(الحكم التحكيمي المؤقت، والحكم التحكيمي النهائي) قد يتخذ المحكّم أثناء سير إجراءات التحكيم بعض القرارات التي تعالج بعض الأمور المتعلقة بالتحكيم وهي قرارات لا تحسم النزاع نهائياً بل تتعلق بأمور تمهيدية وأمور جزئية وما يُسمّى بالقرارات الإعدادية.
إن هذه المسألة يفصل فيها عن طريق الحسم المتتابع، أي بجزء من الموضوع المطروح بالنظر إلى الطبيعة المؤقتة لتلك المسألة المثارة وعلى هامش الموضوع الأساسي إلا أنه لا يمكن هذا الموضوع بدون حل ما طرأ على هامشه؛ فيبقى التحكيم حسم معلقا حتى حل المشكلة العارضة.
هذا المسلك يحتاج إلى الإيضاح، كونه يعتبر معوّقاً لسير العملية التحكيمية، كما قد يثير نوعاً من التوفيق بين الأطراف حول النقاط المتنازع فيها والتي تبقى معلقة.
مثل هذا الحكم يمكن أن يكون دائماً محلاً للطعن المباشر من حيث المبدأ وأمام المراجع القضائية الرسمية، ... ولكن في أي إطار يمكن للمحكم الإستمرار في إجراءات التحكيم بالنسبة لأوجه الطلب التي لم يتم الفصل فيها؟؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، يجب المحكمين المطعون فيه خال تماماً من ما إذا كان حكم التمييز بين كل اختلاط إن الفرض الأكثر بساطة أن هو حكم التحكيم خال من كل الحالة وهي التي يفصل فيها المحكم، على سبيل المثال، في بعض أوجه الطلب، ويحتفظ بالفصل فيما بعد بالأوجه الأخرى والتي تقتضي إجراء التحقيق.
إن الإجابة هنا بسيطة، إذ أن الطعن الذي يُمارس ضد أوجه الطلب التي تم الفصل فيها لا يحول دون استمرار الإجراءات التحكيمية حول الطلبات الأخرى المطروحة والتي بقيت معلقة، وسير الإجراءات بها لا يشكل في الواقع تنفيذ حكم المحكمين المطعون فيه، وعليه فإن الأثر الواقف المترتب أو المرتبط بالطعن ليس له أثر . على أن هذا الحل يمكن التسليم به إلا مع مراعاة ملاحظتين:
- الأولى، إنه من المفضل الاحتفاظ بالفرض الذي يكون فيه حكم المحكمين موضوع للطعن بالإبطال المؤسس على عدم وجود اتفاق التحكيم أو على عدم صحة تشكيل محكمة التحكيم، فلا شيء بدون شك يتعارض مع استمرار محكمة التحكيم في نظر أوجه الطلب التي لم يفصل فيها، لأنه لا يمكن القول بأن إجراءه نوع من تنفيذ الحكم السابق للمحكمين، إنما إذا كان الدفع جدي، فإنه يُخشى أن يكون السير في الإجراءات مضيعة للوقت وازدياد النفقات؛ كما يُخشى أن تثار مشكلة دقيقة عندما يكون الطلب الذي لم يفصل فيه بعد متوقفاً على تلك التي فصل فيها بمقتضى حكم المحكمين الجزئي أو المؤقت؛ وهذه الحالة على سبيل المثال، عندما يكون الحكم التحكيمي المؤقت المطعون فيه قد قضى بفسخ الإتفاق، فإن المحكمين ينظرون الفصل فيما بعد بناء على النتائج التي يستخرجونها، فهل بإمكانهم الاستمرار في إجراءات التحكيم في الأوجه المتبقية من المسألة المطروحة للفصل؟ الموقف هنا يجب أن يكون إيجابياً، لأنه لا يمكن القول بأن يعني بوضوح اتباع هذه الإيجابية يمكن للمحكمين تنفيذ الحكم السابق، وهذا أن المشكلة ليس لها موضع بالمعنى الدقيق على صعيد القوة التنفيذية التي يمكن أن تكون معلقة على ممارسة الطعن، كما لا ينبغي إلغاء أو إبطال حكم المحكمين لأنه يُخشى أن يؤدي إلى إبطال الإجراءات اللاحقة وحكم المحكمين الذي يصدر في أعقابها.
