نقصد هنا بالمضمون هو الكيفية التي قرر المحكمون فيها تسوية النزاع ويطلق عليه ايضا مصطلح منطوق الحكم أي الفقرة الخاصة بالحكم على احد اطراف النزاع وما يجب ان ينفذ لمصلحة الطرف المحكوم له أو ما يجب أن يقوم به كلا من الطرفين لكي ينتهي النزاع ويأخذ كل ذي حق حقه. وعليه فإن القرار يتضمن الفصل في جميع المسائل المعروضة على التحكيم . اما اذا اغفل القرار بعض المسائل التي كان على المحكمين حسمها فإن القرار يعتبر ناقصا ويمكن لكل طرف ان يطلب من المحكمين اكمال النقص باصدار قرار تكميلي او اضافي وكذلك الحال بالنسبة لتصحيح الاخطاء المادية التي يمكن ان ترد في القرار، ويمكن الطلب من المحكمين ايضا تفسير القرار الذي اصدروه وهذا ما جاء في المادة (١٤٧٥) من قانون المرافعات الفرنسي.
كذلك نص قانون اصول المحاكمات المدنية اللبنانية في المادة (۷۹۲) منه على ذلك بقوله «بصدور القرار التحكيمي تخرج القضية من يد المحكم مع ذلك تبقى للمحكم صلاحية تفسير القرار وتصحيح ما يقع فيه من سهو او اغلاط واكماله في حالة اغفاله الفصل باحد الطلبات وتطبق في هذا الصدد احكام المواد ٥٦٠ الى ٥٦٣».
وحدد القانون الاسباني مدة خمسة ايام تبدأ من تاريخ ابلاغ قرار التحكيم لكل طرف في النزاع ليطلب تصحيح الاخطاء الحسابية او تفسير الامور الغامضة او اكمال النقص او الاهمال الموجود في القرار.
الا ان قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة القانون التجاري الدولي كانت اكثر وضوحا حيث جاء في المادة (۳۷) منها وتحت عنوان قرار التحكيم الاضافي ما يأتي:
1- يجوز لكل من الطرفين ان يطلب من هيئة التحكيم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تسلمه قرار التحكيم بشرط اخطار الطرف الاخر بهذا الطلب ان تصدر قرار تحكيم اضافي استجابة لطلبات كانت قد قدمت خلال اجراءات التحكيم ولكن قرار التحكيم اغفلها.
2- إذا رأت هيئة التحكيم ان لطلب القرار الاضافي ما يبرره وانه من الممكن تصحيح الاغفال الذي وقع دون حاجة الى مرافعات جديدة او تقديم ادلة اخرى وجب ان تكمل قرارها خلال ستين يوما من تاريخ تسلم الطلب». وقد اكدت الفقرة الثالثة من هذه المادة على اتباع نفس طريقة كتابة القرار التحكيمي ومحتوياته في قرار التحكيم الاضافي. كما ورد نص مماثل في المادة (۳۳) من القانون النموذجي للتحكيم.
ويلاحظ ان بعض القواعد التحكيمية او القوانين لم تنص على هذا الامر بالنسبة لقرار التحكيم ولكننا نرى أنه اذا صدر قرار التحكيم فيجوز اجرء التصحيح او اصدار القرار الاضافي اواعطاء التفسيرات للقرار على ان يكون ذلك خلال المدة التي يجب فيها اصدار القرار وقبل ابداعه المحكمة المختصة . اما بعد ذلك فيجوز لكل من الاطراف ان يطلب من جديد اجراء عملية تحكيم جديدة لحسم الامور التي كان قد اغفلها القرار الاول او اجراء التصحيح او ان يطلب من المحكمة المختصة اجراء التصحيح او الطلب الى المحكمين تفسير ما جاء في حكمهم. وكل ذلك يرجع الى القانون الواجب التطبيق على الاجراءات وكذلك قانون البلد الذي يراد تنفيذ قرار التحكيم فيه .
