لا يكفي لصحة حكم التحكيم أن يتم بناء على اتفاق الأطراف وتوافر أركان وشروط صحة الاتفاق، وإنما يتعين ألا يكون حكم التحكيم قد صدر بعد انتهاء المدة المحددة للتحكيم، وإلا كان هذا التحكيم باطلا .
ونظراً للطبيعة الرضائية لنشأة التحكيم، فالأصل والقاعدة أن يتولى أطراف التحكيم بأنفسهم تحديد المدة التي يمكن أن تقوم هيئة التحكيم فيها بالفصل بالنزاع أو إنهاء الخصومة دون تدخل من جانب القانون، وفي هذه الحالة يتعين على هيئة التحكيم مراعاة هذه المدة والالتزام باتفاق الأطراف، فإذا لم يتفق الأطراف على مدة معينة أو كان اتفاق التحكيم خالياً من أي ذكر لمدة التحكيم التي يستطيع المحكم أو هيئة التحكيم إصدار الحكم أو إنهاء النزاع خلالها ، فإن القانون هو الذي يتولى تحديد تلك المدة مع اختلاف مداها من تنظيم الآخر، فقد أوجب المشرع المصري أن يصدر الحكم خلال مدة اثني عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم (المادة 45 الفقرة الأولى من قانون التحكيم المصري.
ويفترض أن يكون الاتفاق صريحاً بمقتضى كتابة صادرة منهم جميعا أو بإقرارهم أو يستشف بصورة ضمنية كما إذا حضروا جميعا أمام هيئة التحكيم وتكلموا في الموضوع دون أن يتمسكوا بانقضاء الميعاد .
ذهبت محكمة النقض إلى أن المبدأ المستقر والذي يقرر أن المدة التي تحددها الأطراف لهيئة التحكيم، سواء بطريق مباشر أم عن طريق الإشارة إلى إحدى لوائح التحكيم، من أجل أن تصدر الحكم المنهي للخصومة والانتهاء من مهمتها، لا يمكن تعديلها من قبل المحكمين أنفسهم، ويعد من مقتضيات النظام العام الداخلي والدولي باعتباره مبدأ وثيق الصلة بالطابع الاتفاقي للتحكيم.
وبهذه المثابة، فإن المساس بهذا المبدأ يشكل سببا من أسباب رفض إصدار الأمر بالتنفيذ المنصوص عليه في المعاهدات المبرمة بين كل من فرنسا والمغرب والواجبة التطبيق على التحكيم وأيضا بالإعمال لنص المادة (5/1502) من قانون المرافعات الفرنسية، إذ تحول هذه النصوص للقاضي سلطة الرقابة على مدى احترام الحكم التحكيمى لفكرة النظام العام من الناحية الموضوعية والإجرائية. ولذلك فإن محكمة الاستئناف قد صادفت صحيح القانون عندما قضت في واقع الحال بأن المحكمين بتمسكهم بالسلطة غير المقررة إلا للأطراف أو في حالة عدم اتفاق الأطراف لشخص آخر من الغير مختار لهذا الفرض أو للقاضي قد خالفوا مقتضيات النظام العام الدولي .
ولكن ما هو الأثر المترتب في حالة استمرار هيئة التحكيم في النظر في النزاع رغم انقضاء الأجل؟
إن اثر عدم صدور حكم المحكمين في المهلة المحددة اتفاقا أو قانوناً لإصدار الحكم، هو انفراط عقد هيئة التحكيم واسترداد قضاء الدولة ولايته في نظر النزاع وبطلان الحكم إذا صدر بعد فوات الميعاد هذا ونجد أن قانوني التحكيم المصري والأردني قد رتبا هذه النتيجة، حيث قرر المشرعان أنه في حالة عدم صدور حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة (45) من قانون التحكيم المصري والمادة (37) من قانون التحكيم الأردني أو الميعاد الذي اتفق الأطراف على إنهاء النزاع خلاله، فإن لأي من أطراف النزاع الحق في أن يطلب من رئيس المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع تحديد ميعاد إضافي تحسم النزاع أو إنهاء إجراءات التحكيم، وبعد ذلك يكون لأي من الأطراف الحق في رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع .
اما نظام التحكيم السعودي فقد ترك الحرية للمحتكمين في تحديد مدة الإصدار الحكم خلالها، فإذا لم يتم الاتفاق بينهم على مدة معينة أو تمديد هذه المدة اوجب النظام إصدار الحكم خلال مدة تسعين يوما من تاريخ إصدار القرار باعتماد وثيقة التحكيم وبعكس ذلك يحق لمن شاء من الخصوم رفع الأمر إلى الجهة المختصة أصلا بنظر النزاع لتصدر قرارها إما بالنظر في الموضوع و / أو بعد الميعاد لفترة أخرى تعينها الجهة المختصة (المادة 9 من نظام التحكيم السعودي).
