حكم التحكيم / إجراءات إصدار الحكم / الكتب / دور القضاء في منازعات التحكيم في القانونين اللبناني والعراقي (دراسة مقارنة) / الشروط القانونية لقرار التحكيم
سبق القول أن قرار التحكيم يكون قراراً نهائياً للفصل في النزاع، أو قرارا يختص بإجراءات التحكيم وفي كلا الحالتين يتعين أن تتوافر فيه الشروط التي يتطلبها القانون.
الشروط الموضوعية لقرار التحكيم
الشروط الموضوعية اللازمة توافرها في قرار التحكيم هي تلك الشروط التي تمس جوهر موضوع النزاع المتفق بشأنه على التحكيم والفصل فيه، وبصدور هذا القرار ينتهي النزاع وتنقضي اجراءات التحكيم وترفع يد هيئة التحكيم عن القضية التحكيمية .
وطالما أن دراستنا دراسة مقارنة في القانونين اللبناني والعراقي الخاصة بأحكام التحكيم، فأن الأمر يتطلب الوقوف على الشروط الموضوعية لقرار التحكيم التي يشترطها قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني وقانون المرافعات المدنية العراقي وعلى التفصيل الآتي:
صدور القرار في الموعد المتفق عليه قانونا أو اتفاقا :
انسجاما مع الإرادة الحرة الأطراف النزاع في الحصول على قرار تحكيم ينهي بينهما النزاع بالسرعة القصوى، فأن القانونين اللبناني والعراقي فرضـا على هيئة التحكيم بأن تصدر قرارها المنهي للخصومة في المدة ( المهلة) المحددة في اتفاق التحكيم لإصداره. ومدة إصدار القرار وتمديدها، اشارت اليها المادة (۷۷۳) أ م م اللبناني والمادة (٢٦٢) مرافعات عراقي، وسبق أن تم تناولها بالبحث سابقا، لذا نحيل اليها تجنبا للتكرار. وعلى هيئة التحكيم أن تصدر قرارها خلال هذه المدة.
صدور القرار بعد المداولة:
وتوجب المادة (۷۸۸) أ م م اللبناني " في حال تعدد المحكمين تجري المداولة بينهم سرا، ويصدر القرار بإجماع الآراء أو بغالبيتها " ، والمادة (۲۷۰) مرافعات عراقي "يصدر المحكمون قرارهم بالاتفاق أو بأكثرية الآراء بعد المداولة القانونية فيما بينهم..
ويصدر قرار التحكيم بعد مداولة يشترك فيها جميع أعضاء الهيئة التحكيمية ويرتب إغفالها بطلانا للقرار لتعلقه بالنظام العام حيث تضمن حقوق الأطراف. ويجب أن تتم المداولة بسرية تامة لكي يؤكد ضمان استقلال كل عضو من أعضاء هيئة التحكيم فيما أبداه من آراء ومداخلات والمحافظة على سرية الاجراءات وأسرار الخصوم.
صدور القرار بإجماع الآراء أو بغالبيتها :
أوجب القانونان اللبناني والعراقي، صدور قرار التحكيم بالإجماع أو بأغلبية الآراء والحصول على أغلبية الآراء ممكن التحقق، حيث تجتمع الهيئة التحكيمية وتعرض قرار التحكيم على جميع أعضائها ويتداولون في اصدار القرار. وبما أن عدد المحكمين وترا فتحقيق الاغلبية لا جدال فيه، والاغلبية المطلوبة لإصدار قرار التحكيم هي الاغلبية البسيطة.
أن ينصب القرار على موضوع النزاع الوارد في اتفاق التحكيم:
أوجب القانونان اللبناني والعراقي على هيئة التحكيم الفصل في النزاع على أساس اتفاق التحكيم.
وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة التمييز العراقية : إذا كانت موافقة الخصم على إحالة الدعوى على التحكيم غير مقيدة فإن التحكيم يشمل كافة الأمور التي قام عليها النزاع بين الطرفين ويكون للمحكمة تصديق قرار المحكمين .
