وعندما يصرح في صدر الحكم بأن الحكم قد أصدره القاضي باسم الشعب أو باسم الأمة إنما يؤكد بذلك الولاية العامة للقضاء والسلطة التي يستند اليها في إصدار أحكامه التي يجب احترامها وتنفيذها من كافة الأشخاص والمؤسسات.
أما المحكم فكما نعلم يستمد سلطته من أطراف النزاع الذين اختاروه بمحض ارادتهم لكي يقوم بمهمة حسم النزاع وقد يفوضونه بإجراء الصلح فعندئذ يصدر قراراً بالصلح أو أن يطلبوا منه حسم النزاع بالكيفية التي اتفقا عليها . وعندئذ يصدر قراراً بالتسوية أو قد يترك للمحكم حسم النزاع طبقا للقواعد العامة في التحكيم وعندئذ تجري المرافعة ويصدر المحكم قراراً نهائياً مبنياً على أسس قانونية من حيث الموضوع والإجراءات.
فأساس السلطة القضاء هي الدولة وأساس السلطة في التحكيم هي إرادة الأطراف المتنازعة حتى في حالة تعيين المحكمين من قبل المحكمة فالأساس هي إرادة الطرفين التي تم بها اختيارهم وتصدر القرارات باسمهم وليس باسم السلطة العليا في البلاد.
أما بالنسبة لتنفيذ القرار أو الحكم التحكيمي فلو كان بمستوى الحكم القضائي لتم تنفيذه بنفس الكيفية التي يتم بها الحكم الذي يصدره القاضي. غير أننا نجد أن القرارات التحكيمية وبصورة عامة لا يمكن تنفيذها إلا بعد إضفاء الصفة التنفيذية عليها ولا يتم ذلك إلا من قبل القضاء المخول باسم السلطة العليا لكي يأمر بتنفيذ الأحكام. وهذا الاجراء لا يقتصر على تنفيذ القرارات الأجنبية أو الدولية بل القرارات المحلية ايضاً.
يضاف الى ما تقدم أننا لم نجد في نماذج قرارات التحكيم المنشورة ما يفيد صدورها باسم السلطة العليا في البلاد التي صدرت فيها ، ولا يمكن ان نتصور في مجال التحكيم الدولي عند اجراء التحكيم في دولة ما ليس لها صلة بالعقد (موضوع النزاع ولا بأطراف النزاع ولا بالقانون الواجب التطبيق على النزاع. أو عند اجتماع المحكمين في تلك الدولة بسبب اختياره كمكان للتحكيم من قبل الطرفين. نقول لا نتصور أن يصدر القرار التحكيمي الدولي باسم السلطة العليا في تلك الدولة. فمن الذي خول المحكم أن يصدر القرار التحكيمي الدولي باسم السلطة العليا في تلك الدولة القاضي يمارس عمله بموجب القواعد القانونية التي تنظم العمل القضائي في البلاد. أما في حالة التحكيم فالأساس هو ما أراده الطرفان ولهما الحرية في الاتفاق على الكيفية التي يجري فيها التحكيم. أما قول الاستاذ ابو الوفا عن خلو نموذج أحكام التحكيم الموجودة في المؤلفات الفرنسية من ذكر صدورها باسم السلطة العليا في البلاد لأن ذلك من المسلمات فلا نعتقد أن ذلك هو المقصود، بل ان العكس هو الصحيح وهو دليل على أن قرارات التحكيم لا تصدر باسم السلطة العليا في البلاد.
وأخيراً نشير الى أن ذهاب القوانين كالقانون العراقي الى النص بأن قرار التحكيم يكتب بنفس الطريقة التي تكتب بها الأحكام لا يعني مطلقاً أن القرار يصدر باسم السلطة العليا وانما المقصود من ذلك أن يتضمن القرار نفس الفقرات التي يحتوي عليها الحكم من حيث أسماء الأطراف والشخص الذي أصدر القرار وموضوع النزاع وأسباب الحكم وتاريخه ومكانه وتوقيع من أصدره.
ولا يفوتنا القول بأن أياً من قواعد التحكيم الدولية التي تحدد اجراءات التحكيم مشتملات قرارات التحكيم لم تتطرق الى وجوب اصدار القرار من قبل المحكم باسم السلطة العليا في البلاد التي تعتبر مكاناً للتحكيم، حيث لا يحق لمثل تلك القواعد التي لم تضعها الدولة أن تنص على مثل هذا الأمر.
