فاكتفت بعض لوائح التحكيم بالنص على أنه في حالة عدم تحقق الإجماع يصدر الحكم بالأغلبية ومن ذلك قواعد تحكيم اليونسترال ، والقانون النموذجي للتحكيم ونظام تحكيم الهيئة الأمريكية للتحكيم ونظام تحكيم اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى وقد سار المشرع السوداني على نهج اليونسترال.
نجد أن نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية ينص على أنه إذا عين ثلاثة محكمين صدر الحكم بالأغلبية فإذا لم تتوافر أصدر رئيس المحكمة الحكم بمفرده ، وكذلك لائحة تحكيم غرف التجارة الأوروبية، ولائحة تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي والمشرع الفرنسي في التحكيم الدولي ، والمشرع السويسري في القانون الفيدرالي المتعلق بالقانون الدولي الخاص والاسباني في قانون التحكيم، والإماراتي في القانون الاتحادي رقم (6) لسنة 2018م بشأن التحكيم، واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لسنة 1987م والتي دخلت حيز التنفيذ في 1992م .
كان المشرع المغربي قبل صدور قانون (05- 08 لعام 2007م) يتبنى فكرة المحكم من الغير فقد أورد في قانون المسطرة المدنية لسنة 1974م في حالة عدم اتفاق المحكمون على حل النزاع المعروض عليهم وكان الأطراف قد اتفقوا عند إقامة عقد التحكيم أو الشرط التحكيمي على أن المحكمين في هذه الحالة يلجئون إلى محكم من الغير للفصل بينهم عينه هؤلاء، فإذا لم يتفقوا على تعيينه حرروا محضرا بذلك وعين حينئذ بناء على طلب من يبادر بذلك بأمر يصدره رئيس المحكمة الذي قد يكون مختصا في إصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين ولا يقبل هذا الأمر أي طعن ويلتزم المحكمون المختلفون بتحرير آراءهم المعللة في محضر واحد أو في محاضر مستقلة ، وإذا لم ينص على أي شرط في عقد التحكيم أو في العقد الذي عين فيه من يحكم من الغير التزم هذا الأخير بالبت خلال الشهر الموالي لقبوله، ويحاط من يُحكم من الغير بالموضوع من خلال رأى المحكمين المختلفين وفي الاجتماع الذي يعقده معهم ويمكن له علاوة على ذلك أن يأمر بإجراءات تحقيق جديدة إلا أنه يتعين عليه الاقتصار على تحديد الرأي الذي يفضله على بقية الآراء والإفصاح في حكمه على الاختيار الذي انتهى إليه ولو بمفرده في غيبة المحكمين الذين أنذروا لحضور الاجتماع .
أحاط المشرع المغربي فكرة المحكم من الغير في قانون المسطرة المغربية لسنة (1974) بمجموعة ضوابط تكفل عدالة الحكم التحكيمي تحافظ في ذات الوقت على ميزة السرعة في البت في النزاع فالرأي الذي يتخذه هذا المحكم يكون خلال شهر واحد فقط من تاريخ تعيينه، كما أن القرار بتعيين هذا المحكم الذي تصدره المحكمة غير قابل للطعن، ونجد أن فكرة المحكم من الغير أفضل من فكرة إصدار الرئيس الحكم بمفرده فالعدالة مأمولة فيها أفضل من فكرة إصدار الرئيس للحكم منفردا ، إلا أن المشرع المغربي وللأسف لم يأخذ بفكرة المحكم من الغير في قانون التحكيم الذي أصدره في عام( 2007م) بنسخه وتعويضه للباب الثامن بالقسم الخامس من قانون المسطرة المدنية.
أن المشرع السوداني لم يعالج مسألة عدم توافر الأغلبية اللازمة من المحكمين لصدور الحكم التحكيمى عندما يكون تشكيل هيئة التحكيم بأكثر من محكم .
رفض أحد المحكمين الاشتراك في المداولة:
في بعض الأحيان وللأسف الشديد قد يسعى أحد المحكمين لتعطيل صدور الحكم التحكيمي أو منع صدوره وذلك عندما يتبين أن رأي عضو الهيئة الآخر أو رئيس الهيئة ضد الطرف الذي اختاره محكما.
هذا المسلك قد عالجته بعض لوائح محاكم التحكيم الدولية والتشريعات الوطنية باتخاذ قاعدة ثابتة مفادها إذا رفض المحكم الاشتراك في المداولة بعد منحه فرصة معقولة للمشاركة كان لباقي المحكمين المضي في عملية التحكيم وإصدار الحكم بدونه ومن تلك اللوائح لائحة مركز لندن للتحكيم الدولي ، ولائحة جمعية التحكيم الأمريكية ولائحة المنظمة العالمية للملكية الفكرية ولائحة التحكيم بغرفة تجارة إستوكهولم ولائحة مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي .
من التشريعات التي عالجت مسألة امتناع أحد المحكمين في الاشتراك في المداولة قانون المرافعات الألماني الذي نص على أنه في حالة رفض محكم الاشتراك في المداولة يكون للمحكمين المضي بمفردهما وإصدار الحكم إلا أن هذا الحل مقيد بإخطار الأطراف به قبل تنفيذه وذلك بهدف أن ينجح الأطراف من إقناع المحكم الرافض الاشتراك في المداولة أو عزله أو استبداله وقانون المرافعات النمساوي نص على ذات الحل الذي أخذ به القانون الألماني.
ما تبناه كلا القانونين الألماني والنمساوي وإن كان من المفهوم أن يتم إخطار الأطراف بغرض نجاحهم في إقناع المحكم الرافض للاشتراك في المداولة أما مسالة خيارات العزل والاستبدال فهذه مرحلة فات أوانها وفيها أيضا نوع من التعطيل لإجراءات التحكيم والاوفق أن يقف الأمر عند الإخطار لأغراض الإقناع فقط دون العزل أو الاستبدال.
أن المشرع السوداني لم ينص صراحة على مسألة رفض أحد المحكمين من الاشتراك في المداولة إلا أنه من الناحية العملية ليس هناك ما يمنع باقي المحكمين من المضي في عملية التحكيم وإصدار الحكم بدونه بعد منحه فرصة معقولة للمشاركة فصدور الحكم بالأغلبية بموجب نص المادة (34) من قانون التحكيم يسع ضمنيا مسألة صدور الحكم بباقي أعضاء الهيئة التحكيمية في حالة امتناع المحكم من المشاركة في المداولة.
فإذا لم تتم مداولة قبل إصدار الحكم فإن الحكم يكون باطلا لمخالفته لإجراء أساسي من إجراءات صدور الحكم لارتباط المداولة بالنظام العام فهي فحص ومراقبة ودراسة وتدقيق لوجهة نظر كل من طرفي النزاع المطروح وتداول الآراء حولها، وانطلاقا من هذا الاعتبار فهي تنشد ضمان حماية حقوق الأطراف.