إذا كان التحكيم هو قضاء خاص وفق رأي البعض، لذا فهو يقترب في نقاط عدة من القضاء وفي الوقت ذاته يبتعد عنه في مواضع أخرى، ولأن نتيجة القضاء والتحكيم على حد سواء هي الوصول إلى قرار يقطع الخصومة ويفض النزاع، لذلك سنركز دراستنا على التمييز بينهما، لكن علينا وفي البدء التعريف بكل من القرار القضائي والتحكيمي؛ ليتسنى لنا بعده الوقوف على نقاط التشابه ومن ثم الاختلاف؛ ليعطي بحثنا ثمرته.
أما المقصود بالقرار التحكيمي هو القرار الصادر من محكم في حدود سلطته الممنوحة له من قبل أطراف النزاع، وبصدد حل النزاع القائم بينهما، وسواءً كان صادراً في نهاية الخصومة، أو في أثناء سيرها، أو كان صادراً في موضوع الخصومة أو في مسألة إجرائية.
أوجه الشبه بين القرار التحكيمي والقرار القضائي
ويتشابهان بصياغة القرار حيث يتوجب كتابة القرار التحكيمي بالطريقة ذاتها التي يكتب بها القرار الصادر من المحكمة . وذلك لأن القرارات التحكيمية وخاصةً في العراق لا تنفذ إلا بقرار يصدر من المحكمة المختصة والتي بدورها تصدر قرارها على المصادقة باسم الشعب دائماً، لذلك فلا توجد حاجة لأن تصدر القرارات التحكيمية باسم الشعب أيضاً.
زيادة على ذلك يجب أن يكون القرار التحكيمي مكتوباً وهذا ما نصت عليه معظم القوانين والاتفاقيات الدولية .
وكذلك يجب أن تتوفر فيه جملة من الأمور هي ذاتها الواجب توافرها في القرار الصادر من المحكمة، فمثلاً يتوجب أن يكون القرار التحكيمي مسبباً في العادة إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك ) ، كما يتوجب كذلك أن يكون القرار القضائي مسبباً ، وكذلك يجب أن يحوي القرار التحكيمي على أسماء المحكمين وتواقيعهم، كما يجب أن يحوي القرار القضائي على أسماء القضاة وتواقيعهم، وكما يجب أن يُتخذ القرار القضائي بالإجماع) كذلك يُتخذ القرار التحكيمي ، ويجب إبراز رأي العضو المخالف في كلتا الحالتين، وأيضاً يجب أن تُذكر في القرار التحكيمي الإدعاءات والمستندات والدفوع، وذاتها يجب توافرها في القرار القضائي ، ويُعد تدوين القاضي لتاريخ صدور القرار واسم المحكمة من الأمور التي يؤكد عليها قانون المرافعات المدنية ، لأنها تعد من المسائل المهمة إذ تكمن أهميتها. عند التنفيذ، وكذلك عند تقديم الطعون؛ لذلك نجد أن أغلب القوانين شددت وذكرت هذه المسائل بالنسبة للتحكيم أيضاً، ولقد قضت محكمة النقض المصرية بأن تاريخ صدور الحكم هو من البيانات الجوهرية وخلو الحكم الإبتدائي من هذا البيان يؤدي إلى بطلانه ، وكذلك نرى التشابه بين القرارين في مسألة تصحيح الأخطاء المادية في القرارات إذ يحق لمن أصدر القرار أن يصححه بناءً على طلب مقدم من الطرفين أو من أحدهما .
أوجه الاختلاف بين القرار التحكيمي والقرار القضائي
أى لابد من استحصال إذن من المحكمة المختصة، إذ يقع على كاهل المحكمة واجب المصادقة على القرار التحكيمي بعد تقديم الطلب إليها ودفع الرسوم المقررة من قبل أحد الطرفين، أما في حالة رفض المصادقة على القرار التحكيمي فهنا سترفض دوائر التنفيذ تنفيذ القرار، هذا ما يفهم من نص المادة (272) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة 1969 ، أما قرار القاضي فيكون حائزاً على القوة التنفيذية متى ما أستنفذة مدة الطعن المقررة في القانون.
ولأن القاضي موكل من السلطة العامة ولأن واجب القضاء هو حل النزاع، إذاً فما عدا القضاء من طرق حل النزاع الأخرى كالتحكيم، والصلح والتوفيق كلها تعد حلولاً بديلةً يملكها الأطراف في بعض الأحيان وفي بعض المسائل المحددة من قبل القانون، لذلك يُعد قرار القاضي هو الأعلى مرتبة إذ لا يجوز إبطاله من قبل المحكم، فالقاضي وحده يملك سلطة إبطال القرار التحكيمي، ولا يملك المحكم مثل هذه السلطة، هذا ما يستشف من نص المادة (274) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة (1969) والتي تنص على: (يجوز للخصوم عندما يطرح قرار المحكمين على المحكمة أن تتمسك ببطلانه وللمحكمة من تلقاء نفسها ان تبطله....
ويوجد فرق آخر بين القرار التحكيمي والقضائي يبرز عند الطعن فطرق الطعن بالنسبة للقرارات القضائية هي: الإعتراض على الحكم الغيابي، الاستئناف، إعادة المحاكمة التمييز ، تصحيح القرار التمييزي إعتراض الغير، حسبما منصوص عليه في قانون المرافعات المدنية العراقي رقم (83) لسنة (1969) في المادة (168) ، أما بالنسبة لطرق الطعن المتعلقة بالقرارات التحكيمية ، فهنا لابد أن نفرق بين الطعن بالقرار التحكيمي ذاته أمام المحكمة المختصة، وبين الطعن الخاص بالحكم الذي تصدره المحكمة حول القرار التحكيمي، فبالنسبة للأول يكون بالتمسك ببطلان القرار التحكيمي أمام المحكمة المختصة، وللمحكمة إبطال القرار من تلقاء ذاتها في حالات أربع ، أشارت إليها المادة (273) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969 وهي (1- إذا كان قد صدر بغير بينة تحريرية أو بناءً على اتفاق باطل أو إذا كان القرار قد خرج عن حدود الاتفاق. 2- إذا خالف القرار قاعدة من قواعد النظام العام، أو الآداب، أو قاعدة من قواعد التحكيم المبينة في هذا القانون. 3- إذا تحقق سبب من الأسباب التي يجوز من أجلها إعادة المحاكمة 4 إذا وقع خطأ جوهري في القرار، أو في الإجراءات التي تؤثر في صحة القرار.
أما بالنسبة للثاني أي الطعن الخاص بالحكم الذي تصدره المحكمة حول القرار التحكيمي، فيتم بإتباع الطرق الخاصة للطعن بالأحكام القضائية عدا الإعتراض، فالطعن في هذه الحالة يكون مُنصَبَّاً على الحكم الذي تصدره المحكمة المختصة حول القرار التحكيمي هذا ما أشارت له المادة (274) من قانون المرافعات المدنية العراقي رقم 83 لسنة 1969.
ويذكر ان قانون الاونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر سنة 1985 والمعدل في سنة 2006 ، كان قد حدد طريقة واحدة للطعن الا وهي الإلغاء وذلك في المادة (34) منه، ويتم الطعن بواسطة هذه الطريقة متى ما تحققت أي من حالات الإلغاء المنصوص عليها في المادة ذاتها، ومما تجدر الاشارة اليه ان الأسباب التي أوردتها هذه المادة هي الأسباب ذاتها المنصوص عليها من قبل اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الاجنبية وتنفيذها (نيويورك (1958) وذلك في مادتها الخامسة.