معني المداولة، أن يتبادل المحكمون - فيما بينهم – الرأي بالنسبة للوقائع المعروضة عليهم، والقواعد الواجبة التطبيق والقرار الذي ينتهي إليه كل منهم بالنسبة لتطبيق القانون علي تلك الوقائع والنتيجة التي يخلصون إليها حسماً للنزاع .
وعلي الرغم من أهمية المداولة وضرورتها فإنه نادراً ما تعني تشريعات التحكيم بتنظيمها أو حتى النص عليها وهكذا لم يتناولها القانون النموذجي لليونسترال، وسكت عنها القانون الألماني والقانون الهولندي - وفي فرنسا - نص عليها قانون المرافعات الجديد دون بيان كيفية ممارستها، وفي مصر نص عليها قانون التحكيم في المادة 40 منه وترك لهيئة التحكيم تحديد طريقة إتمامها ما لم يتفق طرفا التحكيم علي غير ذلك، إذ تنص المادة 40 من قانون التحكيم المصري علي أنه «يصدر حكم هيئة التحكيم المشكلة من أكثر من محكم واحد بأغلبية الآراء بعد مداولة تتم علي الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم، ما لم يتفق طرفا التحكيم علي غير ذلك، فيلزم أن تتم المداولة قبل إصدار الحكم علي الوجه الذي تحدده هيئة التحكيم ما لم تتفق الأطراف علي خلاف ذلك.
ويجب أن تتم المداولة بين جميع المحكمين وإلا كان الحكم باطلاً بطلاناً يؤثر في الحكم ، فإذا رفض أحد المحكمين الاشتراك في المداولة لتعطيل إصدار حكم التحكيم، أو منع صدوره - خصوصاً في حالة اتجاه رأى زميليه إلي إصدار حكم في غير صالح الطرف الذي اختاره محكماً - فإن هذا المسلك يعد مخالفاً لالتزام المحكم بإصدار حكم التحكيم، وعدم الامتناع عن المشاركة في المداولة بقصد منع صدوره، كما يخالف مبادئ الأخلاق وحسن النية، لذلك فقد ذهب بعض الفقهاء إلي عدم الاعتداد بامتناع المحكم عن المشاركة في المداولة ما دام كان يستطيع الاشتراك في المناقشات بين المحكمين، وفي إعداد الحكم دون عائق مقبول، وفي هذا الاتجاه ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلي أنه وإن كان عدم إجراء المداولة يعتبر إخلالاً بمقتضيات حقوق الدفاع، إلا أن مثل هذا الإخلال لا يتحقق في حالة امتناع المحكم صاحب الرأي المخالف عن إبداء ملاحظاته المفيدة بشأن التعديلات المقترح إدخالها علي مشروع الحكم، مادام قد أتيحت له فرصة إبداء جميع ملاحظاته المذكورة، وكذلك نصت المادتان ،12 26 / 2 من لائحة محكمة لندن للتحكيم الدولي علي أنه إذا رفض المحكم الاشتراك في المداولة بعد منحه فرصة معقولة للمشاركة، كان لباقي المحكمين المضي في عملية إصدار الحكم بدونه، وبالمثل تقضي لائحة جمعية التحكيم الأمريكية AAA بأنه إذا امتنع المحكم عن الاشتراك في المداولة - في غير حالة عزله أو استقالته - كان لباقي المحكمين الخيار بين استكمال الإجراءات وإصدار الحكم بمفردهما أو طلب استبدال المحكم المذكور، وقد أخذت بذات الحل المادة 35 من لائحة تحكيم المنظمة العالمية للملكية الفكرية WIPO ، والمادة 232 من لائحة مجمع التحكيم بغرفة تجارة ستوكهولم.
فإذا تمت المداولة فإنه يجب ألا يشترك فيها غير المحكمين وأن تكون سرية، علي أن إفشاء سرية، المداولة لا يؤدي إلى بطلان الحكم، وإنما يؤدي إلي مسئولية المحكم المدنية.
ولم يفرض القانون المصري أو الفرنسي - كغيرهما من التشريعات الحديثة - شكلاً معيناً لإجراء المداولة ما لم يتفق طرفا التحكيم علي طريقة معينة لإجراء المداولة فإن لهيئة التحكيم تحديد شكل أو طريقة المداولة، إذ يمكن أن تتم المداولة بوسائل الاتصال الحديثة دون اجتماع المحكمين في مكان واحد عن طريق تبادل استمارات الاستبيان questionnaires أو المذكرات أو مشروعات الحكم، أو إجراء المداولة عن طريق التليفون أو الفاكس أو ال - Email أو التليكونفرانس أو الفيديو كونفرانس ويمكن أن تتم شفوياً أو كتابةً على أنه يُفضّل إثبات حصولها في مدونات حكم التحكيم كتابة، ذلك أنه في مثل هذه الحالة لا يجوز إثبات عدم حصول المداولة إلا باتخاذ طريق الطعن بتزوير الحكم المذكور - أما إذا أغفل الحكم بيان حصول المداولة، فإنه لما كان الأصل في الإجراءات أنها قد روعيت ومن ثم يكون عبء إثبات ما خالف ذلك علي عاتق مدعيه، وله أن يقيم الدليل علي ذلك بكافة طرق الإثبات مع ملاحظة ما في ذلك من صعوبات.