وبناء عليه فسوف نعالج الآن محتويات القرار التحكيمي حيث نلاحظ أن النصوص القانونية والدولية التي تتعلق بالتحكيم تعدد محتويات القرار أو الحكم التحكيمي. فمثلاً نجد قانون المرافعات العراقي ينص على ذلك في الفقرة الثانية من المادة ۲۷ منه والتي جاء فيها يجب أن يشتمل القرار بوجه خاص على ملخص اتفاق التحكيم وأقوال الخصوم ومستنداتهم وأسباب القرار ومنطوقه والمكان الذي صدر فيه وتاريخ صدوره وتواقيع المحكمين وهناك نص مماثل في قانون المرافعات البحريني (المادة (۲۳۹) وفي قانون اصول المحاكمات السوري المادة (٥٢٦) وفي قانون المرافعات الليبي المادة (٧٦٠) . أما قانون المرافعات الفرنسي فينص في المادة (١٤٧٢) منه على أن قرار التحكيم يشتمل على الأمور الآتية:
أسماء المحكمين الذين أصدروه
تاريخ اصداره
أسماء الأطراف، ومحل اقامتهم أو تسميته ومركز الشرطة.
أسماء المحامين أو الاشخاص الذين مثلوا الأطراف او ساعدوا الأطراف.
علماً بأن المادة السابقة المادة (١٧٤١ قد نصت على أن قرار التحكيم يجب أن يتضمن موجزاً لادعاءات الطرفين ومستنداتهم والأسباب التي أدت الى إصدار القرار. أما القانون البلجيكي فينص في المادة (۱۰۷۱) فقرة (٥) على أن قرار التحكيم يتضمن:
أ - أسماء المحكمين وعناوينهم الدائمة.
ب - أسماء الأطراف وعناوينهم الدائمة.
جـ - موضوع النزاع.
د- تاريخ اصدار القرار.
و- مكان التحكيم ومكان اصدار القرار .
يضاف الى ذلك اسباب الحكم.
واذا رجعنا الى القانون الاسباني نجد ان المادة (۳۲) تنص على أن القرار التحكيمي يجب ان يتضمن على الاقل معلومات عن المحكمين وعن الأطراف وعن مكان اصدار القرار وكذلك عرض للنزاع المعروض على التحكيم، وموجز لادلة الاثبات المقدمة، وادعاءات الاطراف، وقرار التحكيم
تلك بعض الامثلة من القوانين العربية والقوانين الاجنبية، أما عن القواعد التحيكيمة الدولية فقد جاء في الفقرة الرابعة من المادة (۳۲) من قواعد الاونسترال ما يأتي:
يوقع المحكمون القرار، ويجب ان يشتمل على تاريخ صدوره والمكان الذي صدر فيه علما ان الفقرة الثالثة من المادة المذكورة تنص على وجوب تسبيب القرار الا اذا كان الطرفان قد اتفقا على عدم تسبيبه . كذلك جاء في القانون النموذجي للتحكيم في المادة (۳۱) منه وتحت عنوان شكل قرار التحكيم ومحتوياته النص التالي:
1- يصدر قرار التحكيم كتابة ويوقعه المحكم او المحكمون، وفي اجراءات التحكيم التي يشترك فيها أكثر من محكم ،واحد ، يكفي ان توقعه الأغلبية أو جميع اعضاء هيئة التحكيم شريطة بيان سبب غيبة اي توقيع.
2- يبين في قرار التحكيم الاسباب التي بني عليها القرار. ما لم يكن الطرفان قد اتفقا على عدم بيان الاسباب او ما لم يكن القرار قد صدر بشروط متفق عليها بمقتضى المادة (۳۰).
3 - يجب ان يبين القرار تاريخ صدوره ومكان التحكيم المحدد وفقا للفقرة (۱) من المادة ( ۲۰ ) ويعتبر قرار التحكيم صادرا في ذلك المكان .
وقبل ان ننتهي من النصوص التي تشير الى محتويات قرار التحكيم نجد من المفيد ان نشير الى نص الفقرة الأولى من المادة (۲۲) من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري حيث جاء فيها يجب ان يكون القرار مسببا وان يتضمن اسماء المحكمين والطرفين وتاريخ القرار ومكان صدوره وعرضا مجملا لوقائع الدعوى وطلبات الخصوم وخلاصة موجزة لدفوعهم ودفاعهم والرد عليها والطرف الذي يتحمل المصاريف والاتعاب كليا أو جزئيا.
بعد عرض هذه الامثلة من النصوص الوطنية والدولية التي تحدد مشتملات القرار التحكيمي وبعد استعراضنا للنصوص في هذا المجال واطلاعنا على نماذج عديدة لقرارات تحكيمية .