وهذا ما أكدته محكمة النقض المصرية في قرار لها حيث أكدت على أنه:
وإن انتهى الحكم المطعون فيه إلى عدم استيفاء حكم المحكمين موضوع الدعوى الشروط القانونية اللازمة لصحة أحكام المحكمين مما يجعله باطلاً إلا أنه ذهب إلى أن هذا لا ينفي كونه عقدًا رضائيا موقعا عليه من الطرفين اتفقا فيه على اختصاص كل منهما بمسطح معين من الأرض وأقام على ذلك قضاءه بإلغاء الحكم المستانف ورفض الدعوى بإبطال هذا العقد، ولما كان التوقيع من الطرفين في نهاية حكم المحكمين بما يفيد أنهما قبلاه ووضع كل منهما يده على نصيبه من قطعة الأرض حسب ما توضح به أي حكم المحكمين)، لا يعني انصراف نيتهما إلى الارتباط باتفاق أبرم بإرادتهما، وإنما يعني الموافقة على حكم المحكمين الباطل، وهو ما يستتبع بطلان هذه الموافقة ولا تنتج أثرًا ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ومن الجدير بالذكر إن ميعاد .
ومن الجدير بالذكر أن ميعاد إصدار الحكم، تسري عليه قواعد قانون المرافعات، من حيث كيفية احتسابه وإمكانية وقفه وانقطاعه وامتداده بسبب المسافة والعطلة الرسمية، هذا إذا لم يكن هناك اتفاق على هذه المسائل من قبل الأطراف وكان قانون التحكيم المصري هو الواجب التطبيق.
على الرغم من أن قانون التحكيم المصري لم يوضح كيفية احتساب وإمكانية امتدادها.
إلا أن قانون المرافعات نظم هذه المسائل، فالميعاد يبدأ من اليوم التالي للإجراء، وإذا صادف آخر يوم في الميعاد عطلة رسمية، امتد الميعاد لأول يوم عمل فقط مهما كثرت الأيام المادة (18) ولا أهمية للعطلة إذا وقعت في وسط المدة، وتحسب المواعيد بالشهر أو بالسنة الشمسية ما لم يقض القانون بغير ذلك (المادة (15) ويمتد الميعاد كذلك بسبب المسافة من مكان الخصم إلى مكان هيئة التحكيم بواقع يوم واحد عن كل خمسين كيلو متراً أو ما يزيد عن 30 كيلومتراً بحد أقصى أربعة أيام داخل الجمهورية (المادة (1/16) ويمتد الميعاد 15 يوما للأشخاص الذين يقيمون على حدود مصر (2/16)، ويمتد الميعاد 60 يوما للأشخاص الذين يقيمون بالخارج (المادة 1/17).
وتتأثر هذه المواعيد إذا ما وقعت قوة قاهرة أو كارثة طبيعية، ففي مثل هذه الحالة يمتد سريان الميعاد إلى حين زوال هذا المانع وترى أن ميعاد إصدار الحكم تسري عليه أحكام قانون المرافعات سواء أكان الوقف بنص القانون كرد أحد المحكمين أم تعليق الحكم إلى حين الفصل في مسألة، أم انقطاع الخصومة لقوة قاهرة، أم كان الوقف باتفاق الخصوم ويزول الوقف عند زوال السبب.
وتطبيقاً لذلك فقد أكدت محكمة النقض المصرية على هذا المبدأ بخصوص اثر تنحي أحد المحكمين، فأقرت أن الميعاد المحدد في مشارطة التحكيم لإصدار الحكم في النزاع المعروض على الهيئة وعلى ما يجري به قضاء هذه المحكمة، يقف سريانه حتى يصدر من المحكمة المختصة حكم في الدعوى المرفوعة قبل انقضائه بطلب تعيين محكم آخر بدلاً ممن تنحى باعتبار هذه المسالة تخرج عن ولاية المحكمين ومستحيل عليهم قبل الفصل فيها مواصلة السير في التحكيم المناط بهم ويترتب على انقطاع سير الخصومة وقف جميع المواعيد التي كانت سارية في حق الخصوم، ويبطل أي إجراء أو حكم يصدر أثناء فترة الانقطاع وهذا ما أشارت إليه المادة (38) من قانون التحكيم المصري التي أحالت فيما يتعلق بأسباب انقطاع الخصومة أو آثارها على الأحكام الواردة في قانون المرافعات .