أن يكون موضوع النزاع الذي صدر فيه القرار من المسائل التي يجوز التحكيم فيها :
يتعين على هيئة التحكيم بموجب القانونين اللبناني والعراقي النظر في موضوع النزاع الذي يجيز القانون التحكيم فيه وهو النزاع القابل للصلح، حيث نصت المادة (٧٦٢) أ م م اللبناني "يجوز للمتعاقدين أن يدرجوا في العقد التجاري أو المدني المبرم بينهم بندا ينص على أن تحل بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن صحة هذا العقد أو تفسيره أو تنفيذه، والمادة ( ٢٥٤ ) مرافعات عراقي "لا يصح التحكيم إلا في المسائل التي يجوز فيها الصلح..."، إذ لا يجوز التحكيم في جميع المسائل كمنازعات الاحوال الشخصية ومسائل الجنسية والجرائم، لأنها من مسائل النظام العام والآداب.
صدور القرار طبقا للقانون الذي اختاره الأطراف:
ألزم المشرع اللبناني هيئة التحكيم بالنزول عند ارادة الخصوم واتفاقهم على حل نزاعهم وفق احكام القانون الذي يتم اختياره. جاء ذلك بنص المادة (٧٦٧) أ م م اللبناني يجوز للخصوم الاتفاق على حل نزاع بطريق التحكيم... ويمكنهم الاتفاق على أن يكون الحل وفق أحكام قانون أجنبي أو عرف أجنبي". وبهذا سمح المشرع اللبناني للخصوم اختيار قانون غير القانون اللبناني أو عرفا أجنبيا على نزاعهم.
كما ألزم المشرع العراقي هيئة التحكيم أيضا باتباع الإجراءات المقررة في القانون وهو قانون المرافعات المدنية، وجاء ذلك بنص المادة (٢٦٥) مرافعات عراقي "يجب على المحكمين اتباع الأوضاع والاجراءات المقررة في قانون المرافعات إلا اذا تضمن الاتفاق على التحكيم أو أي اتفاق لاحق عليه اعفاء المحكمين منها صراحة أو وضع اجراءات معينة يسير عليها المحكمون".
وبهذا الإجراء، قيد القانون عمل هيئة التحكيم ولم يعطها الصلاحية المناسبة في اعتماد قانون أجنبي على موضوع النزاع.
ويلاحظ من النصوص القانونية أن المشرع اللبناني كان واضحا في إعطاء أطراف النزاع حق اختيار القانون الأجنبي الواجب التطبيق على موضوع النزاع، وبالتالي على هيئة التحكيم اصدار قرار التحكيم وفق أحكام القانون الذي تم اختياره من قبلهم على عكس المشرع العراقي الذي قيد التحكيم بالرجوع إلى القانون العراقي حصرا.
أن يكون القرار مسببا وذا منطوق
أوجب المشرعان اللبناني والعراقي على هيئة التحكيم الفصل بشكل نهائي في جميع فقرات اتفاق التحكيم وأن يتضمن قرار هيئة التحكيم على منطوقه، أي أن يتضمن حلا لجميع الطلبات المعروضة عليها واشتماله على الأسباب التي بني عليها، وهذا هو جوهر التحكيم، حيث نصت المادة (۲/۲۷۰) من قانون المرافعات العراقي: " يجب ان يشتمل القرار بوجه خاص على ملخص اتفاق التحكيم واقوال الخصوم ومستنداتهم واسباب القرار ومنطوقه..." ، وبنص الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة (۷۹۰) أ م م اللبناني يجب أن يشتمل القرار التحكيمي على: "٤- خلاصة ما ابداه الخصوم من وقائع وطلبات وأدلة مؤيدة لها. ٥ - أسباب القرار وفقراته الحكمية".
ومن قوانين التحكيم الأخرى التي أوجبت تسبيب القرار التحكيمي، قانون التحكيم المصري رقم (۲۷) لسنة ۱۹۹٤ في المادة (٢/٤٣) : "يجب أن يشتمل حكم التحكيم على أسماء الخصوم وعناوينهم وأقوالهم ومستنداتهم ومنطوق الحكم وتاريخ ومكان إصداره وأسبابه اذا كان ذكرها واجبا". وقانون التحكيم الاردني رقم (٣١) لسنة ٢٠٠١ في المادة (٤١ /ب) : يجب أن يكون حكم التحكيم مسببا إلا إذا اتفق طرفا التحكيم على غير ذلك، أو كان القانون الواجب التطبيق على إجراءات التحكيم لا يشترط ذكر أسباب الحكم وقواعد الاونسترال بنص المادة (٣/٣٤): "يجب أن تسبب هيئة التحكيم القرار ما لم يكن الطرفان قد اتفقا على عدم تسبيبه".