الملاحظة الثانية؛ أنه في غالب الأوقات، إن أحكام المحكمين التي تفصل جزئياً في الموضوع تعد أحكام محكمين مختلطة "mixed Sentencies" والمثال التقليدي هو الحكم
ج - الحكم الفرعي الذي يفصل بمسألة إجرائية أخرى، ومن ذلك الحكم الصاد الخصومة التحكيم.
التحكيمي القاضي بمسؤولية المدعي مثلاً أو تعيين خبير فني الأطراف؛ وطبقاً للقيام بالإجراءات فإن في مثل هذه الحالة يمكن الطعن بالم بالبطلان بالنسبة للشكل مثلاً ، ولأجل ذلك فإن المشكلة تثار ونظر المسألة التالية: هل يمكن للهيئة التحكيمية أن تستمر في الإجراء بالنسبة لما تبقى من الطلب الذي لم يفصل بأوجهه بعد؟ في مثل هذه الحالة فإن وقف إجراءات التحكيم من فم المتصور تجنبها فمن ناحية إن الخبرة المجراة لا يمكن أن نظر إجراءاتها، طالما أن الطعن لم يفصل فيه كنتيجة الأثر الواقم المترتب على الطعن ؛
ومن جهة أخرى إن إجراءات التحكيم هي في حد ذاتي ستثقف تلقائياً لسبب أنها تتوقف على كل من نتائج الخبرة والقران الصادر في الموضوع والمتجسد في الحكم التحكيمي المطعون في وعليه فإن إجراءات التحكيم التي تظل قائمة تشكل تنفيذا لله موقع الأثر الواقف للطعن. المقرر بواسطة هذا الحكم المحال إلى المحكم، ويصبح عندها في وكل ما تقدم يشكل بالواقع معوقاً لسير العملية التحكيمية. ويمكن القول أن المشترع لم يفكر في هذه المشكلة، فضلا عن ذلك، فإنه يوجد محلاً للتفكير لاحتواء هذه المعوقات في منظمة أو مقررة لحلول متفاوتة، فالمشترع لا يمكن أن يكون لديه طموح في الإجابة فوراً على التفاوت اللانهائي للمشاكل التي يثيرها الممارسين.
وهنا يثار سؤال هام:
إنه في غفلة أو سكوت النصوص المتعلقة بإجراءات التحكيم في عدد من النقاط، فأي مبادىء يمكن الإستناد إليها الفكرة السائدة في هذا المجال هي الإستناد على إرادة الخصوم نظراً لأن العدالة التحكيمية هي أساساً عدالة اتفاقية، ومن الأخذ بعين الإعتبار بعض التوجهات في بعض قوانين أصول المحاكمات التحكيمية، نرى أن الأطراف يمكنهم بكل بساطة أن يقرروا استمرار الإجراءات بدون أن يكونوا ملتزمين ، ومطابقتها بالقواعد التي تجري عليها المحاكم الرسمية. ومن الواجب هنا البحث عما يقصد
الأطراف من وقف الإجراءات.... وفي الحقيقة، فإن هذا المبدأ لا يحل المشكلة أمام الصعوبات الإجرائية الملموسة، فإذا لم يتفق الفرقاء على شيء أو اتفقوا على بعض شيء وإذا لم يضع منذ البداية قواعد إجرائية محددة فليس من سبيل سوى الاستناد عند الضرورة إلى تشريع وطني لحسم هذه المشاكل المعترضة لعملية المحكم الصادر بحجية الشيء المقضي به أو بأهلية المتقاضين، إذ مثل هذه الأحكام لا تضع حداً التحكيم، أخذين بالاعتبار خصوصية «عالم التحكيم»، الرقابة على الحكم التحكيمي قبل صدوره بشكل نهائي: معوق آخر يثار أمام صدور الحكم التحكيمي بشكله النهائي وفي مرحلة ما قبل طلب تنفيذه أمام المراجع القضائية الرسمية المختصة؛ وهي مرحلة فحص حكم المحكمين بواسطة الهيئة التحكيمية المشرفة على العملية التحكيمية، وبعد ذلك أحد مظاهر تدخل الهيئات المنظمة للتحكيم في الخصومة المطروحة)، والرقابة هنا تبدو مستهجنة وغير مبررة لأنها موجهة في نتيجتها إلى قرار المحكمين بكلام ،أوضح فإن هيئة التحكيم لا يقتصر نشاطها على تنظيم التحكيم، وإنما تمد رقابتها على نتائج هذه الإجراءات، ألا وهو حكم المحكمين نفسه.
