تخطي مسألة تحديد مكان التحكيم بأهمية خاصة لأنه في ضوء هذا التحديد للمكان يمكن لنا معرفة القانون الذي يحكم الإجراءات أو القانون الذي ويطبق على النزاع وأيضًا المساعدة التي يقدمها قضاء مكان التحكم، والأصل أن يحدد الأطراف مكان التحكم ولغة التحكيم إما في عقد التحكيم أو في اتفاق لاحق، ويتمتعون بمطلق الحرية في هذا التحديد، ويلتزم المحكم وإجراء التحكيم في المكان الذي اختاره أطراف النزاع، وقد يجري التحكيم في مكان معين وتكون الإجراءات وفقًا لقواعد مركز أو هيئة تحكيم في مكان آخر، أو وفقًا لقواعد دولة غير دولة مكان التحكيم.
أما إذا لم يتفق الأطراف على مكان التحكيم (Place of arbitration) انعقد الاختصاص للمحكم في تحديده مراعيًا مصلحة الأطراف. وغالبًا ما يكون مكان التحكيم، في التحكيم المؤسسي، هو المكان الذي يوجد فيه مركز أو هيئة التحكيم التي اتفق الأطراف على اللجوء إليها، ولا يلزم أن تتم كافة الجلسات في مقر واحد (Seat of arbitration) إذ يمكن أن تعقد في أماكن متعددة في نفس مكان مقر التحكيم المحدد.
ونص قانون الأونسيترال صراحة على أنه ما لم يتفق الأطراف على تحديد مكان معين للتحكيم فإن هيئة التحكيم تتولى تحديده آخذة في الاعتبار ظروف القضية فإذا ما تم تحديد مكان التحكيم فللهيئة أن تعقد بعد ذلك اجتماعاتها وجلسات المداولة بين أعضائها في أي مكان تراه مناسبًا. كما أن لها أن تحدد مكان سماع أقوال الشهود أو الخبراء أو أطراف النزاع أو المعاينة أو فحص المستندات كل ذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.
- اللغة:
الأصل فيما يتعلق بلغة التحكيم أن المحكم يجب أن يلم بأكثر من لغة وعدم توافر اللغة لدى المحكم من شأنه خلق صعوبة عملية في ترجمة المستندات وشهادة الشهود.
- مركز التحكيم اليمني:
نص نظام مركز التحكيم اليمني على أن تجري إجراءات التوفيق والتحكيم في مقر المركز ما لم يتفق الأطراف على خلاف ذلك.
كما نص على أن للأطراف أن يتفقوا على مكان آخر غير المركز على أن توافق هيئة التحكيم على هذا المكان
- قانون التحكيم اليمني:
تطرق قانون التحكيم اليمني رقم (۲۲) لسنة ١٩٩٢م المعدل بالقانون رقم (۳۲) لسنة ١٩٩٧م لمسألة مكان التحكيم فنص في المادة 7 على أنه "مع عدم الإخلال بأحكام هذا القانون، يجوز لطرفي التحكيم- إذا كان أحدهمًا أو كلاهمًا غير يمنيين- الاتفاق على القانون الذي يخضع له التحكيم شكلًا وموضوعًا، وعلى لغة التحكيم ومكانه".
وكذلك القانون العماني فقد نصت الفقرة الأولى من المادة (٢٨) بأن "لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في سلطنة عمان أو خارجها فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملاءمة المكان لأطرافها". كما نصت الفقرة الأولى من المادة (٢٩) من نفس القانون على أنه "يجري التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات أخرى...".
أما قانون الإجراءات المدنية فقد ورد في الفقرة السادسة من المادة (٢١٢) منه بأن يحرر الحكم باللغة العربية ما لم يتفق الخصوم على غير ذلك ، يتعين أن ترفق عند إيداعه ترجمة رسمية.
ونفس ما ذهب إليه المشرع العماني ذهب إليه نظيره المصري في المادتين (۲۹، ۲۸) من قانون التحكيم المصري.
أعطى القانون أطراف التحكيم الحرية الكاملة للاتفاق على مكان التحكيم وعلى لغة التحكيم، في حالة أن يكون أحد طرفي التحكيم أو كلاهما غير وطنيين. ويفهم من ذلك ضمنًا مثلًا أنه إذا كان الأطراف يمنيين فإن مكان التحكيم هو المكان الذي يحدده الأطراف أو هيئة التحكيم في أي بقعة يمنية، وأن لغة التحكيم هي اللغة العربية.
إن مهمة المحكم بغض النظر عن كل النظريات التي قيلت بصدد تكييفها القانوني إلا إنها مع مجمل وظيفة التحكيم ما زالت في طريق التكوين والنشأة ولذلك فإنها تواجه بعض المصاعب وتعاني من بعض الثغرات التي سوف يضع لها الفقه والقضاء الوسائل والعلاج الناجح.
ولا شك أن الحساسية القائمة إزاء مسألة التحكيم مرجعها فقدان الثقة في عدالة التحكيم والنظر إليه على أنه وسيلة لتحجيم القضاء الوطني وإقصائه وتحقيق مكاسب للدول القوية على حساب الدول الصغيرة وهذه الأزمة مرجعها تحيز بعض المحكمين الأجانب وخضوعهم بقدر أو بآخر لضغوط حكوماتهم مما يدفعهم لمجافاة الحق والعدل في أحكامهم ويجعل أحكامهم تدور في فلك تلك الهيمنة والعمل على فرضها من خلال التحكيم وتمرير أحكام غير عادلة هدفها الأول والأساس تحقيق مصالح تلك الدول وتمريرها بكل ما فيها من مساس بسيادة الدول الصغرى.
ولعل هذه المخاوف والمخاطر تجعل الدول الصغرى أحيانًا تحجم عن اللجوء إلى المحاكم الدولية للتحكيم وتتهيب من المحكمين الأجانب. ولهذا فإن وظيفة المحاكم ومراكز التحكيم الأجنبية والمحكمين تلاقي صعوبات تحتم عليها الارتقاء إلى مستوى المسئولية الدولية الملقاة على عاتقها ووضع الضوابط القانونية التي تعيد الثقة للمواطنين في الدول الصغيرة والاطمئنان بأن الفقه الدولي في مجال التحكيم قادر على أداء وظيفته بعيدًا عن التأثيرات السياسية. وهكذا تعد مسألة إعداد المحكم المؤهل قانونًا وإدراكه لأهمية اختياره بكل ما فيه من ضوابط وقواعد يضعها المشرع أو ينص عليها اتفاق التحكيم مسألة في غاية الأهمية.