تبقى هناك مسألة أخرى كثر التساؤل عن دخولها ضمن الامور التي يجب على المحكمين اتخاذ قرار بشأنها أم لا؟ وبعبارة اخرى هل تدخل ضمن قرار التحكيم مسألة المصاريف واجور المحكمين أم لا؟ فبالنسبة لمصاريف التحكيم جرت العادة على ان يتضمن قرار التحكيم مقدار المصاريف الخاصة بعملية التحكيم وهل يتحملها احد اطراف النزاع ام يتم توزيعها بين الاطراف وما هي نسبة تحمل كل طرف من المجموع. وتشمل مصاريف التحكيم كما حددتها الفقرة الثانية من المادة (۲۰) من قواعد التحكيم للغرفة التجارية الدولية أتعاب المحكم والنفقات الادارية التي حددتها هيئة التحكيم وفق الجدول المرفق بالقواعد المذكورة ومصاريف المحكم المحتملة واتعاب الخبراء ومصاريفهم في حالة اللجوء الى الخبرة والمصاريف العادية التي انفقها الطرفان لدفاعهما كاصدار الوثائق ونفقات الترجمة . هذا في التحكيم المؤسسي حيث الامر يبدو سهلا ذلك لان المصاريف الادارية واجور المحكمين محددة مسبقا وفق الجداول المرفقة بقواعد المؤسسة التحكيمية ويضاف اليها مصاريف التنقل والكشف ما تقضيه اجراءات التحكيم.
والخبراء حسب
وقد اجمل القانون الاسباني الجديد الصادر في ۱۹۸۸/۱۲/٥ هذه الامور في المادة (٩٣٥) منه حيث جاء نصها كالآتي:
يصرح المحكمون في القرار عن مصاريف التحكيم والتي تشمل اجور المحكمين والنفقات التي تكبدوها ، والمصاريف الخاصة بتوثيق قرار التحكيم)، والترجمة ونفقات التبليغ والنفقات الادارية الخاصة بالأدلة، وعند الاقتضاء المبلغ الذي يمثل مقابلا للخدمات المقدمة من المؤسسات والجمعيات التي عهد اليها تنظيم عملية التحكيم.
وفي الفقرة الثانية من هذه المادة بين القانون المذكور كيفية توزيع المصاريف بين الطرفين فنص في حالة عدم اتفاق الطرفين على كيفية توزيعها. على أن يتحمل كل طرف المصاريف المترتبة نتيجة لطلبه، أما المصاريف المشتركة -Les Frais Com muns فتقسم بالتساوي . الا اذا وجد المحكمون لدى احد الاطراف سوء نية أو مبالغة في ذلك.
ويمكننا القول ان مصاريف التحكيم قد تذكر في قرار التحكيم اذا كانت القواعد التحكيمية او القانونية المتبعة في التحكيم تنص على ذلك فإذا كان في تلك القواعد ما يشير الى كيفية توزيع مصاريف التحكيم فعلى المحكمين اتباع ذلك او اتباع ما جاء في اتفاق التحكيم في هذا الصدد، والا فان المحكمين لهم السلطة التقديرية في كيفية توزيع المصاريف ويذكر ذلك في القرار.
ومن المفيد في هذا الصدد أن نورد نص المادة (۳۸) من قواعد التحكيم للاونسترال لانها بينت بوضوح ان هيئة التحكيم تحدد في قرارها مصروفات التحكيم.
كما بينت المادة المذكورة الامور التي يشملها مصطلح المصروفات وهي كالآتي:
1- اتعاب المحكمين، وتتولى هيئة التحكيم تقدير هذه الاتعاب بنفسها وفقا لاحكام ل المادة ،۳۹ ، وتبين ما يخص كل حكم على حدة من هذه الاتعاب.
2- نفقات انتقال المحكمين وغيرها من النفقات التي يتحملونها .
3- مصروفات الخبرة وغيرها من المساعدات التي تطلبها هيئة التحكيم.
4- نفقات انتقال الشهود وغيرها من النفقات التي يتحملونها الى القدر الذي تعتمده هيئة التحكيم من هذه النفقات.
5- مصروفات النيابة القانونية والمساعدة التي يتحملها الطرف الذي كسب الدعوى. شريطة ان تطلب هذه المصروفات اثناء اجراء التحكيم، وألا يتجاوز مبلغها القدر التي تراه هيئة التحكيم معقولا.
6-أي اتعاب ومصروفات لسلطة التعيين وكذلك مصروفات الامين العام لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي.
