إن اتفاق التحكيم يعد الأساس الصلب في العملية التحكيمية ومنه يرجع إلى تفاصيل إرادة أطراف النزاع في الإحالة على التحكيم، وسواء ورد ذلك في صورة شرط أو بصورة اتفاق تحكيمي (Arbitration Agreement»، وأنه يتوجب أن تتوافر في اتفاق التحكيم الشروط الموضوعية اللازمة لانعقاده وهي: الرضا والأهلية والموضوع، كذلك يجب أن تتوافر له الشروط الشكلية اللازمة لصحته وهي: : «الكتابة وتحديد موضوع النزاع».
على أنه إذا تخلفت الكتابة، فإن الطعن بالإبطال لعدم وجود اتفاق على التحكيم يكون جائزاً لأي طرف من الأطراف الذي ينازع منذ بدء الخصومة بناء على هذا السبب في صلاحية المحكم في عمله، أن يرفض تماماً أو يساهم أو يشارك في المناقشات أو الحضور أمام الهيئة التحكيمية أو يعلن صراحة بمراسلة مثلا أنه لا يريد محاولة اللجوء إلى التحكيم، أو بأي تعبير صريح أو ضمني يدل على هذه النية .
إذا صدر الحكم التحكيمي بدون توافر الأهلية لدى الطرفين
ونتناول في هذا المبحث ضمن سبعة مطالب أهلية اللجوء إلى التحكيم شكل عام وأهلية اللجوء إلى التحكيم لكل من المفلس والمحكوم عليه بعقوبة جنائية، ووكيل التفليسة والحارس القضائي والوكيل والممثل القانوني، والدولة وأشخاص القانون العام.
أهلية اللجوء إلى التحكيم بشكل عام
لا يكفي لصحة اتفاق التحكيم أن يتوافق الطرفين، وإنما يجب فضلاً - عن ذلك أن تتوافر لهما أهلية الاتفاق على ذلك بمعنى أن تتوافر لهما أهلية ومعلوم أن الرضا يتحقق بين الطرفين بالتقاء إرادتيهما على التحكيم. إرادة حرة لا يشوبها غلط أو خداع أو إكراه بحسب ما جاء في تعريف تلك العيوب في مواد القانون المدني العامة.
على أنه لا يشترط أن تكون هذه الإرادة صريحة وإنما يمكن أن تكون ضمنية تستنتج من معاملات الأطراف السابقة ووضعهم لشرط التحكيم في عقود من نفس نوع العقد الذي أغفلوا فيه ذكر شرط التحكيم لحل ما ينشأ عنه من منازعات، طالما انه لم يستنتج من ظروف هذا العقد وملابساته أنهم تعمدوا إسقاط هذا الشرط بإغفاله، كونهما قصدا عدم اللجوء إلى العملية التحكيمية.
تجدر الملاحظة هنا إضافة لما تقدم، بأن مشكلة الوجود نفسه لاتفاق التحكيم لا يطرح بنفس الشروط عندما يراد ،معرفة ما إذا كان قضاء الدولة أو المحكم هو المختصس برؤية النزاع، وعندما يثار أمام محكمة الاستئناف طبقاً لنص المادة 1/1484 من القانون الفرنسي، فإن احتمال إبطال حكم المحكمين تأسيساً على عدم وجود اتفاق على التحكيم يتوقف على مسلك الخصوم أثناء سير الخصومة التحكيمية، فإذا شارك المدعي رافض الخصومة بدون تحفظ أو اعتراض على عمل المحكم، فهذا التصرف يدل على قبول الجوء إلى التحكيم ما يؤدي إلى رفض طلبه بالإبطال.
والواقع أنه إذا كانت المادة 1449 من قانون المرافعات الفرنسي تنص على أن المشاركة يجب أن تكون مكتوبة، فإن نفس النص يحدد أن هذه الكتابة يمكن أن تظهر في محضر على حدة موقع من المحكوم والخصوم.
هذا ما قالت به محكمة الاستئناف في فرنسا (باريس)، على أن الكتابة بحال عدم وجودها، لا يترتب على ذلك بطلان مشاركة الخصوم وأن الإثبات بالكتابة في مكان النزاع يمكن أن يستنتج من تبادل المراسلات بين الخصوم والمحكم.
