعله قاصراً علـى المـسائل المتصلة بتنفيذ العقد اثناء سريانه، كما قد يوحي ظاهر النص، وإنماقامت بتفـسيره وفـق الأصول الواجبة الإتباع في هذا الشأن بحيث يمتد ليشمل المنازعات المتعلقة بعدم تنفيـذه أو تلك الناشئة عن الغائه أو إبطال مفعوله وإنهاء آثاره وفسخه، نتيجة صدور قرار إداري مثل القرار رقم 203 لسنة 2010 بالغاء الموافقة على الإستثمار الممنوح للشركة الكويتية ومـا إستتبعه ذلك من إستعادة الدولة للأراضي التي كانت موضوع عقد عام 2006 ليقوم عليهـا المشروع الإستثماري المذكور. وإذا كانت هيئة التحكيم قد ذهبت في تفسيرها الى أعلى قدر من الأمانـة العلميـة ، حيـث أوردت صفحات من الرأي المؤيد لقضائها المقدم من المستشار الدكتور برهـان أمـر االله والمراجع التي أشار اليها لتدعيم وجهة نظره (الصفحات من 273 الى 275 ،(فإن الهيئة لم تقف عند ذلك الحد، وإنما تجاوزته موضحة ما تم من تدويل للقواعـد القانونيـة الواجبـة التطبيق نتيجة أن الإتفاقية الموحدة بوصفها قد جاءت بقواعد موضوع ية ذات طبيعة دوليـة صارت جزءا لا يتجزأ من النظام القانوني الليبي وتمثل قواعد قانونية آمرة، وبالتالي فـإن الشرط التحكيمي الوارد في المادة 29 من العقد موضوع النزاع يشمل بالـضرورة : "العقـد والقرار الصادر عن وزير الإقتصاد بالغاء قرار وزير السياحة بالترخيص بالإستثمار علـى قطعة الأرض المشمولة بعقد 2006 لغرض إقامة المشروع الإستثماري الـسياحي المتفـق عليه"، وكذلك "الأضرار المطالب بها" في الدعوى التحكيمية الماثلـة بإعتبارهـا "مـشمولة بتحكيم الإتفاقية الموحدة "، بإعتبار أن هذه المطالبات " تتعلق بالمنازعات الناشئة عن تطبيق الإتفاقية الموحدة" وقد دعمت هيئة التحكيم قضاءها هذا الذي يمثل مرتبة عالية من الإبداع القانوني بـاللجوء في الصفحات التالية الى إبراز اهم مظاهر"إتجاه الإجتهاد الليبي من حيث إمتداد أثر الشرط التحكيمي الى القرارات الإدارية " (الصفحتان 281 و 282 ،(حيث إنتهت فـي ظـل ذلـك التحليل الرصين الى النتيجة التي لخصتها في القول بأن "مطالب التعويض عـن الـضرر المقدمة من الجهة المدعية مشمولة بالشرط التحكيمي الذي يحيل الى تطبيق أحكام الإتفاقيـة الموحدة لإستثمار رؤوس الاموال العربية في الدول العربية. وبالتالي، إن الدعوى التحك يمية الحاضرة لا تخرج البتة عن إختصاص هيئة التحكيم ولا تدخل في الإختصاص الحـصري للقضاء الإداري" (الفقرة الأخيرة من صفحة 292 ،والمعاد ذكرها تحت البند (5 (بـصفحة .(285 10 -وفي ضوء ما سبق بالنسبة الى ا لمسائل السابقة على الفصل في الموضوع من إختـصاص وقبول وخلافه، إنتقلت هيئة التحكيم الى نظر الموضوع، بادئة بالمنطلق الطبيعي المتعلـق بالإجابة عن التساؤل الأول المنطقي، ألا وهو: "هل جرى تسليم وإستلام الأرض وفقاً لــ "محضر تسليم وإستلام موقع إستثماري سياحي "المؤرخ في 20/2/2007" ؟ ودلالـة ذلـك المحضر وأهميته البالغة في تحديد ما حد ث في أعقابه من أحداث وأمور جوهرية خـصتها هيئة التحكيم بعناية فائقة (في الصفحات من 287 الى 301 ،(نوجز خلاصتها في النقـاط التالية: ( أ) إعمالاً لحكم المادة 95 من القانون المدني الليبي التي تعلي شأن الإرادة الحقيقية على حساب الإرادة الظاهرة لتغليب مفهوم "حقيقة المقصود"، إنتهت هيئـة التحكـيم فـي تحليلها للمحضر المذكور الى أنه لا يعدو أن يكون مجرد محضر معاينة للموقع فـي ذلك الزمان والمكان