ونضيف ان الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري تشير ايضا الى ان قرار التحكيم يتضمن الى جانب الامور الأخرى، مصاريف التحكيم والطرف الذي يتحمل تلك المصاريف والاتعاب كليا أو جزئيا (المادة ١/٣٢).
يبقى لنا ان نستعرض مسألة كيفية تقدير اجور او اتعاب المحكمين وما هي الجهة التي تقوم بتقديرها . وقد وجدنا في النصوص السابقة ان الاجور المذكورة تعتبر جزءا من مجموع مصاريف التحكيم، وكما قلنا سابقا ان مثل هذه الامور يمكن معرفتها مقدما وبسهولة في حالة قيام احدى المؤسسات التحكيمية بتنظيم عملية التحكيم ذلك لان قواعد المؤسسة المذكورة تبين مقدار المكافأة والاجور التي تدفع الى المحكمين وتقدر بنسبة مئوية من قيمة الدعوى المعروضة على التحكيم.
أما في التحكيم الخاص والذي لا يتم بواسطة مؤسسة ففي الغالب تحدد اجور المحكمين بالاتفاق مع اطراف النزاع ولكن قد لا يتم الاتفاق مقدما على مقدار الاجرة التي ستدفع الى المحكمين، ففي هذه الحالة هل يجوز للمحكمين ان يقدروا أو يحددوا لانفسهم الاجرة في قرار التحكيم؟
وتنص بعض القوانين والقواعد التحكيمية على إمكانية قيام المحكمين بتقدير اجرتهم وتضمينها قرار التحكيم. وهذا ما وجدناه في نص المادة (٣٥) من القانون الاسباني والمادة (۳۸) من قواعد التحكيم للاونسترال والمادة (۳۲) من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري ونضيف ان المادة (۱۹) من القانون الاردني الخاص بالتحكيم تنص على انه يترك لرأي المحكمين والفيصل تقدير اتعابهم ومصاريف التحكيم..... ولكن كيف يتم تقدير ذلك من قبل المحكمين وما هي الاسس التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار؟
اوضحت ذلك المادة (۳۹) من قواعد التحكيم للاونسترال حيث جاء في الفقرة الأولى منها يجب ان يكون المبلغ الذي يقدر نظير اتعاب المحكمين معقولا وان يراعى في تقديره حجم المبالغ التي يدور حولها النزاع ومدى تعقيد الدعوى، والوقت الذي صرفه المحكمون في نظرها وغير ذلك من الظروف المرتبطة بها».
واضافت في فقراتها التالية ما يفيد بأنه في حالة وجود سلطة التعيين ففي هذه الحالة اذا كانت السلطة المذكورة قد اصدرت جدولا باتعاب المحكمين في القضايل الدولية وجب على المحكمين اتباع ذلك عند تقدير اتعابهم اما اذا لم يكن هناك مثل الجدول المذكور فيجوز لكل طرف في النزاع ان يطلب من سلطة التعيين الاسس التي تتبع عادة في تقدير الاتعاب في القضايا الدولية .... وعلى هيئة التحكيم أن تأخذ بنظر الاعتبار تلك الاسس عند تقديرها لاتعابها .
لكن اذا وجد الطرفان المتنازعان أن أجرة المحكمين المقدرة من قبل هؤلاء مبالغ فيها فهل يجوز لكل منهما ان يطلب من المحكمة النظر في مدى مطابقة تلك الاجور مع ما يجب دفعه في الحالات المماثلة الى المحكمين؟
غير ان هناك قواعد قانونية لا تسمح للمحكمين تقدير اجورهم بأنفسهم في حالة عدم اتفاق اطراف النزاع على ذلك وانما يترك الامر الى المحكمة. فقد جاء في المادة (٢٧٦) من قانون المرافعات المدنية العراقي تحدد اجور المحكمين باتفاق الخصوم عليها في عقد التحكيم او في اتفاق لاحق والا فتحددها المحكمة المختصة بنظر النزاع في حكمها او بقرار مستقل يقبل التظلم والطعن تمييزا وفقا لما هو مقرر في المادتين ١٥٣ و ٣١٦ من هذا القانون». كما ان القضاء العراقي يقرر ان من خسر الدعوى يتحمل مصاريف التحكيم .