إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من أكثر من محكم واحد فإنه يجب أعضاء الهيئة المذكورة قبل إصدار حكم التحكيم إجراء مداولة بين والمقصود بالمداولة هو تبادل الرأي بشأن نقاط النزاع الواجب جميع الفصل فيها، فيعطى كل محكم مُكنة التعبير عن وجهات نظره وأسانيد بخصوص تلك النقاط والحكم على آراء زملائه بشأنها قبل إصدار الحكم في النزاع. وعلى الرغم من أهمية المداولة وضرورتها فإنه نادراً ما تعنى تشريعان التحكيم بتنظيمها أو حتى النص عليها. وهكذا لم يتناولها القانون النموذج لليونسترال، وسكت عنها القانون الألماني والقانون الهولندي – وفي فرنسا
نص عليها قانون المرافعات الجديد دول بيان كيفية ممارستها، وفي مصر نص عليها قانون التحكيم في المادة (٤٠) وترك لهيئة التحكيم تحديد طريقة إتمامها ما لم يتفق طرفا التحكيم على غير ذلك.
وفي حكم حديث للدائرة (۹۱) بمحكمة استئناف القاهرة قضى بأن: العبارات التي استعملها المحكم صاحب الرأي المخالف) والنصوص الواردة في مذكرته تكفي للدلالة على إجراء المداولة (المطلوبة) هيئة التحكيم، وأن المحكم المذكور الذي رفض التوقيع على الحكم الطعين كان على دراية بمجريات هذه المداولة وأنه قد أبدى لزميليه المحكمين وجهات نظره بشأن الحكم في موضوع النزاع ومعارضته لهما فيما انتهى إليه قضاؤهما فيه وكذا الأسباب التي تحمله، وكل ذلك مما تتحقق به المداولة التي إشترطها القانون قبل إصدار حكم التحكيم...».
وإجراء المداولة شرط جوهري لصحة إجراءات إصدار حكم التحكيم، وهي إجراء واجب حتى ولو لم يكن هناك نص قانوني يقضي بذلك صراحة. فالمداولة حق لأطراف النزاع يتعلق بحقهم في سماع دفاعهم كما قاعدة أساسية في إصدار الأحكام وكل ذلك يتعلق بضمانات التقاضي، وهي مما يتعلق بالنظام العام وفضلاً عن كل ذلك فإن الإشتراك في المداولة حق لكل محكم وفي نفس الوقت واجب عليه، ولذا فإن عدم إجراء المداولة قبل صدور حكم التحكيم يبطله، كما أن بطلان إجراءات المداولة يؤثر في الحكم فيكون سبباً في بطلانه كذلك. وفيما يتعلق بأفضل أسلوب للمداولة رأى البعض أنه أسلوب المداولة الشفوية في حضور جميع يتيح لكل محكم فرصة الوقوف على آراء باقي زملائه قبل أن لأنه يبدي هو رأيه، بينما يفضل آخرون البدء بتوزيع مشروع مكتوب يتضمن التحكيم تحصيل نقاط النزاع وتتم مناقشتها شفوياً قبل أن يبدي كل محكم رأيه بشأن الموضوع، ثم تجرى بعد ذلك مداولة شفوية بشأن المسائل محل النزاع يعقبها عمل مشروع حكم يعكس المداولة المذكورة، يتم تمريره على المحكمين قبل الموافقة النهائية عليه. وتضمن هذه الطريقة تبادل المناقشة الكتابية مرتين على الأقل يفصل بينهما اجتماع، وهو الأمر الذي يؤدي إلى أعضاء هيئة الناحية الفصل بين فهم الواقع وإثباته من ناحية وتطبيق حكم القانون من الأخرى، الأمر الذي يوفر ضمانة أكيدة للموضوعية واختصار الوقت. وفي رأينا أنه لا توجد طريقة مثلى للمداولة تصلح لكل قضية، بل أن لهيئة التحكيم أن تتفق مقدماً على اختيار أسلوب المداولة الذي يناسب ظروف النزاع المعروض، مع ضرورة ملاحظة أن إدارة المداولة فن (art) يتطلب من رئيس هيئة التحكيم التحلي بالفطنة واللباقة والحزم في آن واحد، هذا إلى جانب الثقة المتبادلة الواجب توافرها بين المحكمين
ولم يفرض القانون المصري أو الفرنسي كغيرهما من شكلاً معيناً لإجراء المداولة، وما لم يتفق طرفا ابعات الحديثة التحكيم على طريقة معينة لإجراء المداولة فإن لهيئة التحكيم تحديد شكل أو طريقة المداولة، فلها أن تقرر إجراء المداولة بحضور جميع الأعضاء أو عن طريق تبادل استمارات الاستبيان questionnaires أو المذكرات أو مشروعات الحكم، أو إجراء المداولة عن طريق التليفون أو الفاكس أو الـE-mail أو التليكونفرانس أو الفيديو كونفرانس )
وإذا كان القانون لم يفرض شكلاً معيناً لإجراء المداولة إلا أنه جميع المحكمين الذين يشكلون هيئة التحكيم في إجراءات المداولة وإلا كانت باطلة بطلاناً يؤثر في الحكم.
وفي حالة إجراء المداولة التي يتطلبها القانون فإنه يفضّل إثبات حصولها في مدونات حكم التحكيم، ذلك أنه في مثل هذه الحالة لا يجوز إثبات عدم حصول المداولة إلا باتخاذ طريق الطعن بتزوير الحكم المذكور – أما إذا أغفل الحكم بيان حصول المداولة، فإنه لما كان الأصل في الإجراءات أنها قد روعيت ومن ثم يكون عبء إثبات ما يخالف ذلك على عاتق مدعيه، وله أن يقيم الدليل على ذلك بكافة طرق الإثبات مع ملاحظة ما في ذلك من صعوبات
يلتزم المحكمون بمراعاة السريّة في إجراءات المداولة فيما بينهم، وسرية المداولة قاعدة مستقرة وملزمة دون حاجة إلى نص خاص، وبذلك يلتزم المحكمون بعدم إفشاء الآراء التي تبادلوها أثناء المداولة، بحيث أنه إذا خالف أحدهم هذه القاعدة فإنه يكون عُرضة للمسؤولية المدنية، دون أن تعتبر تلك المخالفة سبباً لطلب بطلان حكم التحكيم.