لتحديد نقاطه الحدودية، وأنه لا يفيد بحال من الأحوال حـصول يأ تسليم وإستلام للأرض. ) ب( أن تحليل المراسلات المتبادلة يفيد بصورة قاطعة انه حتى نهاية عام 2007 لم تكـن الشركة الكويتية المحتكمة قد تسلمت أرض المشروع خالية من كافة الشواغل التـي تحول دون الإستلام. ) ج( أن السلطات الليبية المختصة كانت قد عرضت موقعاً بديلاً لتنفيذ المـشروع وظـل هذا الطرح قائماً منذ أوائل عام 2009 ،وتكشف المراسلات أنـه فـي12/1/2011 ظلت الشركة الكويتية مصرة على التمسك بالموقع الأصـلي المتميـز بخصائـصه الفريدة، مما يشكل إثباتاً قاطعاً على عجز السلطات الليبية المختصة عن تسليم أرض المشروع وفقاً للمادة (5 (من عقد 2006 . د( ) أنه لا الزام تعاقدي أو قانوني يوجب على الشركة الكويتية المحتكمة قبـول عـرض الأرض البديلة التي ظلت دون أ ي تحديد لخصائصها، بينما ظـل الموقـع الأصـلي المتفق عليه لغرض إقامة المشروع الإستثماري السياح ي غير قابل للتسليم خالياً مـن الشواغل. ومن ثم، ترتبت على المحتكم ضدها المس ؤولية التعاقدية لمخالف تها إلتزامها الأساسي الناشىء عن المادة (5 (من العقد المبرم عام 2006 . 11 -وإنتقلت هيئة التحكيم، بعد أن فصلت في تلك المس ألة الجوهرية التي تثبت تحقق مـس ؤولية السلطات الليبية المحتكم ضدها، الى مناقشة "الطبيعة القانونيـة للعقـد موضـوع النـزاع والقانون المطبق" (الصفحات من 302 الى 347 .( وبدأت هيئة التحكيم طرحها بدراسة تأصيلية ممتعة وشاملة للتفرقة بـين وجهتـي النظـر المطروحتين، حول المفهوم الذي تتبنّاه الشركة الكويتية المحتكمة من أننا إزاء عقد مـدني وفقاً للقانون الليبي، بينما تتمسك المحتكم ضدها بأن العقد الذي نشأ النزاع ف ي ظلـه عقـد إداري وفقاً للقانون الليبي. وفي هذا المجال درست هيئة التحكيم القواعد الواردة في لائحة العقـود الإداريـة الليبيـة والمستقر في قضاء المحكمة العليا الليبية وفي كتابات الفقه العربي لتخلص الى ضـرورة التركيز على فكرتي "المرفق العام " ووجود أو عدم وجود "الشروط الإستثنائية الخارقة " التي تميز الأخذ بإسلوب القانون العام . وذلك بدء بما جاء في كتابات واضع القـانون المـدن ي الليبي العلامة عبد الرزاق السنهور ي وعميد فقهاء القانون العام الدكتور سليمان الطماوي، وتطبيقا للمعايير المذكورة إنتهت هيئة التحكيم الى تقرير ما يأتي: ( أ) أن الأمر لا يتعلق بمرفق عام، فالثابت أن المشروع الإستثماري لا يقدم خدمة عامـة للجمهور، بل خدمة خاصة لمن يريد إشغال فندق أو خدمات سياحية متـصلة بـذلك مقابل تقاضي أثمان تتماشى مع ظروف العرض والطلب في سوق عالمي للخـدمات السياحية، وليس رسماً تحدده الدولة ويمكن تعديله بالطرق الإدارية. ) ب( تخلف مفهوم الشروط التي تتضمن إمتيازات للإدارة لا يمكن أن يتمتع بها المتعاقـد الآخر، فضلاً عن أن المشروع السياحي المعني يقام على أمـلاك خاصـة للدولـة، وبتحليل كافة الشروط الأخرى يتبين ان أياً من نصوص العقد لا يحتوي على شـرط إستثنائي خاص بالعقود الإدارية حصراً، وإنما هي شروط مألوفة في العقود الخاصة . بما في ذلك عقود الـ T.O.B الخاضعة للقانون الخاص وغير الممولة من الميزانيـة العامة للدولة. ج( ) وبناء على ما إنتهت اليه هيئة التحكيم من أن العقد موضوع البحث ليس عقداً إدارياً، وإنما هو عقد مدني لا يحتوي على شروط غير مألوفة فـي المعـاملات الخاضـعة للقانون الخاص، فإن النظام