إن الرقابة المسبقة على حكم المحكمين يعهد بها في جميع الحالات إلى هيئة دائمة مشكلة من أعضاء معينين بواسطة هيئة التحكيم وبصفة عامة، يقع على كامل هذه «الهيئة عبء إدارة التحكيم ولكن واقع الحال أن يكون دورها الوحيد هو رقابة مضمون أحكام المحكمين الصادرة في داخل الغرفة أو المركز». وإعادة فحص القضية في ثاني درجة يعهد به أيضاً إلى هيئة منبثقة من مركز التحكيم أو غرفة التحكيم، إنما تبعاً لنماذج مختلفة، وهنا لا يكون الخصوم أحراراً في اختيار المحكمين الذين يقومون بإعادة فحص القضية المتنازع حولها، وكل ما يملكونه (وفقاً لنص المادة ١٠٤٥٥ من قانون أصول المحاكمات المدنية الفرنسي) أنه يمكنهم طلب استبدال أحد هؤلاء المحكمين المعينين.
يجمع هذين الإجراءين قاسم مشترك، وهو توقع مشروع حكم المحكمين في المرحلة الأولى؛ وهذا المشروع هو الذي يخضع للرقابة المسبقة للهيئة المشرفة على التحكيم، ولا يتحول حكماً تحكيمياً إلا إذا صدقت عليه وأقرته الهيئة المذكورة المكلفة بالرقابة.
وبالرغم من هذا التشابه بين كل من الرقابة السابقة، وإعادة فحص القضية بدرجة ثانية يظهر بعض الفوارق، فعلي حين أن الرقابة السابقة لحكم المحكمين تعد التزاماً أو شرطاً ضرورياً الإصدار حكم المحكمين، فإن فحص المحكم في درجة ثانية رخصة مخوّلة للخصوم، ولكن هذه الرخصة لا تفترض لإعمالها اتفاق الخصوم، فيكفي أن أحد الأطراف يقدم على إعمال هذه الرخصة حتى تصير حقا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن كل من الإجراءين يتم إعمالهما في أوقات مختلفة لسير العملية التحكيمية ، فالرقابة المسبقة تتم قبل النطق بحكم المحكمين وإعلانه للخصوم، فهي عنصر مداولة بالحكم التحكيمي؛ أما إعادة فحص النزاع، فيتم على العكس ،طلبه، بعد توقيع مشروع الحكم وإعلانه إلى أطرافه، مع الإشارة إلى أن الغاية من الإجرائين مختلفة، فالرقابة السابقة على مشروع حكم المحكمين القصد منها ضمان صحة قرار المحكمين، وضمان فعاليته القانونية بتنقيته - إذا لزم الأمر - من العيوب التي تشوب عدم صحته تلك.
بالرغم من الإيجابية الظاهرة لكل من هذين الإجرائين المذكورين يبقى التساؤل مطروحاً حول مدى جديتها أو اعتبارها معوّقاً للتحكيم : فمن ناحية، إن تكييفهما مثير للجدل، إذ أحياناً تم تكييفهما بأنهما طرق طعن داخلية في هيئة التحكيم المختارة من الطرفين المتنازعين، وقد قضت محكمة زوريخ السويسرية بأن الرقابة المسبقة على مضمون حكم المحكمين يجب التسليم بها، أي قبولها بنفس قدر إمكانية الطعن بالإستئناف أمام هيئة التحكيم المراقبة؛ علماً أن الغالبية من التحليلات تفرّق بين الآليتين أو صورتي الرقابة، إذ ان الرقابة المسبقة لحكم المحكمين تعد نوعاً من الرقابة الإدارية تتم من قبل هيئة التحكيم في إطار مهمتها التعاقدية في إدارة التحكيم، في حين أن إعادة فحص النزاع في الدرجة الثانية يعتبر طريق طعن داخلي (الغرفة التحكيم). ومن ناحية أخرى نازع بعض الفقه «مشروعية» هذه الرقابة المسبقة، وعارض هذا الإجراء كما هو منصوص عليه في نظام غرفة باريس، حتى أن البعض قال بانعدام حكم المحكمين الصادر وفقاً لهذه الشروط الرقابية، لأن ذلك يخالف النظام العام الدولي؛ وذهب بعض أحكام القضاء المقارن إلى نفس هذا المعنى.
