أما التعريف القانوني، فقد خلت أغلب القوانين من تقديم تعريف للقرار أو للحكم التحكيمي، إلا أن هذا لا يعاب عليها، لكون وظيفة المشرع هي سن الأحكام وليس صياغة التعاريف، إذ الأخيرة تعد من ضمن اختصاص الفقهاء، فهم الذين يتولون مسألة صياغتها ودعمها بالحجج والأسانيد، استنادا إلى النهج أو المدرسة التي يتبنونها ، وكان هذا هو موقف مشرعنا العراقي.
إذاً فالمتأمل في كل التعاريف السابقة يصل إلى أن القرار التحكيمي يجب أن يكون صادراً من قبل المحكم في حدود النزاع المطروح عليه، فكل قرار يصدر في غير خصومة لا يُعد قراراً تحكيمياً، كما هو حال القرارات الصادرة بتحديد زمان ومكان انعقاد ،التحكيم واستناداً لما تم عرضه يمكن تعريف القرار التحكيمي بأنه القرار الصادر من محكم أو هيئة تحكيمية في حدود سلطته الممنوحة من قبل أطراف النزاع، بصدد حل النزاع القائم بينهما، وسواء كان صادراً في نهاية الخصومة أم في أثناء سيرها أم كان صادراً في موضوع الخصومة أم في مسألة إجرائية منها.
أما عن موقف الاتفاقيات من القرار التحكيمي
فالاتفاقيات والمعاهدات الدولية قد تعرضت ولم تهمل مسألة القرار التحكيمي بكل جوانبها، إلا أنها لم تقدم تعريفاً واضحاً له يبين المقصود منه.
فقد تعرضت قواعد الأونسيترال للتحكيم لسنة 1976 وبصيغتها المنقحة لسنة 2010 (UNSITRAL) وذلك في الباب الرابع منها وفي المواد (33-43)، لموضوع القرار التحكيمي بشيء من التفصيل على الرغم من أنه لم يقدم تعريفاً للقرار التحكيمي، إلا أنه وفي المادة (34) الفقرة (2) منه نص على: (تصدر كل قرارات التحكيم كتابة ، وتكون نهائية وملزمة للأطراف، وينفذ الأطراف كل قرارات التحكيم دون إبطاء)، وكذلك كان موقف قانون الاونسترال للتحكيم التجاري لسنة 1985 المعدل في سنة 2006، وذلك في المادة (31).
وقد انتقدت هذه المادة كونها عامة وغير واضحة، إذ أنها أشارت إلى وجوب الكتابة وهو أمر مُسلَّم به في أغلب القوانين وكذلك إلى وجوب إصدار القرار بصورة نهائية وملزمة، وهذا ما يتوجب لنا إيضاحه، فلا ينصرف مفهوم النهائية إلى كون القرار الذي يصدر عن هيئة التحكيم هو القرار الذي يفصل ويحسم النزاع بأسره، بل الذي ينهي مسألة معينة ومحددة، فقد يصدر المحكمون سلسلة من القرارات التحكيمية قبل أن يصلوا إلى قرار تحكيمي ينهي النزاع برمته.
أما الأمر الآخر الذي أثارته هذه المادة، فهو وجوب تنفيذ قرارات المحكمين من دون أي تأخير أو تسويف، وهذا ما تهدف إليه كل الاتفاقيات الدولية.
وكذلك اتفاقية الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها (نيويورك 1958) هي الأخرى أشارت إلى القرار التحكيمي فقد نصت في الفقرة (2) من المادة (1) منها على: (لا يقتصر مصطلح قرارات التحكيم على القرارات التي يصدرها محكمون معينون لكل قضية بل ويشمل القرارات التي تصدرها هيئات تحكيم دائمة تكون الأطراف قد أحالت الأمر إليها).
إن المسألة المهمة التي تطرقت إليها هذه المادة هي المساواة بين قرارات التحكيم الصادرة من مؤسسة تحكيمية، والقرارات الصادرة عن طريق تحكيم حر أو طليق، أي عندما يكون المحكم غير مرتبط بهيئة أو مؤسسة تحكيمية.
علماً إن اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري الدولي 1987 ، هي الأخرى تطرقت لموضوع القرار التحكيمي وذلك في الفصل الخامس منها وفي المواد (31- 36)، وعلى الرغم من شرحها الموسع لكل تفصيلات وجزئيات القرار التحكيمي إلا أنها كانت مفتقرة لتعريف دقيق للقرار التحكيمي يوضح مواقف الدول تجاهه.
ويلاحظ الموقف ذاته في كل من الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية لسنة 1981 ، والتي خصصت المادة (2) من ملحقها لبيان المسائل المتعلقة بالتحكيم ، وايضاً اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول المضيفة والمواطنين العرب وملحقها لسنة 1976، والتي خصصت الفصل الرابع منها لشرح وتفصيل المسائل المتعلقة بالتوفيق والتحكيم بصورة عامة، فقد خلت هاتان الاتفاقيتان من اي تعريف للحكم أو للقرار التحكيمي أما عن اتفاقية الرياض للتعاون القضائي وتسليم المجرمين لسنة 1983 فلم تمييز بين الحكم أو القرار الصادر عن جهة قضائية او ولائية أو أية جهة مختصة لدى أحد الاطراف المتعاقدة ، إذ لم تقدم هذه الاتفاقية أي تعريف للقرار القضائي او التحكيمي على حد سواء.
وكذلك كان موقف اتفاقية تنفيذ الأحكام بين دول الجامعة العربية لسنة 1952 فهي الأخرى جاءت خالية من أي تعريف للقرار التحكيمي، فعلى الرغم من تخصيص المادة الاولى من هذه الاتفاقية لبيان مفهوم الحكم بصورة عامة، إلا أنها كانت خالية من النص الصريح أو الضمني للأحكام أو القرارات التحكيمية، لذلك فقد جاءت المادة الثالثة بصورة متممة للمادة الأولى والتي اشركت الأحكام التحكيمية مع الأحكام القضائية بالنسبة للاعتراف والتنفيذ على أن تتم مراعاة مجموعة من الشروط تم إيرادها في هذه الاتفاقية.