الأشخاص الذين مثلهم أحد الأطراف بموجب وكالة اتفاقية أو قانونية أو قضائية، ويجوز لمدير الشركة الذي منحه مجلس الإدارة سلطة إدارة الشركة بشكل عام، حق إبرام اتفاق التحكيم نيابة عن الشركة، طالما كان ذلك من حق مجلس الإدارة الذي فوض بهذه الإدارة، كون التحكيم يعتبر ضرورات إدارة الشركة لفض منازعاتها مع الغير. والأشخاص الذين مثلهم أحد الأطراف بموجب وكالة مفترضة أو ضمنية كالمدين والدائنين من المتضامنين.
ويثور التساؤل هنا حول مدى امتداد أثر اتفاق التحكيم إلى غير أطرافه، وإمكانية التوسع في أطراف خصومة التحكيم بالتدخل أو الإدخال.
في المبدأ، إن خصومة التحكيم تختلف عن الخصومة أمام قضاء الدولة التي قد تشمل، أمام هذا الأخير أطرافاً غير المدعي والمدعى عليه، فيتسع نطاقها فيما بعد أثناء السير في الدعوى، عن طريق تدخل شخص من الغير لم يكن طرفاً فيها، سنداً إلى وجود مصلحة له من تدخله أو لأحد الأطراف من ،إدخاله سواء كان التدخل للدفاع عن أحد الخصوم أو بصدد المطالبة بحق شخصي له في مواجهة المدعي أو المدعى عليه، أو كان إدخاله الدعوى بناء على طلب أحد الخصوم ليكون الحكم حجة عليه، والحكم عليه بنفس الطلبات أو إلزامه بتقديم ورقة أو كان الإدخال بناء على طلب المحكمة أو لإظهار حقيقة النزاع مع توافر عناصر الارتباط بين طلب التدخل أو الإدخال وبين الدعوى الأصلية.
بالمقابل، فإن خصوصية التحكيم، بما لها ما يميزها عن الخصومة أمام القضاء الرسمي، فإن المبدأ، أنه لا يجوز أن يتسع نطاقها لتشمل غير أطراف الاتفاق على التحكيم، حتى ولو امتد أثر هذا الاتفاق والحكم الذي يصدر فيه إلى الغير كنتيجة للرابطة التي تربطه بأحد الخصوم أو كنتيجة لحجية الحكم، ما يعني أنه لا يجوز تدخل الغير أو إدخاله في خصومة التحكيم من صلب المبدأ، ما لم يتفق جميع الأطراف على غير ذلك، سواء باتفاق مسبق التصرف، ذلك أن التحكيم ينطوي على التزامات متبادلة بالنزول على حكم المحكمين، وهذا ما جاء النص عليه مثلاً في المادة 11 من قانون التحكيم المصري بالقول أنه لا يجوز الاتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف على حقوقه...».
فإذا كان من أبرم الاتفاق وكيلاً عن الأصيل أو ممثلاً له، يجب أن تكون له سلطة إبرام الاتفاق نيابة عن الأصيل، وإلا كان الاتفاق باطلا، فالمحامي الوكيل يجب أن تكون وكالته خاصة تخوله الحق في إبرام اتفاق التحكيم فالوكالة العامة في هذه الحالة غير كافية .
تجدر الاشارة هنا، ولكون الاتفاق لا يقتصر أثره على أطرافه، فإن من المسلم به أيضاً أن الاتفاق يمتد اثره إلى من يعتبر طرفاً فيه، حتى ولو لم يوقع
بنفسه على هذا الاتفاق إذا كان من وقع على الاتفاق يمثله.
إن هذا المبدأ لا شك في وضوحه بحد ذاته، لكن يبدأ الغموض باكتنافه عملياً عند محاولة معرفة وتحديد الحالات التي يمكن القول فيها أن شخصاً في الاتفاق رغم أنه لم يكن طرفاً شخصياً فيه، وما هي حدود ما كان ممثلاً هذا التمثيل؟!