والآن، ماذا عن معوقات الطعن بالبطلان؟! قد يتراءى للبعض بأن الطعن الموجه إلى القرار التحكيمي النهائي والصادر عن الهيئة التحكيمية المُراقبة أمر جيد لزيادة حسن الرقابة على هذا القرار لأسباب متعددة، إلا أن الممارسة العملية لعملية الطعن هذه قد تستخدم - أو أنها تستخدم فعلاً – كمعوّق للتحكيم التجاري الدولي لا بل إضعافه والخروج بالتالي عن الغايات التي وضعت له كبديل عن اللجوء إلى القضاء الرسمي، ولعل ذلك يبرز واضحاً خلال أسباب الطعن المكرسة في من القوانين الوطنية أو المتفق عليها في اتفاقية نيويورك لتنفيذ الأحكام التحكيمية والصادرة عام ١٩٥٨ .
إن هذا يقودنا بداية إلى استعراض أوجه الطعن بالبطلان، ذلك أن التشريعات تختلف في بيان أوجه هذا الطعن، ففي بعض التشريعات كالتشريع البريطاني مثلاً، لا يحدد أسباباً محددة لذلك، وقد تأثرت بعض التشريعات العربية جزئياً بهذا المفهوم ولا سيما قانون أصول المحاكمات المدنية في دولة الإمارات العربية المتحدة. وذلك في حالة التحكيم الذي يتم خارج المحكمة ) وهذه النظم تعطي القاضي الرسمي سلطة تقديرية واسعة، ويكون البطلان مبنياً على اعتبارات شخصية مستمدة من السلوك الخاطىء للمحكم وربما من جانب الخصوم، ولا سيما إذا كان هناك مخالفة للقانون:
Where arbitrator has misconducted himself or the proceedings where the arbitrator was guilty of any misbehaviour.
ويفسر البعض هذه الظاهرة، بالروح الخاصة للنظام الإنجليزي، ومضمونها أن نزاهة النظام القانوني لا تتشكل فقط بمعايير قانونية وموضوعية، وإجراءات معدة مسبقاً بواسطة القاضي ولكن من باب أولى النزاهة الشخصية لهؤلاء القيمين على إدارة العدالة.
ولكن في أنظمة أخرى ربطت بين أسس النظام القانوني ورقابة نزاهة المحكم كما عدّدت حالات البطلان وهي مشابهة إلى حد كبير من حيث مضمون الحلول التي تنتهي إليها وهي إلى حد كبير أيضاً منسجمة ما مع ورد في المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك الصادرة عام ١٩٥٨ ونكتفي هنا بما ورد في المادة ١٤٨٤ من قانون أصول المحاكمات الفرنسي الجديد والتي أوردت الحالات الآيلة بالحكم التحكيمي النهائي إلى احتمال البطلان وهذه الحالات هي:
١ - إذا فصل المحكم النزاع من دون اتفاق تحكيمي مسبق أو بناء على اتفاق باطل أو موضوع نقض.
۲ - إذا صدر من هيئة تحكيمية مشكلة تشكيلاً غير صحيح أو من محكم واحد لم يعين بطريقة صحيحة.
3- إذا تجاوز المحكم حدود المهمة الموكلة إليه والمنصوص عنها بصراحة ووضوح في اتفاقية التحكيم المسبقة.
4- إذا لم تحترم مبادىء الوجاهية في إجراءات التحكيم. المنصوص عليها في المادة ١٤٨
ه - في كل حالات البطلان المنصوص . وهي إذا كان الحكم التحكيمي غير معلل وجاء خلواً من الاسماء المحكمين ومن تاريخ الحكم وإذا صدر من دون توقيع جميع المحكمين.