القانوني الواجب التطبيق على عقد الإسـتثمار الـسياحي المبرم عام 2006 ينحصر في المصادر التالية: • القانون رقم (5 (لسنة 1996 بشأن تـشجيع إسـتثمار رؤوس الأمـوال الأجنبيـة ولائحته الت نفيذية والقانون رقم (6 (لسنة 2004 فيما يعطيه من مزايـا وإعفـاءات محفوظة في القانون رقم (9 (لسنة 2010 الذي الغى القانون رقم (5 (لسنة 1996 وحلّ محله. • القانون رقم (9 (لسنة 2010 المشار اليه أعلاه، فيما أوجبه مـن عـدم المـساس بالمزايا والإعفاءات الممنوحة قبل صدوره . • القانون المدني الليبي. • الإتفاقية الموحدة لإستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية (الـصفحات .(347 و 345 12 -وعقب الإنتهاء من تكييف العقد الذي منح المستثمر الكويتي الحق فـي إقامـة مـشروعه السياحي على الأرض المحد دة معالمها، وذلك إعمالاً لقرار وزير الس ياحة رقم 135 لـسنة 2006 ،صدر في ذات الشأن القرار رقم203 لسنة 2010 لوزير الصناعة بالغاء القـرار السابق وما إستتبعه من تحديد للقانون الواجب التطبيق على ذلك المنح والإلغاء، إنتقلت هيئة التحكيم الى دراسة مختلف جوانب عنصري الخطأ والضرر بوصفهما الركن الأساسي " في المسؤولية" (الصفحات من 349 الى 387 .( التعليقـــات مجلة التحكيم العالمية 2013 – العدد التاسع عشر 521 وعلى هدى ما توصلت اليه هيئة التحكيم من نتيجة مقتضاها أن الطرف الليبـي لـم يـف بالتزامه تسليم قطعة الأرض التي يقام عليها المشروع الإستثماري خاليـة مـن الـشواغل والمعوقات، صار الإخلال من جانب المحتكم ضدهم جلياً وواضحاً،وقام التساؤل عن مدى المسؤولية، سواء التعاقدية أو القانونية. وفي المجال التعاقدي، إعتمدت هيئة التحكيم على نص المادة (128 (من القـانون المـدني الليبي وتطبيقاته القضائية للقول بأن عدم تسليم الأرض على ما سلف البيان يعد في حد ذاته خطأ يرتّب مسؤولية المحت كم ضدهم وفقاً للمادة (224 (من القانون المـدني الليبـي، ممـا يوجب تعويض الشركة الكويتية المحتكمة على نحو يشمل ما لحقها من خسارة وما فاتهـا من كسب، فضلاً عما يكون متحققاً من ضرر أدبي ( صفحة 358 .(وعقب ذلك، عرضت هيئة التحكيم لمختلف المآخذ والإعتراضات التي أثارها الجانب الليبي لنفـي مـسؤوليتها، سواء بالنسبة للإدعاء بأن جدولاً زمنياً مفصلاً لمراحل تنفيذ المشروع وتـصميماته كـان مفروضاً تقديمه ولم يتم ذلك، وعدم تحديد موعد تسلم موقـع المـشروع، وكـذلك تـسليم الرسومات في موعد معين، وإقتراح موقع بديل الذي لم يتم الرد عليه في حينه، والزعم بأن جزءا من رأس مال المشروع كان مفروضاً تحويله قبل تاريخ معين، وهي جميعها أمـور إعتبرتها هيئة التحكيم غير منتجة في الدعوى التحكيمية وعلى غير اسس مقبولة تعاقـدياً ، ومن ثم فقد رفضتها (الصفحات من 359 الى 369 ،(وعادت لتؤكد أن الخطأ الذي يعتد به في التحكيم القائم هو ذلك المنسوب الى المحتكم ضدهم والناشىء عن عدم إحتـرام المـادة الخامسة من العقد وعدم تسليم الشركة الكويتية المحتكمة الأرض المتفق عليها أصلاً خالية من الشواغل والأشخاص وأي معوقات مادية أو قانونية، وبذلك يصدق في حـق المحـتكم ضدهم إرتكاب خطأ تعاقدي يع د أساساً للمسؤولية، وفقاً للمـواد 214 و 217 و224 مـن القانون المدني الليبي (صفحة 369 .