إذا كانت الإجابة تبدو واضحة في الحالات التي تتوافر فيها وكالة حقيقية، سواء كانت قانونية أو اتفاقية، فإنها لا تكون كذلك في الحالات التي تبدو فيها فكرة التمثيل أقرب إلى التصور منها إلى الحقيقة، كما هو الحال بالنسبة للدائنين أو المدينين المتضامنين أو الدائنين والمدينين في التزام لا يقبل التجزئة أو الانقسام، ما أثار بعض الخلاف حول ذلك فقها وقضاء. خلاصة القول بهذه المسألة، أنه يعتبر ممثلاً في اتفاق التحكيم، خلف الخصوم، سواء كان خلفاً خاصاً أو خلفاً عاماً ومن في حكمهما من الدائنين، الموكلون وهؤلاء ينقسمون إلى مجموعتين كذلك تتواجد دولياً شركات ذات نشاط عالمي ينتج عنها فروع تابعة لها منتشرة في أنحاء العالم وتأخذ طابعاً محلياً.
في هذا النوع من الشركات وفي مثل هذه الأحوال، فإن اتفاق التحكيم المبرم مع الشركة الأم إلى امتداد أثره إلى الفروع، فيصبح الفرع طرفاً في هذا الاتفاق يحق له أن يلجأ على أساسه إلى التحكيم، كما يمكن على ضوئه أن توجه إليه إجراءات التحكيم.
وكما يكون الاتفاق على التحكيم بين الأشخاص الطبيعيين، فإن لشخص الاعتباري الخاص أو العام يمكن أن يكون طرفاً في التحكيم، شرط أن تكتمل لدى هذا الشخص مقومات وجوده وقت إبرام الاتفاق على التحكيم، وإن المرجع في بيان مدى أهلية أطراف التحكيم يعود إلى قانونهم الشخصي، كما أن التمسك بالبطلان لنقص الأهلية يقتصر على صاحب المصلحة فيه دون غيره من أطراف التحكيم المباشرين أو غير المباشرين. وبالعودة إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958، فإن انعدام الأهلية أو نقصها يعتبر سببا في عدم تنفيذ حكم التحكيم، وذلك سنداً إلى المادة الخامسة الفقرة الأولى منها.
فإن هذا الشرط أثار بعض الصعوبة في التطبيق في كل من فرنسا وإيطاليا ( ) وإذا كانت مسألة الأهلية واضحة وسهلة في القانون اللبناني والمصري إذ فرضت الأولى قيودا على التحكيم بالنسبة للدولة والمؤسسات العامة بينما فرضت الثانية قيودا بالنسبة إلى جنسية الأطراف وموطنهم.
بالنسبة إلى فرنسا: فقد أورد القانون المدني فيها حظراً على أن تكون الدولة أو المؤسسات أو الهيئات العامة طرفا في التحكيم (المادة (2060) غير أنه في تعديل لاحق لهذه المادة بموجب القانون رقم 596 تاريخ 1975/7/9 أجيز للمؤسسات العامة ذات الطابع الصناعي والتجاري أن تكون طرفا في التحكيم بشرط صدور مرسوم يجيز لها ذلك مسبقا.
على قيام النزاع أو باتفاق لاحق عليه ، كأن يتفقا على إمكانية تدخل الكفيل أو الضامن لأحدهما أو للغير للمطالبة بحق شخصي له يرتبط بخصومة التحكيم، أو يتفق على طلب أحدهما إدخال شركة التأمين مثلاً، إنما يجب هنا التأكيد على أن يكون مبنى الحكم، اتفاق جميع الأطراف، فليس للمحكم شخصاً بالمثول أمامه لم يكن طرفاً في الاتفاق التحكيمي، وهذا يذكرنا بالمبدأ القائل بمحدودية تدخل القاضي المدني الرسمي بالدعوى التي ينظرها، فكيف بالمحكم(.
