الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • حكم التحكيم / اجراءات التحكيم / الكتب / دروس في القانون الدولي الخاص /  مبادئ إجراءات التحكيم في العقود التجارية

  • الاسم

    د. حفيظة السيد الحداد
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    91

التفاصيل طباعة نسخ

 مبادئ إجراءات التحكيم في العقود التجارية

الفقرة الأولى: مبدأ الإختصاص بالإختصاص يعتبر مبدأ الاختصاص بالاختصاص من أهم المبادئ المنظمة للتحكيم والتي تمتاز بها الإجراءات المسطرية له، بحيث يقع أن ترفع الدعوى إلى الهيئة التحكيمية ويتمسك المطلوب في التحكيم بكون النزاع المعروض على التحكيم خارج نطاق الشرط التحكيمي مما يوجب إعمال قاعدة الإختصاص بالإختصاص.

ويقصد بها سلطة المحكم في الفصل في المنازعات التي تثور بشأن إختصاصه، بما في ذلك المنازعات المبنية على عدم وجود إتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع.

ويعتبر هذا المبدأ المتعلق بالإختصاص مبدأ ألمانية النشأة، وتبناه أغلب فقهاء التحكيم التجاري و الأنظمة القانونية المنظمة للتحكيم.

مدلول الإختصاص بالاختصاص يتجلى في سلطة هيئة التحكيم في أن تفصل في المنازعات التي تثور أمامها بشأن إختصاصها دون حاجة إلى وقف الدعوى التحكيمية لحين صدور قرار في هذا الشأن من القضاء.

 وهذا المبدأ المتعلق بالإجراءات المسطرية للتحكيم ينسجم وطبيعة العقود التجارية التي تحتاج في حلها إلى السرعة والمرونة دون حاجة لطول الإجراءات المسطرية، و إعتبار أن أطراف هذه العقود لا بريدون الخضوع أو الرجوع إلى المساطر القضائية الطويلة والمعقدة، وبالتالي فالهيئة التحكيمية تتصدی المسألة الدفع بعدم إختصاصها للنظر في النزاع إذا دفع أحد الأطراف بذلك، وهذا ما جعل التحكيم يجد تطبيقه أكثر في البيئة التجارية للإنسجام قواعده مع خصائص هذه البيئة.

مما جعل أغلب النظم القانونية الوطنية والدولية تتبنى هذا المبدأ في قوانينها، بحيث نجد المشرع المغربي نص على هذا المبدأ من خلال أحكام القانون رقم 05-08 في الفصل 327.9 ، الذي أعطى لهيئة التحكيم قبل النظر في الموضوع أن تبث إما تلقائيا أو بطلب من أحد الأطراف، في صحة أو حدود اختصاصاتها أو في صحة اتفاق التحكيم وذلك بأمر غير قابل للطعن. 

كما تبني هذا المبدأ القانون النموذجي للأونسترال الذي يعتبر المرجع الأساسي للتحكيم التجاري من خلال تضمينه في المادة 16 صلاحية الهيئة التحكيمية في النظر في حدود إختصاصها. وكذلك إتفاقية نيويورك لسنة 1958 المتعلقة بتنفيذ الأحكام التحكيمية الأجنبية، والاتفاقية الأوروبية للتحكيم المعروفة بإتفاقية جنيف لسنة 1961 قد تعرضت لمندأ إختصاص المحكم بالفصل في مسألة اختصاصه. كما تم تبنيها من خلال بعض لوائح غرف التحكيم من بينها ما جاء في قواعد غرفة التجارة الدولية لسنة 2012

ويهدف هذا المبدأ في إصدار الأحكام التحكيمية في أقرب الآجال والحيلولة دون المناورات التي يقوم بها الأطراف للتشويش على العملية التحكيمية. بحيث مثلا إذا تصورنا وجود عقد إتمان إيجاري جاء ضمن بنوده شرط اللجوء إلى التحكيم، وحدث النزاع مستقبلا خلال تنفيذ إلتزامات الاطراف المترتبة عن العقد، وقامت مؤسسة الائتمان باللجوء إلى التحكيم من خلال عرض النزاع على الهيئة التحكيمية إلا أن الزبون قد يدفع للتهرب من صدور حكم ضده بكون الهيئة التحكيمية غير مختصة للنظر في النزاع مثلا لكون إتفاق اللجوء إلى التحكيم لا يتضمن عدم أداء الأقساط وبالتالي حسب هذا المبدأ فإن للهيئة التحكيمية الصلاحية في تحديد كونها مختصة للنظر في النزاع أم هي غير ذلك. | وكتطبيق لهذا المبدأ هناك بعض المقررات التحكيمية التي طبقته منها المقرر التحكيمي الصادر عن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي في القضية رقم 474 بتاريخ 7 نوفمبر 2006: قررت هيئة التحكيم أن اتفاق التحكيم هو اتفاق صحيح وأن لها الاختصاص في تسوية النزاع الذي يتعلق بتعاقد المدعي من الباطن مع شركة إنشاءات التشييد مبان، وذلك عملا باتفاق التحكيم المنصوص عليه في العقد من الباطن.

وعلى مستوى العمل القضائي نجده متدبدب بالأخذ بهذا المبدأ ففي قرار صادر عن الرئيس الأول المحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء جاء فيه: "وحيث إن العقد المبرم بين الطرفين والمتضمن الشرط التحكيم محل دعوى البطلان وأنه من المقرر أن التحكيم يزول ويعتبر كأن لم يكن بالحكم ببطلان العقد الذي تضمن شرط التحكيم، كما أنه من المقرر أنه أذا أثار نزاع بين طرفي العقد على أمر لا يدخل في نطاق المسائل المتفق فيها على التحكيم فإن القضاء هو المختص بالبث في صحة العقد ولا يملك المحكم الفصل فيه.