( 13 -بيد أنه تجدر الإشارة الى أن هيئة التحكيم لم تكتف بالإستناد الى "المـسؤولية التعاقديـة "، وإنما إستطردت في الصفحات التالية من قضائها التحكيمي الى إضافة مصدر آخـرالـى المسؤولية أسمته "مسؤولية تقصيرية" ناشئة عن الإخلال "بالتزامات قانونية". وإستندت فـي ذلك الى "وجوب تنفيذ العقد بحسن نية ،" وفقاً للمادة 148 مـن القـانون المـدني الليبـي (الصفحتان 371 – 372 ،(و"منع المصادرة والتجميد للمشروع أو إجـراءات لهـا نفـس التأثير"، وذلك إستناداً للقواعد الواردة في القانون رقم 5 لسنة 1996 بشأن تشجيع إستثمار الأموال الأجنبية وما تضمنه من مزايا وإعفاءات تم الإحتفاظ بها في ظل القـانون رقـم 9 لسنة 2010) الصفحات 173 – 375 ،(وكذلك "مخالفة الإتفاقية الموحدة لإسـتثمار رؤوس الأموال العربية" التي تمنع إتخاذ "تدابير تؤدي الـى الحجـز والحراسـة أو التجميـد أو المصادرة أو التصفية" (الصفحات 376 – 379 ،(وفي النهاية العودة ثانية الى إبـراز أن ثمة مخالفات أخرى للقانون الليبي كان الأطراف قد تمسكوا بها، سواء بالنسبة لعدم إعطاء المشروع السياحي الشكل القانوني الذي يوجبه القانون اللي بـي (صـفحة 380 ،(أو عـدم مشروعية القرار رقم 203 لسنة 2010 الذي إستند الى قانون كان قد تم حينـذاك الغـاؤه (الصفحتان 380 – 381 ،(والزعم بأن المحتكمة قد خالفت القانون نتيجة عدم الحـصول على ترخيص لتنفيذ المشروع الإستثماري وترخيص مزاولة نشاط المـشروع(صـفحات 384 – 386 ،(وأخيراً فيما يتعلق بزعم المحتكم ضدهم إخلال المحتكمة بالمادة 224 مـن القانون الليبي بالنسبة الى منع تفاقم الأضرار (الصفحتان 387 – 388 .( 14 -وفي مجال تقدير مدى "التعويض" المستحق للشركة الكويتية المحتكمة الذي تناولـه الحكـم التحكيمي موضوع التعليق في الجزء الأخير المتعلق بالمسؤولية، تجدر الإشـارة إلـى أن الطرفين المتنازعين قد تركزت مناقشتهما على مفهوم التعويض وطبيعته ونطاقه في قواعد القانون المدني الليبي (المواد 166و 224 و 225 (المستلهمة من نظيراتهـا فـي القـانون المصري وتطبيقاتها وشروحها في القضاء والفقه المقارن. وليـس في المـعلومـات المتـوافـرة من قـراءة الحكـم التحكيمي ما يفيـــد أن أطـراف النـزاع قــد تجـاوزوا في أوجـه دفاعـهم ما يطلـق عليـه تعبــير الجوانب العقديـة (claims Contractual ،(إذ جاءت الأوراق المشار إليها في الحكم، في إعتقادي، خالية من معالجة لأحكام المسؤ ولية الدولية المعروفة وفقـاً لمـصطلحات قضاء الإستثمارات المطروحة في إطار إتفاقية الـ ICSID بكونها (claims Treaty( الناشئة عن تلــك الإتفاقي ـــة الجماعية أو المعاهدات الثنائية المعروفـة إختـصاراً بالـ (BITs .( ومن ثم، فقد جاء طبيعياً أن تنتهي هيئة التحكيم إلى ب ناء الـشق الأول المتعلـق بتعـويض الضرر المادي المباشر المتحقق من جراء خسائر ومصروفات مكتـب الـشركة الكويتيـة المحتكمة خلال السنوات الأربع التي مضت على إفتتاح مكتبها في طرابلس، والتي قد رتها بخمسة ملايين دولار أمريكي إستناداً إلى البيانات الواردة في الميزانيات ال متوقعة المقدمـة من الشركة المحتكمة (صفحة 402 .( 15 -وكذلك الأمر فيما يتعلق بالسلطة التقديرية الواسعة الممنوحة بمقتضى القانون المدني الليبي في تقدير التعويض عن الضرر الأدبي الذي لحق الشركة المحتكمة "في سـمعتها المهنيـة العالمية" من جراء إلغاء المشروع الإستثماري ال مرخص به "تعسفاً" (صفحة 404 ،(وفـي تقدير التعويض المستحق عن "الربح الفائت الناتج من الفرص الضائعة الأكيدة والمحققـة" .