تنص غالبية القوانين العربية على وجوب ذكر مكان التحكيم في الحكم. وتبرز أهمية هذا الشرط في أن معرفة مكان إصدار الحكم، تبين لنا فيما إذا كان الحكم قد صدر على أراضي الدولة أم في دولة أخرى. فإذا صدر في دولة أخرى، يعتبر حكماً أجنبياً وينفذ في الدولة باعتباره كذلك، ولا يخضع عندئذ لطرق الطعن المنصوص عليها قانوناً، من استئناف أو إبطال أو غير ذلك، حسب القانون الوطني المطبق. كما أن القاعدة المنصوص عليها في قوانين بعض الدول، والتي تقضي بصلاحية المحكمة بإعادة الحكم للمحكمين لمراجعة بعض المسائل فيه، لا تطبق عليه . وهذا بخلاف الحكم الذي يصدر داخل الدولة، إذ يعتبر حكماً وطنياً يخضع للطعـن بـه وللمراجعة حسب ما ينص عليه القانون .
ومن هذه الناحية، نرى أنه لا توجد أهمية تذكر لمكان التحكيم، ما دام أن القواعد الوطنية الخاصة بالتحكيم، لا تطبق أصلاً إلا على التحكيم الذي يجري داخل الدولة كقاعدة عامة . وبمعنى آخر، يفترض في الحكم الذي لم يذكر فيه مكان صدوره، أنـه صـدر داخل أراضي الدولة، وعلى من يدعي العكس إثبات ذلك. وبالتالي، يخضع مثل هذا الحكم للمصادقة عليه وتنفيذه أو الطعن به باعتباره صدر ضمن أراضي الدولة. فإذا ادعى المحكوم عليه، أنه حكم أجنبي ومن ثم لا يخضع لأحكام القانون الوطني من هذه الناحية ، عليه أن يثبت ذلك. لذا، نرى أن ذكر مكان التحكيم في الحكم ليس جوهرياً، فلا يكون الحكم الخالي من ذلك عرضة للطعن به من هذه الناحية .
وكذلك الأمر بالنسبة للتحكيم الوطني أو الداخلي، نرى بأنه ليس ثمة فائدة من ذكر مكان التحكيم في الحكم. ورب قائل بأن ذكر هذا المكان، يحدد الجهة صاحبة الاختصاص بالنظر في دعوى الطعن بحكم التحكيم أو التصديق عليه. فإذا صدر حكم التحكيم في دمشق / سوريا مثلاً، كانت محاكم دمشق هي المختصة في ذلك، وليس أي محكمة أخرى داخل سوريا. إلا أن هذا القول ليس دقيقاً. ففي غالبية الدول العربية، يقصد بالمحكمة المختصة، المحكمة ذات الاختصاص بالنظر في النزاع أصلاً، لو لم يكن هناك اتفاق تحكيم، بصرف النظر عن مكان التحكيم أو مكان صدور حكم التحكيم. فلو كان موطن المدعى عليه في حلب سوريا حول عقد أبرم ونفذ في حلب، وكانت كافة عناصره الأخرى تتعلق بمدينة حلب، انعقد الاختصاص لمحاكم حلب، حتى لو اتفق الأطراف على أن مكان التحكيم في دمشق، وصدر حكم التحكيم في دمشق أيضاً. ونخلص من ذلك إلى القول بأن عدم ذكر مكان التحكيم في الحكم لا يعيبه، ولا يكون ذلك سبباً صحيحاً للطعن به.
ومن جهة أخرى، يجوز للأطراف الاتفاق على عقد جلسات التحكيم، ليس في مكان واحد فقط وإنما في عدة أمكنة. مثل عقد جلسة في موطن المدعي (دمشق) ، وجلسة أخرى في موطن المدعى عليه (حلب) وهكذا. كما أن من صلاحيات هيئة التحكيم، عقد بعض الجلسات في غير مكان التحكيم المتفق عليه ، إذا رأت أن ذلك أكثر مناسبة لحسن سير التحكيم، مثل جلسة الاستماع لشاهد في موطنه، أو لخبير في مكان عمله، أو الانتقال لمكان البضاعة للكشف عليها ومعاينتها هناك، بفرض أن هذه الأمكنة تقع خارج نطاق مكان التحكيم.