كما ويثور التساؤل هنا حول موضوع آخر لجهة من يعتبر طرفاً التحكيم، خاصة مع تكاثر الوسائل الحديثة لتنفيذ المشاريع الكبيرة والتي تنتمي لجنسيات مختلفة. فهل يعتبر التجمع هو الطرف دون يكون له وحده الحق في اللجوء للتحكيم أم هل يجوز لكل شركة عضو في هذا "التجمع" أن تلجأ منفردة إلى التحكيم أو توجه إليها منفردة إجراءاته سنداً إلى العقد المبرم معها والذي ينص على التحكيم؟
لقد حصل وعرضت هذه المسألة بصورها المختلفة على هيئات التحكيم، وانتهت إلى أن هذه الشركات بمسمياتها المذكورة لها الحق باللجوء إلى التحكيم منفردة على أساس أن التجمع لا كيان قانوني مستقل له ويفتقر إلى سلطة تمثله في تعامله وتقاضيه، وبمعنى آخر لا يتمتع هذا النوع من النشاط المشترك بشخصية معنوية وذمة مالية مستقلة عن ذمم الشركاء.
او نقصان اهلية الشخص الطبيعي الطرف في التحكيم وقت إبرام الاتفاق طبقاً للمادة الخامسة من الاتفاقية للقانون الشخصي لهذا الطرف. تخضع طبقاً ذلك بحسب هذا النص فإنه لا يجوز رفض الاعتراف وتنفيذ الحكم بناء على طلب الخصم الذي يحتج عليه بالحكم إلا إذا قدم هذا الخصم للسلطة المختصة في البلد المطلوب إليها الاعتراف والتنفيذ الدليل على أن أطراف الاتفاق المنصوص عليه في المادة 2 أي اتفاق التحكيم كانوا طبقاً للقانون الذي ينطبق عليهم عديمي الأهلية أو أن الاتفاق المذكور غير وفقاً للقانون الذي أخضعه له الأطراف أو عند عدم النص على ذلك طبقاً لقانون البلد الذي صدر فيه الحكم».
هذا يعني أن اتفاقية نيويورك جعلت المرجع في انعدام أو عدم صحة اتفاق التحكيم أو إعلان بطلانه لاحقاً، فيما عدا الأهلية، للقانون الذي اختاره الأطراف لتحكيم اتفاقهم على التحكيم ذاته أو لتحكيم العقد الأصلي الوارد اتفاق التحكيم في إطاره أو إلى قانون البلد الذي صدر فيه الحكم عند عدم وجود هذا الاختيار، وذلك وفقاً لقاعدة إسناد موحدة دولياً تكفل لهذا القانون وحده دون غيره الاختصاص بحكم الاتفاق التحكيمي في كل ما يتصل بالشروط الموضوعية اللازمة لوجوده وصحته وترتيبه لآثاره، فيما عدا الأهلية التي تخضع للقانون الشخصي لطرف التحكيم الذي يدور البحث حول اكتمال أو نقصان أهليته وقت إبرام اتفاق التحكيم أو العقد الأصلي المتضمن شرط التحكيم.
هذا يعني أيضاً أن اتفاق التحكيم يكون سليما ومنتجاً لآثاره إذا كان الشخص الذي أبرمه يعد وفقاً لقانون الدولة التي ينتمي إليها بجنسية كامل الأهلية. أما إذا كان الشخص الذي أبرم اتفاق التحكيم، يعد وفقاً لقانون جنسيته فاقد الأهلية أو ناقصها، فإن حكم التحكيم الصادر بناء على هذا الاتفاق، يكون قابلاً للطعن فيه عن طريق وسيلة البطلان .
ثم صدر القانون رقم 279 تاريخ 1986/8/19 حيث استجاب لما دعا إليه الاجتهاد الفرنسي من جعل منع الدولة والمؤسسات العامة أن تكون طرفاً في التحكيم يقتصر على التحكيم الداخلي دون الدولي، فنص في المادة التاسعة منه على السماح للدولة والمؤسسات العامة أن تكون طرفاً في التحكيم بالنسبة للعقود التي تبرمها مع الشركات الأجنبية لإنجاز عمليات تتعلق بالمصلحة العامة، وذلك لتسوية ما ينشأ عن هذه العقود من منازعات عند تنفيذها وتفسيرها.