1 - إذا خالف الحكم التحكيمي قاعدة من قواعد النظام العام
وإذا ربطنا هذه الأسباب الواردة في القانون الفرنسي عن قوانين أخرى مشابهة له وطبيعة التحكيم نجد أن الكثير من ه الأسباب ترتبط في الأساس الاتفاقي للتحكيم وبعضها الآخر. أسباب البطلان يعود إلى الطبيعة القضائية لحكم المحكمين المراجع أشبعتها درساً وتعليلاً وتعليقاً ويكفي الرجوع إليها. ولا نرى ضرورة لعرض تفاصيل هذه الأسباب إذ أن الكثير
م - مدى إنسجام نظرية البطلان مع اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي؟!
في ختام هذا العرض لا بد من أن يطرح السؤال حول مدي انسجام نظرية البطلان بكل المعطيات التي سبق العرض لها من اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي؟ سيما وأن غاية هذا اللجوء كما بات معروفاً - التعجيل في مسألة حل النزاع حول منازع تجارية لا تحتمل التأخير بين تجار هاجسهم الوحيد تدوير رؤوس أموالهم واستثمارها، ومن بينها بالطبع ما ينتج عن العملية التحكيمي من مردود تجاري نقدي أو أرزاق مختلفة يحكم بها لأحد الطرفين ومن المعروف - قانوناً - أن دعوى البطلان تقام أما المحكمة الابتدائية المختصة أصلاً بنظر النزاع الذي كان موضوع يسقط الحق في إقامتها إلا للتحكيم ويترتب على ذلك أنه ليس لها ميعاد معين تُرفع فيه، فلا التقادم الطويل، ويسقط الحق في رفع دعوى البطلان بنشوء الحق فيه بالتنازل عن البطلان صراحة أو ضمناً كما لو أقدم المحكوم عليه بتنفيذ الحكم التحكيمي باختياره مباشرة، وهو خيار لا يتعلق بالنظام العام بحيث لا يحق للمحكمة الابتدائية المطلوب منها التنفيذ إثارته عفواً. وهنا يطرح السؤال المكمّل للسؤال السابق حول مدى سلطة محكمة البداية في الفصل بأساس موضوع النزاع في حالة بطلان حكم المحكمين؟
لقد حسم القانون الفرنسي الجواب بالإيجاب وبنص واضح في المادة ١٤٨٥ من قانون أصول المحاكمات الجديد، وهو يرمي إلى الإسراع بالإجراءات في حالة إبطال الحكم التحكيمي، بإعفاء الأطراف من العودة مرة ثانية أمام هيئة تحكيمية جديدة مع كل لاجراءات المؤخرة بالضرورة للحكم الجديد، ومثل هذا النص كان ولا يزال محل جدال بين الفقهاء بصورة عامة، فالبعض يأسف على أن تكون محكمة الاستئناف ملزمة أحياناً بالفصل في الموضوع في ظروف تتطلب سرعة فائقة وحول منازعات لم يعرض مثلها أمامها .
في حين أن نفس المحكمة بهيئة أخرى اعتبرت أن الإدعاء صحة شرط التحكيم لا يشكل عقبة تحول دون التصدي بعدم وفقاً لنص المادة ١٤٨٥ فرنسي، أياً كان للموضوع سبب الإبطال وأنه يجب عليها التدخل لإعمال هذه المادة، وأن تفصل في الموضوع وفي حدود مهمة المحكم.
الأنسب برأينا يمكن أن يكون في تكريس الاستقلال للتحكيم القضائي وبالتالي إعفاء محكمة الاستئناف من القواعد المقررة في المحاكم العادية، ويتم ذلك بإخضاع الدعوى لمجموعة المبادىء المنصوص عنها مثلاً في المادة ١٤٦٠ أصول محاكمات جديد) فرنسي واجبة التطبيق على خصومة التحكيم، الأمر الذي يكفل الإحترام للإرادة المبدئية للخصوم، وبإخضاع النزاع لإجراءات التحكيم وليس للإجراءات القضائية، وكل ذلك لتجنّب البطء الموجود أمام هيئة تحكيم جديدة.
تجاه هذه الصعوبات، إن الآراء تبدو متجهة ضد بلورة النزاع الذي ينتج من الأخذ بالاعتبار اتفاق التحكيم، ما يعني أنه يتوجب الإنتباه إلى تطور النزاع منذ أن يعهد بالمهمة للمحكم، ما يعني أيضاً أن محكمة الإستئناف (أي المحكمة المختصة) عليها أن تفصل في تم مناقشته أمام المحكم، وبصورة عامة أيضاً، يمكن لمحكمة الاستئناف الفصل في الطلبات والدفوع المطروحة أمامها بواسطة الخصوم، وبالسرعة الممكنة.