(412-404 صفحات( 16 -وقد إستندت الهيئة التحكيمية، في تقديرها للتعويض المستحق عن فـوات تلـك الفرصـة (chance of Loss (للكسب طوال مدة المشروع الذي كانت قد تمت الموافقة عليـه ، ثـم سحبت الأراضي المخصصة له ولم يتم تسليمها من جانب السلطات الليبية المختصة، إلـى تقاريـر الخبرة التي قدمتها الشركة المحتكمة والتي وصـفت ب أنهـا "ذات سـمعة مهنيـة عالمية". وقد حرصت هيئة التحكيم على إبراز أنه"كان يمكن للمدعى علـيهم الإعتـراض عليهـا ودحضها بتقارير خبرة مضادة من مكاتب خبرة متخصصة وذات سمعة مهنية مـشهورة "، ولكن "الجهة المدعى عليها لم تقدم أي تقرير خبرة مضاد لدحض ما جاء في التقارير التي قدمتها المدعية " وأياً تكن الأسباب التي حالت دون قيام ممثلي السلطات الليبية المحتكم ضدها بإتخاذ ذلك الموقف السلبي الذي يجـب أن تتحمـل نتائجه، فإن هيئة التحكيم قد بذلت جهداً مشكوراً لمعالجة ذلك القصور في دفـاع المحـتكم ضدهم وأداء مهمتها في الوصول إلى حلول عادلة تمثلت في الآتي: أ( ) إعتماد "معدل وسطي" بين المبالغ التي توصلت إليها التقارير الأربعة، )ب( الإستناد إلى ما جاء في الملاحظات الختامية للأستاذ الدكتور هشام صادق في مرافعته بجلسة 10 مارس 2013 للأخذ في الإعتبار بمقتضيات تخلص ليبيا من مخلفات نظام القذافي وعودة "ليبيا الفتية" إلى عالمها العربي ومتطلبات مزيد من التعاون الإقتصاد ي والإجتماعي والإستثماري مع أشقائها العرب، ك ي تستخدم سلطتها التقديرية في الهبوط من مبلغ الملياري دولار إلى "مبلغ تسعمائة مليون دولار أمريكي" 17 -بل لعلنا لا نتجاوز الحقيقة إذا قلنا أن هيئة التحكيم في إستخدامها سلطتها التقديرية في تقدير مبلغ التعويض، تطبيقاً للرخصة التي خولتها إياها المادة العاشرة مـن الإتفاقيـة الموحـدة لإستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية، قد إستلهمت الحلول الدولية التي تبنت إستخدام الأسلوب المعروف بالـ (Method Flow Cash Discounted (لإحتساب القيمة الآنية للأرباح المستقبلية التي كانت ستستحق خلال عشرات الـسنوات المقبلـة لـو كـان المشروع الإستثماري قد تحقق وبدأت الشركة الكويتية المستثمرة في جنى أرباحه ، كما كان يقتضي المجرى العادي للأمور. وبذلك تكون هيئة التحكيم قد قامت في ظل السوابق التحكيمية الدولية المستقرة بإنزال حكم القانون العادل من تلقاء نفسها لإستخدامها سلطتها التقديرية المعترف بها وفقـاً لكـل مـن النظام القانوني الوطني الواجب التطبيق وإعمالاً لحكم القواعد الدولية بما لها من سمو وقوة إلزامية. 18 -وفي ضوء كل ما سبق، نعود إلى تأكيد ما سبق ذكره من أن الحكم التحكيمي محل التعليق يمثل خطوة هامة في طريق إقامة قضاء تحكيمي متين البنيان فـي مجـال الإسـتثمارات العربية، وهو الواعد بكثير من الخير والذي فتح الطريق أمام سد ثغرة طال تجاهلها . فتحية خالصة لكل من أسهم في هذا الجهد المشرف. ولا يسعنا سوى أن نضم صوتنا إلى ما كان وراء قضاء الهيئة التحكيم ية من رجـاء تـم تسجيله في عبارة بليغة جامعة مانعة نصها: "الهيئة التحكيمية ترجو ان يكون هذا التحكـيم حـافزاً للقـائمين علـى متابعـة المشروعات الإستثمارية الحكومية من الأجهزة الحكومية في البلاد العربيـة بـأن يهتموا بمساعدة المشروعات الإستثمارية علـى أن تـستكمل بنجـاح وبـدون أي معوقات لما في ذلك من خير للشعوب العربية قاطبة، ومنعاً"لانهيـار الإسـتثمار العربي لأجيال وأجيال".