فنصت الفقرة الثانية من المادة « ٤٥» على أنه « اذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار اليه في الفقرة السابقة جاز لأى من طرف التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار اليها - في المادة (٩) من هذا القانون ، أن يصدر أمرا بتحديد ميعاد اضافي و بانهاء اجراءات التحكيم . ويكون لأى من الطرفين عندئذ رفـ عواه الى المحكمة المختصة أصلا بنظرها » .
وتستوعب الأحكام التي تضمنتها هذه الفقرة ، كل الحالات التي تشملها الفقرة الأولى ، أى تجاوز ميعاد إصدار الحكم المحدد اتفاقا .. أو قانونا ، كما تشمل تجاوز حالة المد لفترة ستة أشهر أو لمدة أطول باتفاق الأطراف . ووفقا للنهج الجديد الذي سار عليه المشرع ، أصبح جائزا لأى من الطرفين أن يتقدم الى رئيس المحكمة المختصة أصلا بالنظر في النزاع اذا تعلق الأمر بتحكيم غير دولى أو الى رئيس محكمة استئناف القاهرة أو أى محكمة استئناف أخرى اتفق عليها الأطراف ، اذا تعلق الأمر بتحكيم دولى ، وذلك لطلب أحد أمرين: اما تحديد ميعاد اضافى ، أو انهاء اجراءات التحكيم .ولا يتعلق الأمر بمد للميعاد الأصلى يسرى عليه الحد الأقصى الوارد في الفقرة الأولى ، وانما بميعاد يتمتع رئيس المحكمة بسلطة تقديرية في تحديده ، كما أن له أيضا أن يأمر بانهاء الاجراءات ،
وذلك تبعا لمضمون الطلب المقدم اليه .
قد يتقدم طرف بطلب ميعاد اضافى ، بينما يتقدم الآخر يطلب انهاء اجراءات التحكيم .
أو يتخذ موقفا سلبيا ، أو يتوجه بدعواه مباشرة للقضاء بعد فوات المواعيد . وقد تنقضى مواعيد اصدار الحكم ، ويستمر الطرفان في عرض طلباتهم ودفوعهم وتقديم مستنداتهم ، دون احتجاج او اعتراض احدهم بانقضاء المواعيد المحددة لاصدار الحكم ، مما ينم عن اتفاقهم على مد میعاد اصدار الحكم مدا ضمنيا ، وهو مالا غبار عليه ، واذا ثار نزاع وعرض الأمر على القضاء ، فان القاضي مطلق التقدير في استخلاص المؤشرات التي تدل على اتجاه ارادة الأطراف الى المد الضمني لاجل اصدار الحكم .
والواقع أن الذص لم يتضمن تقييد حق الأطراف في الالتجاء للقضاء بعبارة « فى هذه الحالة الأخيرة » أي حالة انهاء الاجراءات ، وانما نص على أنه « ويكون لأى من الطرفين عندئذ رفع دعواه الى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع » ولفظ « عندئذ » يشمل الحالتين ، أى حالة صدور الأمر بميعاد اضافي أو بانهاء الاجراءات ، وهذا ما عبر عنه بوضوح تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشئون الاقتصادية .
فلم تقصر الحق فى الالتجاء للقضاء على حالة صدور الأمر بانهاء الاجراءات ، وهذا الذي انتهت اليه اللجنة ، يتفق و الطابع الاتفاقي للتحكيم ، اذ لا يخفى أن الأخذ بالرأى القائل بقصر حق الالتجاء للقضاء على حالة الأمر بانهاء الاجراءات ، يؤدى الى « ارغام » الطرف الآخر على الاستمرار في التحكيم اذا صدر أمر رئيس المحكمة بميعاد اضافى ، وهو ما يناقض الأساس العقدى والطابع الاختياري للالتجاء للتحكيم . مما يجعل من حق أى طرف الالتجاء للقضاء بعد صدور أمر رئيس المحكمة ، حتى لو صدر هذا الأمر بميعاد اضافى . ويعزز هذا الذي نذهب اليه ، حذف كلمة ( الاذن » التي كانت تتضمنها الفقرة الثانية ، وكان مقتضاها عدم جواز التجاء أى من الأطراف القضاء الا باذن رئيس المحكمة . وقد عدل النص الى صورته الحاليه بتعديل عبارة « مــد الميعاد » فأصبحت تخول رئيس المحكمة ان يأمر « بتحديد ميعاد اضافى ، كما تم حذف لفظ « اذن » ، وبررت اللجنة المشتركة . هذا الحذف بأن الالتجاء للمحكمة المختصة أصلا هو من الحقوق المقررة دون الحاجة الى اذن .