وما نقترحه هنا هو إمكانية الحدّ من حالة الطعن بالبطلان المبني على تجاوز المحكّم حدود مهمته؛ إذ يخشى أن يؤدي استخدامه إلى أن يجاوز القضاء الرسمي حدود سلطته ويعيد النظر في موضوع الحكم التحكيمي في أساسه كما ويراقب مدى احترام المحكم للقانون بالمعنى الحصري والضيق.
وهو أمر كانت قد تنبهت له محكمة استئناف باريس بقولها: إن جحود إرادة الأطراف ليس وجهاً للطعن لمن يريد الإحتجاج به لأن عدم احترام المحكمين للإشتراطات الإجرائية لا تحرمه من إمكانية التمسك بحقوقه ومن إخباره بأوجه دفاع الخصم وهذا ما هناك ما يمنع كذلك محكمة التمييز الفرنسية حيث قضت بأنه ليس المحكمين من أن يطبقوا على الدفع بالبطلان المثار القاعدة الواردة في المادة ١١٤ أصول مدنية فرنسي) والتي تنص الضرر الناجم عن عدم المشروعية . على أن البطلان لا يمكن النطق به إلا بعد تكليف الخصم بإثبات
- هذا بالمطلق، فماذا عن الأسباب الرئيسية التي تعرض القرار التحكيمي للبطلان أمام المحاكم الوطنية؟ وهل بالإمكان إزالة أو التخفيف من وطأة هذه الاسباب لتمرير العملية التحكيمية التي نظمها وقبل بها المشترع الوطني بالذات؟!
لن يكون سهلاً الدخول في تفاصيل كل الأسباب وكذلك في طرح محاولات جريئة تقرّب العمل التحكيمي من السلطة القضائية، كما لن يكون سهلاً إقناع الحكومات المعنية» بما نحاول أن نقرأه أو نشرحه في ضوء معطيات أصبحت بديهية لا بل تشكل الأمر الواقع الذي لا يمكن إنكاره والذي أصبح قائماً بوضوح علي ظاهرة دولية كاسحة ألا وهي ظاهرة العولمة، والتي أخذت وتبعاً لعناصر تكوينها الإقتصادي والاجتماعي والتكنولوجي في الدخول ببساطة وبمنطق علمي هام عالم صياغة العمل التشريعي وبالطبع التأثير في القرارات القضائية الرسمية وبوضوح أكثر في تنامي وتعاظم أهمية القرارات التحكيمية الدولية في المجال التجاري!
خاتمة
لا يوجد - برأينا - أية شكوك حول الإنقسام الحاد، بين من يناصر تسهيل وتشجيع العمل التحكيمي وعدم عرقلته في مبدئه وإجراءاته وأحكامه، ومن يتشدد في ذلك، وللفريقين أسبابه وتعليلاته ولا نجد مبرراً لتكرار ما قلناه وقاله البعض قبلنا حول ذلك.
ولعله من المفيد لا بل من المنطقي أن نذهب مذهباً وسطاً بحيث لا نرى مبرراً لتعقيد عمل الهيئات التحكيمية بحجج تتمحور في معظمها حول مبدأ سلطان وسيادة القضاء في الدولة المعنية تجاه صلاحيات أعطاها القانون الوطني بالذات من خلال مواد قانون تجارة أو حتى بتشريع خاص للأعمال التحكيمية واعتراف واضح بأحكام المحكّمين بحيث أن جلب الشاهد مثلاً (بالنسبة إلينا) أمام هيئة تحكيم وعن طريق الجهات الرسمية المختصة، لا يعني انتقاصاً من هيبة السلطة القضائية؛ إذ أن خطوة كهذه تفعل عمل المحكم وتعجل بإنهاء العمل التحكيمي؛ وإلا نكون قد وصلنا إلى ما يناقض مبور وجود التحكيم سواء من الناحية العملية أم التشريعية... وإذا أردنا إيضاح وجهة نظرنا، فإن منطلقها هو في تحديد سلطات المحكم.