الفقرة الثانية: تحديد القانون واجب التطبيق على العقد التجاري

يقصد بالقانون الواجب التطبيق على التحكيم في العقد التجاري، مجموعة من القواعد القانونية الموضوعية التي تطبق على النزاع منذ حصول الاتفاق على التحكيم وحتى إصدار الحكم بتنفيذه.

ومسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم على مستوى منازعات العقود التجارية لها أهمية كبيرة، خاصة أن المشرع في الكتاب الرابع المتعلق بالعقود التجارية لم ينظم بعض العقود التجارية والتي تعتبر شائعة التعامل مثل عقد الترخيص التجاري والبيع التجاري، وبالتالي يمكن للأطراف العقد إبرام عقد ترخیص تجاري وإشتراط اللجوء إلى التحكيم وفي حالة وقوع النزاع فإن القانون الأجنبي المنظم لعقد الترخيص التجاري هو الذي يطبق على النزاع. وهذا ما يتميز به التحكيم عن القضاء بإعتبار أن الأطراف في الخصومة القضائية ليس لهم سوى الرضوخ للقانون المطبق على النزاع دون إختيار.

وهذا الأمر يطبق على جميع العقود التجارية خاصة ذات الطابع الدولي حيث تخضع لقاعدة سلطان الإرادة في تحديد القانون الواجب التطبيق. وبالتالي فإن للأطراف في عقود التجارة الدولية أن يتفقوا في العقد ذاته أو في اتفاق لاحق على القانون الواجب التطبيق على العقد والذي يحكم موضوع النزاع.

واختيار القانون الواجب التطبيق يكون أولا للإرادة الأطراف وما تم الإتفاق عليه ضمن شرط اللجوء إلى التحكيم بحيث يتضمن شرط التحكيم في العقد التجاري مثلا أنه في حالة وقوع النزاع بخصوص العقد فإن القانون الواجب التطبيق مثل هو القانون المصري أو المغربي أو الإتفاقيات الدولية المنظمة لذلك العقد أو تطبيق الأعراف المحلية مثل عقد السمسرة بحيث يمكن للأطرافه في حالة النزاع ووجود شرط التحكيم أنهم يلزمون الهيئة التحكيمية بإعطاء الأولوية للأعراف المحلية ثم العادات. وبالتالي تخضع النزاعات التي تثار بشأن هذا العقد للقانون المنصوص عليه.

وهذا ما تبناه المشرع المغربي من خلال القانون 05-08 في الفصل 327-44 الذي جاء فيه: "تحدد في اتفاق التحكيم، بكل حرية، القواعد القانونية التي يتعين على الهيئة التحكيمية تطبيقها على جوهر النزاع، وفي حالة عدم اختيار الأطراف للقواعد المذكورة، فإن الهيئة التحكيمية تفصل في النزاع طبقا للقواعد التي تراها مناسبة".

كما نص الفصل 327-18 على أنه: "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق

عليها الطرفان."

وفي هذا السياق جاء المرسوم الفرنسي 48-2011 في الفصل 1511 على أن "هيئة التحكيم تعالج النزاع تطبيقا لقواعد القانون التي يختارها الأطراف".

وفي هذا الشأن خاصة في مجال العقود التجارية البحرية يرى بعض الفقه 31، أن القضاء المغربي يذهب في حالت سکوت الأطراف على تحديد القانون الواجب التطبيق إلى جلب الاختصاص للقانون المغربي، وهذا ما جاء في قرار المحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء: "وحيث يتجلى من وثيقة الشحن في المادة الثالثة، أن كل نزاع يترتب عن وثيقة الشحن يفصل فيه البلد الذي يتوفر فيه الناقل على المركز الرئيسي للأنشطته وتشريع هذا البلد، إلا إذا نصت وثيقة الشحن على خلاف ذلك، وحيث أن وثيقة الشحن، لم تنص على خلافه، وأن مقتضيات الفقرة الثانية المتعلقة بشرط التحكيم لا يمكن اعتباره متعلقا بالفقرة الثالثة التي تحدد القضاء والاختصاص والتشريع الواجب التطبيق هو تشريع البلد الذي يتوفر فيه الناقل على المركز الرئيسي، وبالتالي فإن القانون المغربي هو الواجب التطبيق.

إلا أنه إذا لم يتفق أطراف العقد التجاري على تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، انتقلت مسؤولية هذا الاختيار إلى هيئة التحكيم التي تمنح لها سلطة إحتياطية في تحديد القانون الواجب التطبيق، والتي غالبا ما تعتمد على القواعد القانونية الملائمة للنزاع.

وهذا ما تبناه المشرع المغربي في القانون رقم 05-08 في الفصل 18-327 الذي جاء فيه: "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان. إذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبة التطبيق على موضوع النزاع طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية في القانون الذي ترى أنه الأكثر إتصالا بالنزاع، وعليها في جميع الأحوال أن تراعي شروط العقد موضوع النزاع وتأخذ بعين الاعتبار الأعراف التجارية والعادات وما جرى عليه التعامل بين الطرفين، وإذا اتفق طرفا التحكيم صراحة على تفويض هيئة التحكيم صفة وسطاء بالتراضي، تفصل الهيئة في هذه الحالة في موضوع النزاع بناء على قواعد العدالة والانصاف دون التقيد بالقانون ."