واذا كان مفهوما منع الطرف الذي طلب تحديد ميعاد اضافى من التوجه للقضاء بعد أن استجاب رئيس المحكمة لطلبة باستمرار التحكيم .فانه يبدو غير مستساغ حرمان الطرف الآخر من السعى لقاضيه بعد أن استطال أمد النزاع أمام التحكيم ، فيكون التفسير الصحيح المتسق مع العبارة آنفة الذكر ، أن تحديد الميعاد الاضافى يفتح نوعا من الاختيار أمام الأطراف ، فاما أن يواصلوا عرض نزاعهم على هيئة التحكيم التي لا تنتهى صفتها في نظر النزاع بعد صدور الأمر بتحديد ميعاد اضافى ، أو يؤثر أحدهما أو كلاهما رغم صدور هذا الأمر العودة الى القاضى المختص أصلا بنظر النزاع . تقتصر قيمة ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة ( ٤٦) في ضوء هذا التفسير على أنها تسمح باستمرار مهمة المحكمين وعدم انتهاء صفتهم ، شريطة أن يحظى أمر رئيس المحكمة الصادر بتحديد میعاد اضافى بقبول الطرفين ، أما القول بالصفة الجبرية لهذا الأمر ، وقصر حق الطرفين أو أحدهما في الالتجاء للقضاء على حالة صدور الأمر بانهاء الاجراءات ، فيتضمن اتهاما للمشرع بنوع من العبث اذ بصدور الأمر بانهاء الاجراءات ، يصبح الالتجاء للقضاء حقا من الحقوق التي لا يمكن مصادرتها ، بل ويصبح هو الباب الوحيد المتاح للأطراف بالالتجاء للقضاء باعتبار أن مباشرة المرء لحقه فى التقاضي لا يحتاج الى اذن من رئيس المحكمة .
ويكون معنى النص ، أنه رغم صدور هذا الأمر الذى قد يثير شبهة الحرمان من الالتجاء للقضاء فان لأى من الطرفين أو لكليهما الحق في الالتجاء للقضاء وترك خصومة التحكيم التى لا تزال متاحة له . والواقع أن هذا التفسير هو وحده الذى يعطى العبارة النص معنى ، لأن القول بأن المشرع قصد فتح باب الالتجاء للقضاء على حالة صدور الأمر بانهاء الاجراءات بعد نوعا من تحصيل الحاصل ، وتقرير لما لا حاجة لتقريره .
فان التفسير الذي نرجحه وما يؤدى اليه من نزع الصفة « الجبرية « للأمر الصادر من رئيس المحكمة ، سواء كان بميعاد اضافي أو انهاء الاجراءات يؤدى الى نشوء امكانية متاحة لأى من الطرفين فى الالتجاء للقضاء والقول بجواز التظلم من الأمر باعتباره أمرا على عريضة يعنى احتمال الغاء الأمر ، وبالتالى سلب امكانية الالتجاء للقضاء ، اذا كان الأمر صادرا بانهاء الاجراءات وهو مالا يستقيم والطبيعة الاتفاقية للتحكيم من ناحية ، وطبيعته الاستثنائية من ناحية أخرى، والتى لا يصح معها التوسع في التفسير على نحو يؤدى الى التوسع فى استمرار التحكيم ومنع التجاء أحد الأطراف الى قاضيه الأصلى بعد أن فتح له المشرع هذا الباب بنص صريح وذلك على النحو السابق تفصيله .