ذلك أن تلك السلطات لا تخرج عن كونها تتعاطى في إجراءات التحكيم.
- سير اجراءات التحكيم
- سلطة الإثبات وتقدير الأدلة والقرائن موضوع النزاع.
- اختيار القانون واجب التطبيق.
- بالنسبة إلى إجراءات التحكيم يجب أن تتوافر للمحكم السلطات الكافية للبدء بالإجراءات التمهيدية في كل المجالات غير المخالفة للقانون أو للنظام العام والآداب العامة، إضافة بالطبع إلى إدارة الجلسات وتحديد المواعيد وسبلها ووسائلها ومضاعفاتها. مع إعطائه الإمكانية المعقولة لاتخاذ تدابير مؤقتة وإجراءات تحفظية وبالتعاون - أحياناً . مع السلطات القضائية المختصة. - وبالنسبة إلى سلطة المحكم في مجال الإثبات، يجب منحه الإمكانية للإطلاع على مختلف القيود والوثائق والمستندات في أصلها أو بنسخ عنها، مع سماع الشهود وما يترتب من جزاءات على عدم حضورهم مثلاً المادة ۱/۷۷۹) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني كذلك الاستعانة بالخبراء دون التقيد بجدولهم الرسمي.
- أما بالنسبة إلى سلطة المحكّم في اختيار القانون واجب التطبيق، فيجب التفريق بين حالة القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم وذلك الواجب التطبيق على موضوع النزاع. ففي الحالة الأولى، يجب مراعاة الطابع الإتفاقي للمحكمين، بالنظر إلى القواعد التي تحكم سير المنازعة في تحكيم الحالات الخاصة. وللمحكم هنا سلطته في اختيار أو إكمال القواعد الإجرائية لسير المنازعة بما يتناسب مع إنهائها.
وفي الحالة الثانية؛ يجب مراعاة الطابع الإتفاقي للمحكمين في تحديد القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ومنح المحكم السلطة الإستنسابية الأوسع في ذلك بالنظر لمعرفته بخبايا النزاع، خاصة إذا لم يتم اتفاق الأطراف على القانون أو أنه تم في ضوء قانون غير ملائم وغير منتج لحل النزاع، ولا شيء يمنع أن يتم هذا الإختيار
في ظل نصوص الإتفاقيات الدولية وقواعد التحكيم الدولي... من كل ما صار عرضه يلاحظ أن معظم قوانين واتفاقيات منح المحكم التحكيم سواء الوطنية أو المؤسساتية أو الدولية تكاد تجمع على سلطات معينة وواسعة في بعض الأحيان، وتوجب عليه التزامات وتقيده بإجراءات مشابهة وموحدة وإن كانت تختلف في صياغة أحكامها، وهذا التقارب بين أنظمة التحكيم المختلفة يدل دلالة واضحة على مدى أهمية التحكيم في عالمنا المعاصر مما بأن يوحي ن توحيد تلك القواعد بات قريبا وخاصة في ظل إجراء العولمة التي أخذت تتطور تطوراً واضحاً نحو مثل هذا التوحيد وسواء كان الوصول إليه عفواً أو إلزامياً....
خلاصة
تتناول هذه الدراسة بالبحث دور التحكيم التجاري الدولي بشكل عام في المعاملات الدولية الاقتصادية المعاصرة لحل المنازعات الناشئة عنها وما يواجه هذا الدور من معوقات تقف في وجهة العمل على مقاربته من قضاء الدولة.
من هنا تستعرض هذه الدراسة تلك المعوقات وذلك في بابين الأول يتناول جانب صياغة بنود التحكيم وتقنيتها (مرحلة ما قبل صدور الحكم والطعن به).
أما الباب الثاني فيتمحور حول مرحلة صدور الحكم التحكيمي والطعن به وتنفيذه الحكم التحكيمي المؤقت والحكم التحكيمي النهائي؛ وكل ما يثيره البحث في هذين البابين من أسئلة واستفسارات نحاول الإجابة عنها من خلال التعرّف إلى بعض النصوص القانونية والمعاهدات الدولية إضافة إلى أحكام المحاكم؛ ولا سيما فيما يتعلق بمدى انسجام نظرية البطلان مع اللجوء إلى التحكيم التجاري الدولي.