ومن الاتفاقيات الدولية التي أوجبت تسبيب القرار التحكيمي اتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٥ في المادة (٣/٤٨) ، واتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري لعام ١٩٨٧ في المادة (۱/۳۲).
فقد قضت محكمة التمييز العراقية: "المحكمة" تقضي بتصديق القرار اذا جاء معللا ومسببا ومستندا في ذلك على مبررات قانونية مقنعة .
الشروط الشكلية لقرار التحكيم
يتعيَّن أن يتوافر في قرار التحكيم الشروط الشكلية اللازمة لصحته. وجوهر هذه الشروط هو أن يكون القرار مكتوبا وفق الشكل الذي حدده القانون ويوقعه المحكمون أو أغلبية المحكمين ويشتمل على البيانات الالزامية الآتية:
اولا. الكتابة كشرط لصحة القرار التحكيمي
ألزمت أغلب القوانين الخاصة بالتحكيم العربية منها والأجنبية، هيئة التحكيم بوجوب أن تصدر قرارها التحكيمي الفاصل بالنزاع كتابة ومن هذه القوانين على سبيل المثال لا الحصر، قانون المرافعات المدنية العراقي بنص المادة (۲۷۰): "يصدر المحكمون قرارهم ويجب كتابته بالطريقة التي يكتب بها الحكم الذي يصدر من المحكمة"، وقانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني بنص المادة (۷۹۳) : "يجب لغرض إعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي، إيداع أصل هذا القرار قلم الغرفة الابتدائية..."، والمادة (۳۱) من القانون النموذجي للتحكيم يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكم أو المحكمون، والمادة (١/٤) من اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الاجنبية على من يطلب الاعتراف والتنفيذ تقديم أصل الحكم الرسمي أو صورة من الاصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند"، والمادة (٤١/أ) من قانون التحكيم الاردني "يتم تدوين حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون..."، والمادة (۱۲) من قانون التحكيم المصري يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا...".
ويتعين أن يكون قرار التحكيم مكتوبا، فالكتابة ركن شكلي وجوهري لوجوده على عکس صدوره شفاها، حيث لا يتحقق به وصف قرار التحكيم، ومثل هذا القرار يكون منعدما ، ولا يكتسب الحكم الشفهي حجية الأمر المقضي به. ووجوب كتابة القرار تأتي من وجوب إيداعه قلم المحكمة حتى يوضع عليه أمر التنفيذ. ويشترط القانونان اللبناني والعراقي وقوانين التحكيم الأخرى تتقديم صورة أصلية من قرار التحكيم إلى المحكمة المختصة بنظر النزاع لمصادقته لغرض تنفيذه لدى دوائر التنفيذ .
ومن قوانين التحكيم التي أوجبت شرط الكتابة لاتفاق التحكيم، قانون التحكيم الانكليزي .
ولم تشترط قوانين التحكيم الطريقة التي يكتب بها القرار التحكيمي ولا اللغة التي يصدر بها، فيمكن كتابته بخط اليد أو بواسطة الآلة الطابعة، ويكتب غالبا باللغة التي تمت فيها إجراءات التحكيم سواء أكانت اللغة العربية أو أية لغة أخرى حددها اتفاق الطرفين أو هيئة التحكيم .
ومن الجدير بالذكر أن للغة التي تعتمد في الدعوى التحكيمية أهمية خاصة من حيث إدارة جلسات التحكيم والحوارات التي تثار بين الأطراف وكتابة قرار التحكيم حيث لا تحتاج إلى ترجمة . وإذا تطلب الأمر ترجمة القرار والإجراءات التحكيمية إلى لغة أخرى تظهر الكثير من السلبيات منها استغراق وقت إضافي ونفقات وجهد وأحيانا تكون الترجمة غير دقيقة مما يسبب إرباكاً في منطوق قرار التحكيم. لذا دأبت بعض قوانين التحكيم استعمال لغتها أمام هيئة التحكيم ومنها قانون التحكيم الأردني بنص المادة (۲۸) يجري التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك"، والمادة (۲۹) من قانون التحكيم المصري يجري التحكيم باللغة العربية ما لم يتفق الطرفان أو تحدد هيئة التحكيم لغة أو لغات اخرى... "، والمادة (۱/۲۳) من اتفاقية عمان العربية الخاصة بالعمل التجاري " اللغة العربية هي لغة الإجراءات والحكم....